افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"

في إطار افتتاح الدورة الأولى من تظاهرة "شهر السينما الوثائقية"، تم مساء أمس الخميس بفضاء "سيني مدار" بقرطاج، تقديم العرض ما قبل الأول، في تونس، للفيلم الوثائقي الطويل "خرافة / تصويرة" لصابر الزموري.
ويطرح العمل جملة من التناقضات في عيش الأفراد بين مناشدة الحياة التي يحلمون بها وسطوة الواقع، وبين الحنين إلى الجذور والهروب من الوضع الاجتماعي القاسي، وبين استخدام الصورة للتعبير ونقدها بصفتها آداة هيمنة ثقافية، خاصمة من خلال مساهمتها في الترويج لحلم الهجرة للشمال، وتحديدا لفرنسا ليكتشف المهاجرون أنها ليست النعيم المنشود.
ويطرح العمل جملة من التناقضات في عيش الأفراد بين مناشدة الحياة التي يحلمون بها وسطوة الواقع، وبين الحنين إلى الجذور والهروب من الوضع الاجتماعي القاسي، وبين استخدام الصورة للتعبير ونقدها بصفتها آداة هيمنة ثقافية، خاصمة من خلال مساهمتها في الترويج لحلم الهجرة للشمال، وتحديدا لفرنسا ليكتشف المهاجرون أنها ليست النعيم المنشود.
ينطلق العمل من تفاصيل الحياة اليومية للأفراد في منطقة "زامور" من الجنوب التونسي، مسقط رأس المخرج، ليبين مسألتين أساسيتين الأولى هي التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه هذه المنطقة حيث تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم، والمسألة الثانية، العودة بالتاريخ إلى دخول الكهرباء ومن ثم التلفاز لتلك المنطقة سنة 1989، وكيف ساهمت الشاشة في ترسيخ حلم الهجرة إلى فرنسا في أذهان شباب "زامور".
وينقسم العمل إلى جزأين، جزء في زامور، وثان في العاصمة الفرنسية باريس، حيث يصور المخرج تفاصيل عيش شاب تونسي كبر مع حلم الهجرة إلى بلد "برج إيفل" الذي كان يُتأمله يوميا في صورة "مركبة" لوالده حذو هذا البرج، استُعملت في ديكور منزلهم وكأن الابن تبنى حلم والده وعاش وكبر معه، وبيّن العمل البون الشاسع بين ما حلُم به الشاب وما يعيشه خاصة وأنه يمتهن عملا شاقا وهو نقل وإيصال البضائع.
وإن حاول الزموري تقديم هذا الشاب على أنه الشخصية الرئيسية للعمل، إلا أن المخرج هو من كان بطل فيلمه، حيث تتعلق كل تفاصيل الفيلم وأحداثه بحياته بدءا بوالدته التي تظهر في العديد من المشاهد ومرورا بتفاصيل المنطقة التي غادرها في سن السابعة والعشرين، وكأنه يحاول أن يشرح لنفسه وللجمهور لماذا هاجر، وهو الذي يطرح في الفيلم سؤالا مفاده، هل اخترنا الهجرة أم دُفعنا إليها، وهو سؤال أجاب عنه في نقاش العمل بأن الهجرة لم تكن خيارا بقدر ما هي تندرج ضمن أجندا كاملة انطلقت مع دخول التلفاز للبيوت وتم تطبيقها من خلال المحتوى الذي يبث والذي يصوِر فرنسا على أنها النعيم، في حين أنه دعوة للشباب للهجرة لسد الشغور الحاصل في اليد العاملة هناك آنذاك.
استعمل الزموري في الفيلم أسلوب الترميز إذ ينطلق العمل بمشهد الأم التي تضع القطن في عين ابنها، ويختتم بمشهد يبين كيف نزعت هذا القطن وهو يحمل أوساخ تراكمت في العين نتيجة التلوث والرمل، وحسب ما أوضحه المخرج، هي تقنية معتمدة في زمور وتتقنها والدته وتساهم من خلالها في نفقات العائلة، وتقوم أساسا على استخدام القطن لتنظيف العيون، وحول رمزية العين أشار الزموري إلى أنها ترمز للنظرة ولوجهة النظر التي تتأثر بكل ما نشاهده من صور وغيره.
وقد اختار المخرج لفيلمه عنوان "خرافة/ تصويرة"، وتعني الخرافة في هذا السياق قصة الفيلم وقصة زمور وهجرة شبابها هربا من واقعهم المرير، أما "التصويرة" في مرتبطة مباشرة بالصورة التلفزية التي حسب تقدير المخرج قلبت الحياة في بلدته رأسا على عقب.
ولتبيان مُراد طرحه اعتمد المخرج أسلوب الصوت المرافق "voix off" ليقدم من خلاله أرائه ومواقفه التي ضمنها في العمل بطريقة أدبية، كما جعل من صوته أداة ربط بين عالمي الفيلم زمور وباريس.
لم يصور صابر الزموري أوروربا على أنها مكان يطيب فيه العيش بل سلط الضوء على معاناة المهاجرين بين التعب والاستغلال والعيش في ظروف اجتماعية مرهقة، ومع ذلك حين سُؤل من قبل أحد المهاجرين الذين أبرزهم في عمله عن ما إذا كان يريد العودة إلى تونس أجاب بأنه لا يحب ولا يستطيع لعديد الأسباب التي تحدث عنها في العمل، وكأن المخرج بصدد طرح التناقضات الداخلية التي يعيشها فهو لا يريد العودة وفي الآن ذاته لا يحلو له المقام، وهو ما أجاب عنه في المشهد ذاته بأن الإنسان لا يمكن أن يرضى في أي مكان بل هو دائم البحث عن الأفضل وعن المعنى.
يساءل الزموري في هذا العمل الذي كتب نصه وأخرجه، علاقة الإنسان بالفضاءات (الأمكنة) وكيف يمكن لإنسان أن يُحب مكان، كحبه لزمور، ولكن لا يستطيع العيش فيه، وكيف يمكن أن يمقُت فضاء، ككرهه للمدينة (باريس رمز لها) الذي عبر عنه في النقاش، ومع ذلك يعيش فيه.
يجمع هذا الفيلم بين الواقع، والتأمل والتفكر فيه، وبين العودة بالذاكرة إلى الماضي، وبين النقد المتواصل للحاضر ولما خلفته سياسات الماضي خاصة الاتفاق الذي تم بين الحكومتين التونسية والفرنسية سنة 1989 من أجل بث برامج القناة الفرنسية الثانية مباشرة على الشبكة الأرضية للقناة الثانية للتلفزة التونسية، والذي اعتبره المخرج بوابة لبث الأجندات ولاستقطاب الشباب، ومع كل النقد الذي وجهه المخرج في عمله وفي خطابه خلال النقاش للسياسات الفرنسية ولظروف العيش هناك، إلا أنه اختار انجاز هذا الفيلم بدعم مادي من عدة هياكل فرنسية رسمية وغير رسمية، أو ربما لم يكن هذا الجزء أيضا خيار في ظل ضعف الموارد والدعم للمشاريع الثقافية .
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 315091