جندوبة : تهريب الأبقار إلى الجزائر نزيف يهدّد الثروة الحيوانية ومنظومة الألبان في ظل غياب هياكل الدولة

ارتفع في الأشهر الأخيرة نسق تهريب الابقار إلى الجزائر عبر الحدود التونسية بولاية جندوبة وباتت الشاحنات المحملة بالأبقار تنتظم في شكل قوافل مشهودة وعبر الطرق الرئيسية والفرعية إلى أن تتحول إلى المسالك الفلاحية والثنايا الغابية وسط قلق متزايد من نقص القطيع وتراجع أعداده بشكل لافت.
وعلى امتداد أسبوع كامل، شهد شارع الحبيب بورقيبة المقابل لمقرّ ولاية جندوبة، تواجدا ملحوظا لعدد من أصحاب الشاحنات الذين حجزت لهم أبقار على خلفية الاشتباه في تهريبها الى الجزائر.
وعلى امتداد أسبوع كامل، شهد شارع الحبيب بورقيبة المقابل لمقرّ ولاية جندوبة، تواجدا ملحوظا لعدد من أصحاب الشاحنات الذين حجزت لهم أبقار على خلفية الاشتباه في تهريبها الى الجزائر.
250 راس من البقر يهرب يوميا
استأثر ملف التصدّي لتنامي ظاهرة تهريب الأبقار ومخاطرها المحدقة بوضع القطيع باهتمام متزايد على الصعيد الجهوي وتتالت الجلسات التي خصصت للغرض على غرار الجلسة التي عقدت في شهر أفريل بمقر المحكمة الابتدائية بجندوبة تنفيذا لما جاء في المنشور المشترك المتعلق بتشديد مراقبة ومتابعة ظاهرة تهريب الابقار عبر الحدود البرية والمؤرخ في 25 مارس 2022 والصادر عن وزراء الدفاع والعدل والداخلية والمالية والتجارة والفلاحة والصحة،
وتشير تقديرات دائرة الإنتاج الحيواني بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة، التي قدمها رئيس الدائرة البيطري رضا بن عمران، خلال الجلسة المذكورة، أن عدد الـبقار المهربة عبر طريق الرميلة وحليمة من معتمدية فرنانة وأولاد خميسة والرويعي من معتمدية عين دراهم باتجاه ولاية الطارف الجزائرية تفوق 250 راس من الابقار يوميّا.
الأسواق المغذية لظاهرة تهريب الأبقار
وتعدّ أسواق تونس وماطر وبنزرت والكريب وباجة ورأس الجبل وبوسالم أكثر الأسواق المغذية لتنامي هذه الظاهرة والتي يرتفع نسقها بشكل لافت يومي السبت والأحد من كل أسبوع، كما تعدّ المركبات الفلاحية التابعة لديوان الأراضي الدولية المنتشرة في هذه الولايات مصدرا هاما من المصادر التي يلتجئ إليها المهربون لشراء ما يتم التخلي عنه من الأبقار وبيعها خارج اطار البتّات العمومية بأثمان قد لا تتجاوز 200 د للبقرة الواحدة وأحيانا بأقل من مائة دينار بحجة إصابتها بمرض "التيبركيلوز" وعجزها عن الوقوف أوعدم قدرتها على الانجاب وهي ذات البقرة التي تباع في السوق الجزائرية بأكثر من ثلاثة الاف دينار.
غياب مراكز الايواء: الحجة المبهمة
تقول الجهات الرسمية المكلفة بمراقبة وحجز الابقار المهربة أن عدم الذهاب إلى الحجز مرده عدم توفر مراكز لإيواء القطيع المحجوز في وقت تؤكد فيه تقارير مشابهة وتصريحات لمسؤولين جهويين أن ضيعة كاف النسور بمعتمدية طبرقة التابعة لديوان الأراضي الدولية تتسع لنحو 300 رأس من الابقار وهو المركز الذي تم اقراره لإيواء الحيوانات المحجوزة بعد أن تم التخلي عن مركز اخر كائن بمعتمدية بوسالم.
ولم تفلح الجهات المتداخلة في الحد من هذه الظاهرة المقلقة رغم المناشير الصادرة في الغرض ومن بين مظاهر الفشل تطرح قضية إيداع القطيع لدى المركبات الفلاحية التابعة لديوان الأراضي الدولية بالجهة وتحديدا المركب الفلاحي ببدرونة الذي يعاني عجزا ماليا فاق 25 مليون دينار وفق تقارير رسمية، إذ أن كلفة رلأس البقر الواحدة تتعدى 25 دينارا في اليوم الواحد دون اعتبار حالات الوفاة.
وفي سنة 2018 حجزت مصالح الحرس والديوانة بمعتمدية فرنانة من ولاية جندوبة سبع رؤوس من الابقار وتم ايداعها بضيعة كاف النسور بطبرقة والى حد اليوم 16 أكتوبر 2022 لم يتم التخلّص من هذه الابقار التي نفقت منها اثنتان، في وقت يقدّر مختصون أن مصاريفها، منذ ذلك التاريخ والى اليوم، فاقت ماتي ألف دينار أي بمعدل 36 الف دينار تكاليف البقرة الواحدة وذلك بسبب عدم فصل المحكمة في المحجوز بعد أن تم التفريط في الشاحنة التي كانت بمحملة بالأبقار موضوع الحجز.
وتعد هذه العملية اكبر شاهد على عدم قدرة الجهات الرسمية على مواجهة هذه الظاهرة وفق ما يؤكده عدد من الفلاحين وهياكلهم المهنية.
كيف تهرّب الابقار
تهرب الأبقار التي تأتي من مصادرها في وضح النهار، عبر تلك الطرق ليلا بعد أن يتم التخلص من اللافتات التي تحدد مصدرها، ويلتجئ المهربون من الوسطاء المنتدبين لهذه المهمة والذين يقيمون بقرى الشريط الحدودي إلى اعتماد طرق متعددة تؤمن لهم الولوج إلى ثنايا الغابة المعقدة.
فالطريق الوطنية رقم 6 الرابطة بين تونس وجندوبة وغار الدماء والطريق الجهوية رقم 59 الرابطة بين بوسالم وبلاريجيا والطريق الجهوية رقم 60 الرابطة بين طريق 7 مشايخ وبوهرتمة وطريق الرميلة الرابط بين الطريق الوطنية رقم 17 وفرنانة والطريق الرابطة بين فرنانة وقرية حليمة الحدودية والمسالك الفلاحية الموصلة اليها إضافة الى طريق أولاد خميسة -الوريعي بمعتمدية عين دراهم وهي طرق مراقبة من قبل دوريات قارة من الحرس الوطني والامن الوطني في مفترقات الطرق المتواجدة على تخوم المدن ودوريات أخرى تابعة للديوانة، هي أهم الطرق والمسالك والثنايا التي يستعملها مهربي الابقار لإيصال قطيهم الى الشريط الحدودي التونسي الجزائري.
عند الوصول الى الشعاع القانوني -وهو المجال الذي لا يحق للسلطات التونسية مسائلة صاحب القطيع عن تواجده فيه- تنزّل قطعان الابقار التي ينتظرها الوسطاء الذين سيتكفلون بإيصالها الى التراب الجزائري متظاهرين برعيها في الغابات والأراضي المكشوفة وإن ضيّق الخناق لا يجد الوسطاء حرجا في إيداعها في اسطبلات او مغاور أعدت للغرض.
يتلقّى الوسيط خمسون دينارا على البقرة الواحدة ولا يسأل البائع أو الناقل عن مستحقاته المالية فتلك مسألة أخرى فقد تسلم في وقت لاحق إما بالأورو أو بالعملة التونسية بمعدل أربعة الاف دينار للبقرة الواحدة وكثيرا ما تضمنت محاضر عدلية تصريحات وايحاءات مفادها أن الرشوة حلقة هامة من الحلقات الضامنة لوصول القطيع إلى الحدود وتأمين تهريبه.
الوصول إلى الشريط الحدودي له شروطه وفق الاتفاق الشفوي بين كافة المتداخلين في عملية التهريب إذ يفرض الوسيط أن يكون قبل غروب الشمس ففي تلك الفترة يضمن البائع كما الشاري عبر وسطائهم صحة وسلامة القطيع، كما يضمنان عملية الاستقبال تجنبا لما يمكن أن يطالهم من مخاطر ليلية.
الخمر والزيت لمنع البقرة من الخوار
في الطريق إلى الحدود وعندما تنطلق عمليات التهريب يكون الوسيط قد أحضر كمية من الخمر التونسي وتحديدا نوع " كوديا " لتأخذ كل بقرة نصيبها من الشراب حتى يضمن المهرب عدم خوارها وهو ذات الأسلوب الذي يعتمد في تهريب المواد الأخرى عبر الأحمرة والبغال وإن تعذر توفر شراب الخمر فان الزيت بديل له.
ويؤكد الطبيب البيطري رضا بن عمر رئيس دائرة الإنتاج الحيواني السابق بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بجندوبة، اعتماد هذه الاساليب حيث أوضح في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، أن الخمر والزيت لهما علاقة مباشرة بالجهاز الهضمي للبقرة والثابت أن تناول البقرة قليل منها يؤدي إلى سيرها سيرا طبيعيا في الطريق التي تحدد لها دون أن تكون قادرة على الخوار.
عجز عن إيجاد الحلول الجذرية
وفي الجلسة التي انعقدت بمقر ولاية جندوبة يوم الاثنين 10 أكتوبر الجاري تناول المجتمعون الحلول الممكنة للحد من هذه الظاهرة كما يتم تناولها في كل سنة غير ان مخرجات الجلسة لم تتعد ملامسة الظاهرة بالقول دون المرور الى الحلول الفعلية والجذرية القادرة على إيقاف هذا النزيف الذي يهدد الثروة الحيوانية ومنظومة الالبان ويهدد اقتصاد البلاد في وقت تشهد فيه البلاد ازمة اقتصادية غير مسبوقة.
ويعتبر عضو الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بجندوبة لمين بالسعود، أن تهريب القطيع وإن استند إلى ضعف سعر الحليب وارتفاع الأعلاف فإن ذلك يعكس إهمال الدولة لهذا القطاع الهام الذي لا يمكن التخلي عنه خاصة في ظل الارتفاع المشط للحليب في السوق العالمية وكذلك الاعلاف وهو ما يستوجب في نظره وضع خطة استراتيجية لمنع عملية التهريب وإنقاذ المربين من أزمتهم المتفاقمة وتأمين حاجة التونسيين من الحليب واللحوم الحمراء.
وفي المقابل لا يرى عضو المكتب التنفيذي للنقابة التونسية للفلاحين محمد نعمان العشي، في التهريب مشكلة بالنسبة للاقتصاد الوطني فالبائع صاحب القطيع بات عاجزا عن توفير إعاشته خاصة أمام الارتفاع المشط في أسعار العلف وعدم دعم الدولة له مقابل محدودية وضعف سعر اللتر الواحد من الحليب فهذه المعادلة في نظره، سرّ إقدام مربي الأبقار على بيع قطيعهم إلى المهربين وبأثمان تفوق بكثير ما يبيعون به قطيعهم في الأسواق التونسية، وعليه دعا إلى ضرورة تنظيم هذا القطاع وتحويله إلى عملية تصدير منظمة عوض أن تظل على تلك الشاكلة الضامنة لوصول القطيع إلى الجزائر دون تكاليف.
ووفق ما أكده والي جندوبة سمير كوكة فان تشديد الخناق على المهربين من قبل الوحدات المختصة هو الكفيل بإيقاف هذا النزيف مضيفا في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء، أنه أسدى تعليماته بمحاصرة هذه الظاهرة والحدّ منها دون اعتبار لما يقدمه المهربون من حجج واهية وفق تعبيره.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 254856