اضواء على الجهات: ميناء كاب الزبيب : بين ذاكرة الطنّارة وتحديات الواقع

<img src=http://www.babnet.net/images/3b/68c2b7a1dec0e8.09781165_kegmfilponjhq.jpg width=100 align=left border=0>


وات - مختار بن جديان - على طول الساحل الشرقي لولاية بنزرت، تتوارى بين الأمواج وذكريات الماضي منطقة كاب الزبيب، حيث ما زال صدى أصوات الميناء القديم و"الطنّارة" يتردد في أذهان أهالي البلدة.
قوارب خشبية غلفها ملح البحر تحكي قصص صيادين عانقوا البحر طويلاً، وصادوا التونة بخبرة تقليدية، قبل أن تتغير أساليب الصيد وتدخل التكنولوجيا مكانها. هذا الميناء، الذي كان يومًا مصدر رزق وخير، يواجه، اليوم، تحديات متعددة، من ضيق المساحة إلى التغيرات المناخية وأعطال القوارب، إلا أنه يظل شاهدًا على حكايات البحر وصمود أهالي المنطقة.


ذاكرة الطنّارة وصيد التونة



لا يزال أهالي منطقة كاب الزبيب التابعة لبلدية الماتلين – شرقي ولاية بنزرت – يستحضرون أصوات الميناء القديم وضجيج الصيادين وهم ينصبون "الطَّنّارة"، تلك الطريقة التقليدية الشهيرة لصيد سمك التونة في البحر الأبيض المتوسط، والتي عُرفت بها السواحل التونسية ولا سيما بنزرت.
الطنّارة هي شبكة ضخمة وثقيلة تُثبت في البحر على شكل ممرات وغرف متسلسلة، وتُنصب في مسار هجرة التونة خلال فصلي الربيع والصيف، حيث تمر الأسماك قادمة من المحيط الأطلسي إلى المتوسط، تدخل التونة تدريجيًا إلى هذه الغرف حتى تصل إلى الغرفة الأخيرة، المسماة "غرفة الموت"، حيث تُحاصر ثم تُرفع إلى القوارب.
لكن هذه الطريقة توقفت منذ سنة 1997، حين دخل ميناء الصيد البحري الجديد حيز الاستغلال، ويؤكد الصيادون أن الاستغناء عن هذه التقنية التقليدية قلّل "البركة" في البحر، حسب تعبيرهم وأدى تدريجيًا إلى تراجع الإنتاج البحري.

قوارب متعبة وأحلام مؤجلة

على أرصفة الميناء ترسو قوارب مختلفة الأحجام والألوان، بعضها يخرج مع الفجر ولا يلبث أن يعود بسبب تقلبات الطقس، وبعضها الآخر يبقى مكانه إمّا بسبب أعطال كهربائية أو في انتظار جرعة وقود لا تتوفر إلا من مركز ولاية بنزرت.
في إحدى الزوايا، تستريح قوارب خشبية قديمة، تغلفها طبقات الملح وتخترق خشبها شقوق وجروح، حتى تحولت إلى هياكل يابسة تتآكلها الرياح والرطوبة، كانت يومًا ما تلاطم الأمواج بشجاعة، تحمل الصيادين في رحلاتهم وتعود محملة بخيرات البحر.
فتحي لامين، المكلف بتسيير الميناء، يؤكد أن كاب الزبيب يمثل شريانًا حيويًا لأهالي المنطقة الذين يقتاتون من خيراته، لكن التغيرات المناخية وضيق المساحة – أربعة هكتارات فقط تحتضن أسطولًا يضم حوالي 70 مركبًا قارًا وغير قار – جعلا الميناء يواجه صعوبات متزايدة، ومع ازدحام القوارب عند سوء الأحوال الجوية، يدعو لامين السلطات إلى تسريع مشروع توسعة الميناء ليصبح مقصدًا أوسع للصيادين.
من جانبها، أوضحت منى البحري، المكلفة بتسيير بلدية الماتلين، أن البلدية تشرف على خدمات سوق الجملة للسمك، وتنفذ حملات نظافة وصيانة خاصة في مواسم الذروة، إلى جانب توفير الإنارة والتدخل خلال موسم صيد "الشاوري".
أما البحارة فيشكون يوميًا من متاعب إضافية، عز الدين قزمير، بحّار بخبرة 27 سنة، يقول إن الدلافين أصبحت مصدر إزعاج كبير، فهي تقطع الشباك وتلتهم المحصول في مشهد يبدو للوهلة الأولى جميلًا لكنه يثقل كاهل الصيادين، زميله سامي أضاف أن غلاء أسعار "الغزل" (خيوط الشباك) وكثرة أعطال محركات القوارب زادت الوضع سوءًا، مما دفع البحارة لاستعمال قطع غيار سيارات بدل القطع الأصلية لارتفاع أسعارها.

شهادات ومقارنات بين الماضي والحاضر

بدر الدين لفقير، صاحب وحدة لتصنيع الثلج بالميناء، يسترجع بحسرة بدايات الألفية الجديدة، حين كان يرقد في الميناء أكثر من 74 قاربًا يفوق طولها 9 أمتار، إضافة إلى عشرات القوارب الصغيرة والمتوسطة، الإنتاج حينها كان وفيرًا من حيث الكم والنوع،ويعتبر لفقير أن السبب الأساسي وراء تراجع الصيد يعود إلى استعمال بعض الصيادين شباكًا صغيرة ممنوعة عالميًا، لأنها تصطاد الأسماك عند الشاطئ قبل أن تضع بيضها، مما يهدد الدورة الإيكولوجية للبحر والثروة البحرية.
ويضيف أن الميناء القديم كان أكثر نفعًا، إذ كانت طرق الصيد بسيطة وتقليدية، بالقوارب الصغيرة والمجاذيف، يزاولها متساكنو الساحل بوسائل محدودة لكن بوفرة في الإنتاج، أما "الطنّارة" فقد كانت حلًّا واقعيًا، غير أنها أُزيلت بعد اعتبارها مضرة بالأنواع الأخرى من الأسماك، ليحل محلها الصيد الصناعي.
على الرصيف، يختلط الحنين بالأمل في حديث العم مختار، الذي يرى أن الميناء كان يومًا منبع خير وفير وأسماك تباع بأسعار معقولة، فضلًا عن أنشطة أخرى كصناعة الثلج وتربية الحلزون البحري (الببوش) التي كانت توفر مواطن رزق إضافية.
اليوم، تلاشت تلك الأيام، لكن القوارب البالية بقيت شاهدًا صامتًا على قصص البحر، وعلى زمن كانت فيه البركة في الشباك والأمل في القلوب.


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 314652


babnet
*.*.*
All Radio in One