قانون للإرهاب، على مقاس الدول المصنعة للإرهاب

وسام الأطرش (*)
لا يخفى على كل ذي لب وبصيرة، أن الإرهاب لدى قوى الإستعمار الدولي صار عقيدة راسخة وطريقة ثابتة في بسط الهيمنة والنفوذ وتمرير الأجندات وفرض الإملاءات وصناعة القرارات المتحكمة في مصائر الشعوب، وإلا كيف استطاع النظام الرأسمالي العالمي أن يلقي بظلاله على بلدان العالم الإسلامي لولا أشواط من الحروب الساخنة والباردة وجولات من الصراع على النفوذ استغلت حالة من الضعف الفكري والفراغ السياسي لدى الأمة، وانتهت بتقسيم جسدها إلى دويلات وكيانات هزيلة لا تقدر على مواجهة إرهاب أفراد وجماعات فضلا عن إرهاب دُولٍ

أما حين يُراد للإرهاب أن يكون أكثر فاعلية في تمزيق وتشتيت الأمة واستهداف أمنها وجيشها، فإن الدور يوكل إلى أجهزة المخابرات العالمية لتصبح صناعة الإرهاب قوتها اليومي، فتنتقل دول الإستعمار من ممارسة الجرائم الإرهابية باسمها وتحت راياتها إلى نسب كل تلك الجرائم البشعة إلى أصل تجاري واحد يكون بمثابة تنظيم متعدد الجنسيات بتعدد جنسيات مموليهيحمل راية الإسلام وينسب إلى أمة الإسلام ولكن الإسلام منه براء، وقد توافقت قوى الاستعمارأخيرا أن يكون تنظيم داعش العالمي ذاك هو الأصل التجاري المربح، مادام يعفيها عن المساءلة والمحاسبة ويضع المسلمين في قفص الاتهام مع كل عملية يتبناها هذا التنظيم المشبوه، بل يتبناها الإعلام الرسمي نيابة عنه وعن زعيمه المسردب.
إزاء هذا المنعرج الخطير في تاريخ البشرية، صار من الضروري التصدي إلى موجة الإرهاب الدولي وكشف أجنداته وفضح ممارساته الخطيرة في حق الشعوب، سواء الإرهاب المباشر الذي يمارسه الإستعمار بآلته العسكرية وجيوشه النظامية، أم الإرهاب المُقنّع الذي تباشره المخابرات الدوليةوالشركات الأمنية الخاصة وتتخذه قوى الاستعمار ذريعة للتدخل المباشر في شؤون المسلمين.
تونس الثورة، لم تسلم بدورها من تنامي موجة الإرهاب في المنطقة، بل شملها هذا الفيروس الذي طفق يبتلع الحكومات ويرسم المحطات السياسية في البلاد ليؤكد للجميع أن للإرهاب يد كبرى تحميه وأخرى تموله وتغذيه حتى لا يتخلف عن موعد، ليضرب من جديد في الزمان والمكان المناسبين ويترك وراءه رواية رسمية مهزوزة تعطينا نصف الحقيقة في أقصى حالات الصدق، لأن نهاية من يشرع في كشف الوجه الخفي للإرهاب ستكون ببساطة عبر خبر عاجل في إعلامنا يلحقه بقائمة ضحايا السكتة القلبية العجيبة.
وفي الوقت الذي تم فيه توريط البلاد باتفاقية مخزية مع أمريكا وحلفها الأطلسي لم ينف على إثرها رئيس الدولة وجود طلب رسمي من نظيره الأمريكي بتثبيت قاعدة عسكرية في تونس، بل في الوقت الذي تتتالى فيه العمليات الإرهابية المدروسة كمقدمة لتغيير الخارطة السياسية في الشمال الإفريقي والذي من أجله أبدت بريطانيا استعدادها للتدخل العسكري في ليبيا،في هذا التوقيت المشبوه، ولد من رحم مجلس نواب الشعب قانون لمكافحة الإرهاب ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، حيث لم يخف هذا القانون في طياته انبثاقه من قانون بن علي المنقح سنة 2009، حتى لا يعترف بصلته المباشرة بقانون 2003 سيء الذكر.
أما عن الرحمة الظاهرة، فهي محاولة يائسة من قبل البرلمان الحالي للنفخ في قانون بن علي وإحياء بنوده بعد الثورة حتى يقتنع الناس أن التصدي للإرهاب يقتضي بالضرورة وجود مثل هذا القانون الصارم وأن بنوده زاجرةلفئة الإرهابيين الذين يتم قتلهم غالبا ودفن الحقيقة معهم إثر كل عملية. لذلك يجب على الشعب أن يهلل ويكبر فرحا بتشريع هذا القانون، وإلا فإنه مُدان بموجب القانون نفسه، مشارك في تبييض الإرهاب مادام ممن يرفضون قانون مكافحة الإرهاب المقدس .
وأما عن العذاب الذي يبطنه هذا القانون، فهو متأت من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول هو أن صيغته الكارثية التي تمت المصادقة عليها إثر عملية سوسة أشد خطرا على أهل تونس من سابقاتها، حيث صارت تضع كل من يطالب بالإسلام ودولته ضمن مرتكبي الجريمة الإرهابية لتترك للأمن والقضاء فيما بعد انتقاء ضحايا هذا القانون الجائر.
لا نقول هذا الكلام رجما بالغيب أو لمجرد التعبير عن مشاعر الرفض القاطع له، إنما هو واقع فعلي تعبر عنه فصول هذا القانون بكل وضوح، حيث جاء في الفصل 33 منه ما نصه:
يعد مرتكبا لجريمة ارهابية ويعاقب بالسجن من عشرة أعوام إلى عشرين عاما وبخطية من خمسين ألف دينار إلى مائة ألف دينار كل من يتعمد ارتكاب أحد الأفعال التالية، ثم ذكر من بينها: إعداد محل لاجتماع أعضاء تنظيم أو وفاق إرهابي أو أشخاص لهم علاقة بالجرائم الإرهابية المنصوص عليها بهذا القانون أو إيواؤهم أو إخفاؤهم أو ضمان فرارهم أو عدم التوصل للكشف عنهم أو عدم عقابهم أو على الإستفادة بمحصول أفعالهم .
طبعا، سيدافع البعض عن هذا الفصل بمعزل عن سائر بنود هذا القانون، فيقول أن الإجتماع في المحلات خاص بالتنظيم أو الوفاق الإرهابي، لا بباقي أبناء الشعب المسلم، ولكن الفصل 30 نفسه يجيب هؤلاء بشكل لا لبس فيه، حيث يقول:
يعد مرتكبا لجريمة ارهابية ويعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وبخطية من خمسة آلاف دينار إلى عشرة آلاف دينار كل من يتعمد علنا وبصفة صريحة الإشادة أو التمجيد بأي وسيلة كانت بجريمة إرهابية أوبمرتكبيها أو بتنظيم أو وفاق له علاقة بجرائم إرهابية أو بأعضائه أو بنشاطه أو بآرائه وأفكاره المرتبطة بهذه الجرائم الإرهابية.
فكم من شخص يمكن أن يشمله الآن هذا القانون لمجرد الصدع بالحق في مجلس يقر من خلاله أن للإسلام سلطان مغتصب ودولة يجب أن تقام وأحكام غائبة يجب أن تطبق؟ وهل أريد للشعب أن يعود من خلال هذا القانون إلى مربع الديكتاتورية الأول فيظل بين مطرقة الأمن وتجاوزاته وسندان القوانين الجائرة التي تجلبه إلى مراكز البحث والتفتيش؟
الوجه الثاني هو توريط شق كبير من قوات الأمن في ممارسات ظننا أنها دفنت مع العهد البائد، ليفرح الشق الآخر بتقنين استعمال العصا الغليظة مع أبناء شعبه وأمته، ويعيد إلى ذاكرة أهل تونس حوادث أليمة ليس آخرها مقتل الشاب سيف الدين بن عزيزة نتيجة الإرهاب الذي مورس ضده من قبل بعض أعوان الأمن في سوسة، وهو إرهاب راسخ لدى البعض تحكمه وتحركه بعض أفكار قمعية متطرفة، لا يدينها قانون، حيث تجعل جبابرة الداخلية يستأسدون على الناس دون رحمة أو شفقة أو اعتذار، إلا في حالة تبين وجود زميل يقال له: سامحني، نسخايلك مواطن .
أما الوجه الثالث فهو أن هذا القانون بشكله الحالي، يبقى سيفا مسلطة على رقاب المسلمين في تونس ما لم يتصدى لموجة الإرهاب الدولي المتصاعد ولما تقوم به المخابرات الدولية من جرائم منظمة يُغتال فيها القادة وتُستهدف فيها أرواح الأتباع دون كشف للفاعل الحقيقي أو محاولة لمعرفته فضلا عن إمكانية إدانته. وإلاّ، فليحدثنا خبراء القانون والسياسة في تونس عن فاعلية هذا القانون إذا تكررت حادثة القبض على مسلحين أجانب وتهريبهم بزعم أنهم يحملون بنادق صيد، أو سيناريو البلغارية واللحى المصطنعة أو حادثة الجواسيس الروس وغيرها، بل ليحدثنا هؤلاء عن توصيات مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة في صياغة هذا القانون وعن رؤية مجموعة الأزمات الدولية لطرق إصلاح المنظومة الأمنية بعد حصولها على شهادات من داخل المؤسسة الأمنيةوعن سائر أشكال التدخل السافر في أمننا الداخلي المستباح.
بات واضحا إذن، أن هذا القانون الذي تم تمريره ضمن سلسلة من القوانين المشبوهة مثل قانون المصالحة وقانون الميزانية التكميلي في هذه الصائفة الساخنة، ليس له من هدف سوى خدمة الإستعمار بكل أنواعه وأشكاله، ما دام عاجزا عن منع تصدير الإرهاب إلى بلادنا من قبل الدول المصنعة له، بل مادمت هذه الدول هي من يقف وراء فرض صياغته بهذا الشكل الجائر إمعانا في الإعتداء على الصحوة الإسلامية وتكبيل نشاط حملة الدعوة الإسلامية ودعاة الخلافة تحت غطاء مكافحة الإرهاب والحرب على داعش ومشتقاتها. إنه حل لمشاكل الإستعمار صانع الديكتاتورات السابقة وداعمها، ولذلك لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال حلا لمشكلة يعيشها المسلمون في تونس.
(*) عضو المكتب السياسي لحزب التحرير تونس
Comments
11 de 11 commentaires pour l'article 109794