تونس في أحضان صندوق النقد الدولي

<img src=http://www.babnet.net/images/6/lagarde.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم عادل السمعلي



في شهر ماي الماضي أعلن صندوق النقد الدولي عن إيقاف جميع مساعداته المالية للدولة التونسية ريثما تستكمل حزمة الاصلاحات الاقتصادية والهيكلية المتفق عليها وأعطى مجلس إدارة الصندوق مهلة بسبعة أشهر لتونس تنتهي بنهاية السنة حتى تنخرط بجدية في تطبيق القرارات والاجراءات المتفق عليها وذلك شرطها لكي تستأنف تسريح القروض المالية الضرورية لانقاذ الاقتصاد التونسي ودفعه نحو التعافي من أزمة هيكلية وفق الشروط المتعهد بها والتي يبدو أن الحكومة التونسية لم تجد الشجاعة الكافية للانخراط في تطبيقها بالسرعة المطلوبة مما دفع صندوق النقد لاتخاذ هذا القرار بقطع الدفوعات المستحقة من القرض الائتماني ليضغط عليها في هذا الاتجاه




إن هذه المهلة التي أعطيت للدولة التونسية كانت بمثابة إنذار غير معلن ودعوة خفية للانضباط والتسريع في إتخاذ القرارات المتفق عليها ثنائيا وقد عبر عن ذلك صندوق النقد الدولي في موقعه الالكتروني قائلا ( إن المهلة ستوفر مزيدا من الوقت للسلطات التونسية لتتمكن من إرساء الاجراءات الضرورية التي تكفل لها الايفاء بتعهداتها وخاصة فيما يخص الاجراءات البنكية والجبائية بما يتيح تقليص نقاط الضعف ويحفز وتيرة تنمية أكثر إدماجا ) ويكون صندوق النقد بهذا القرار قد وضع السلطة أمام الامر الواقع خاصة وأن ميزان القوى التفاوضية ليست في صالحها مع تواصل تدهور مؤشرات الاقتصاد والتوازنات المالية الكبرى


إن الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة والمذكورة في أغلب تقارير صندوق النقد الدولي تتمحور حول ثلاثة أولويات رئيسية وهي تحسين موارد الدولة وإصلاح القطاع البنكي وتحسين مناخ الأعمال وهي إجراءات غير سهلة التحقيق في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد خاصة وأن تفاصيلها يطغى عليها الجانب الاقتصادي والمالي التقني لتحسين المؤشرات والتوازنات الكبرى للاقتصاد على حساب البعد الاجتماعي والطبقات المفقرة والمهمشة وهذا ما يفسر جزئيا تلكؤ الحكومة وتباطؤها في المضي بسرعة في تطبيق هذه التوصيات وكثرة الحديث عن الاجراءات المؤلمة دون خوض في التفاصيل وهي تعرف جيدا أن تحقيق ذلك يتطلب موافقة غير مشروطة من إتحاد الصناعة والتجارة وخاصة من نقابات إتحاد الشغل و ذلك ليس بالأمر السهل في الظروف المعيشية الحالية .

عندما كان نواب مجلس الشعب يصوتون بالموافقة على قانون رسملة البنوك العمومية في بداية هذا الشهر لم يكونوا مخيرين ولم يكونوا في خيار من أمرهم ليقبلوه أو يرفضوه أو حتى يناقشوا تفاصيله ومآلاته بإعتبار أن قرار الرسملة شرط ضروري ومفروض من المؤسسة الدولية المقرضة وأن تصويت النواب عليه كان مجرد أمر شكلي لإضفاء الصبغة الشرعية والقانونية على قرار سبق الموافقة عليه والتعهد باتخاذه في المفاوضات التي سبقت مع صندوق النقد الدولي ومن هنا يظهر البعد الشكلي والصوري لهيئة دستورية منتخبة تمثل الشعب حتى أنه من سخرية الأقدار أن بعض النواب الذين صموا آذاننا بالحديث عن منوال إجتماعي للتنمية وعن الرأسمالية المتوحشة لم يجدوا بدا من التصويت الايجابي على القانون والموافقة على تمريره ....


إن رسملة البنوك العمومية هو شرط صندوق النقد الدولي لضخ مزيد من القروض الخارجية في الاقتصاد التونسي لحفظ التوازنات المالية المنهارة تدريجيا منذ خمس سنوات وهذا الشرط ليس هو الشرط الوحيد للصندوق بل سيتبعها تحقيق شروط أخرى لا تقل خطورة وأهمية مثل رفع الدعم وتجميد الاجور وحوكمة المؤسسات العمومية وترفيع سن التقاعد وغيرها من الشروط التي ستظهر للرأي العام تباعا وهي توصيات غير خفية ولا سرية وفهي منشورة بالتفصيل في كل تقارير صندوق النقد الدولي الخاصة بتونس

وعطفا على ذلك لم تكد تمر ثلاثة أسابيع على تمرير قرار إعادة رسملة البنوك العمومية حتى أطل صندوق النقد الدولي برأسه من جديد ليعلن بتاريخ 29 أوت الجاري عن قراره بتسريح قرض جديد لتونس بقيمة 588 مليون دينار سيقع صرفه نهاية شهر سبتمبرالحالي ويخرق بذلك مهلة السبعة أشهر التي منحها لتونس وهذا مما يؤكد بلا ريب العلاقة الشرطية بين الرسملة البنكية وتسريح مزيد من القروض الخارجية لانقاذ الاقتصاد التونسي من الانهيار ويؤكد كذلك أن الطبقة الحاكمة وغير الحاكمة وأحزاب اليمين وأحزاب اليسار ليس لديهم حلول غير المزايدة و الادعاء ومن ثمة الارتماء في أحضان الممول الأجنبي وصندوق النقد الدولي وأن كل البرامج الاقتصادية التي عرضت في الانتخابات وكل نماذج التنمية التي صموا بها آذاننا إنما هي مجرد مواضيع إنشاء .لتلاميذ الابتدائي ..


من المؤسف حقا أن أغلب الذين نادوا بمنوال تنمية إقتصادي جديد ظهروا على حقيقتهم الفكرية و السياسية المحدودة وظهر بالكاشف أنها مجرد مزايدات وأن منوال التنمية الوحيد الذي تتجه نحوه البلاد هو منوال صندوق النقد الدولي وشروطه المجحفة وهذا المنوال الذي لا يحبذ إلا الخصخصة وتراكم الرأسمال والذي يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا في دورة تونسية جديدة قد لا تختلف عما عرفه تاريخ تونس من أزمات ومظالم وإنتفاضات الفقراء فسياسة الاملاءات التي ينتهجها صندوق النقد الدولي تجاه الاقتصاد التونسي بغية فرض منوال التنمية نفسه والمعتمد منذ اكثر من ستين سنة لن يعيد إلا إنتاج نفسه ولقد كان من الاجدر على الحكومة التونسية ان تراجع خياراتها الاقتصادية الفاشلة والتي دمرت الاقتصاد التونسي ولعل خير دليل على ذلك ان نسبة النمو لم تتجاوز 1 بالمائة والقادم أخطر



Comments


5 de 5 commentaires pour l'article 110930

Amir1  (Hong Kong)  |Lundi 31 Août 2015 à 10:17           
لو أن الحوار الوطني يتجاوز النفاق ومهمة "التسويات الوقتية"يتوسع من أجل مشروع وطني تزال من أمامه كل الخلافات الإيديولوجية ويتم الإتفاق علية كما تم بالنسبة للدستور. فإننا سنتجاوز كل الصعوبات بأقل الأثمان. فقط لو...

Wissem_latrach  (Tunisia)  |Lundi 31 Août 2015 à 08:58           
إنه الإنتقال الديمقراطي السلس من الديكتاتورية السياسية إلى الديكتاتورية الإقتصادية

MOUSALIM  (Tunisia)  |Dimanche 30 Août 2015 à 22:49           
مقال يؤكد أن تونس تفصلها لحظات قبل الكارثة والتي تذكرنا بسنوات الجمر في عهدي الديكتاتورية والإستبداد وثورة الخبر والمواجهة بين السلطة والإتحاد فكلما اختلت الحكومة مع صندوق النقد الدولي إلا وكان الشيطان ثالثهما .

BENJE  (France)  |Dimanche 30 Août 2015 à 22:04           
Scénario a la greque qui se prépare avec le FMI et les créanciers . Sans vous démoralisez il faut faire çes réformes et on a pas le choix ...la preuve la Grèce a essayé en vain de tenir tête mais finalement elle est rentré dans les rangs ! Le monde de la finance est impitoyable malheureusement !
A ceux qui prônent de changer de d'économie et limoger le gouvernement pour sortir de ce cercle vicieux credit - dette je leurs dis la tunisie n'est pas un laboratoire et en tout cas elle ne dispose d'une manne pétrolière et des entreprises solides alors faite attention les conseilleurs ne sont pas les payeurs et que vous vivez en Europe (dans des pays riches) votre salaire tombe à la fin du mois ce qui n'est pas le cas de nos
compatriote de l'intérieure !

Mandhouj  (France)  |Dimanche 30 Août 2015 à 20:31           
الحكومات التونسية منذ الثورة لم تتمكن من إدراج أي عملية إصلاحية جدية ، ما هو المانع ؟
كل الوصوليين الذين يعملون في مقامات عالية في الادارة الوطنية الحكومية و الشركات العامة .
الذي يدفع ثمن الاصلاحات هو المواطن البسيط و الطبقة الوسطى التي كالمواطن البسيط تعاني الأمرين .
الثورة من جديد واجبة ، و إلا تونس تدخل كلها في حائط صم و صلب .
ازلام الثورة المضادة مستعدين لذلك ، لان الأمر سهل بالنسبة لهم ، الهروب بعد تحويل الأموال للخارج .

اليوم حكومة الصيد ، عفوا حكومة السراق، تعمل جادة في تحطيم كل روح وطني ، عبر القوانين الفاسدة و عبر مسلسل التخويف من الارهاب والحرب عليه .

نتمنى لابناء احزاب الرباعي أن يستفيقوا ، فالقيادات ماتت و انخرطت كلها في حزب الثورة المضادة .


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female