القصرين: حقوق كفلت بالدستور ودفنت في رحم الريح .. واقع يعيشه اهالي منطقتي "الطرش الدلاهمية" و"هنشير القصعة"

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/633eb3ae59aaf3.60137025_iejlgnomfqkph.jpg width=100 align=left border=0>


وات - تحرير لطيفة مدوخي - "أمضينا أعمارنا تائهين ننتظر وعودا زائفة دُفِنَتْ في رحم الريح، وعود كلما تجدّدت كلما زاد يقيننا بأنها ذرات رماد نثرت على العيون، بلغنا من الكبر عتيا ولازلنا نعيش على أمل تحقيق بعض من حقوقنا التي أوهمونا بأنها مكفولة بالدستور، لم نطلب مالا أو مورد رزق أو وظيفة أو مساعدة اجتماعية، بل طالبنا بتعبيد طريق وعرة تُيَسِرُ دربنا ودرب أبنائنا التلاميذ".

دون تردد وبشغف، أوقف الشيخ عبد السلام طرشي دراجته النارية على حافة طريق دوار "الطرش الدلاهمية" وبدأ حديثه لموفدة وكالة تونس إفريقيا للأنباء لمنطقة "هنشير القصعة" ودوار "الطُرْشْ" في بلدية بوزقام من معتمدية القصرين الجنوبية.





واصل الشيخ حديثه عن نقائص مسقط رأسه، وهو يمسك جيدا بدراجته التي أخذت نصيبها من الطريق الحجرية الوعرة، قائلا "منطقتنا منطقة ظلمتها الجغرافيا، وحرمتها الدولة من أبسط حقوقها، فهي لا تتوفر، لا على طريق سالكة تُيَسِرُ تنقل أهلها للمناطق المجاورة لقضاء شؤونهم، ولا على مركز صحي نهرع اليه للتخفيف من وَجَعٍ مفاجئ أو مَخَاض ولادة، ولا على مدرسة تحتضن فلذات أكبادنا وتجنبهم عناء ومشقة السير لمسافات طويلة تتجاوز ال6 كيلومترات ذهابا وايابا يوميا للوصول لمدرسة "هنشير القصعة" المجاورة".

يأخذ نفسا عميقا ثم يردف قائلا "حتى النقل الريفي، حُرِمْناَ منه، لأن تضاريس منطقتنا صعبة للغاية فهي كثيرة المنحدرات تشقها الأودية من كل جانب "، تضاريس، يؤكد أنها قضت على مستقبل جل بناتهم وحكمت عليهن بالقبوع اضطرارا لا اختيارا في المنازل رغم تميزهن في الدراسة ورغم ابداعهن في مجال الحرف التقليدية، "فالطريق طويلة ومخاطرها كثيرة"، وفق تعبيره.

بصوت مرتفع يحمل بين طياته نقمة وغضبا، قاطع شرف الدين طرشي جاره وقريبه الشيخ عبد السلام فور وصوله وبادر بالقول "سنوات طويلة مضت ونحن نسمع جعجعة، ولا نرى طحينا"، واضاف ان منطقة "الطُرْشْ الدلاهمية" منطقة معزولة، وانه على خلاف منطقتهم، توفرت بالمنطقة المتاخمة لها والحاملة لنفس اسمها "الطُرْشْ"، المدرسة، والمركز الصحي، والمنطقة السقوية، وقريبا ستعبد طريقها الرئيسية.

يصمت شرف الدين برهة ليستجمع أنفاسه ثم ينطق قائلا "أصبحنا كطائر يعرج على جناح واحد، فكلما طالبنا بحقنا في طريق معبدة أو في مركز صحي أو في مدرسة أو في بئر عميقة لخدمة أراضينا الضمأ الا وجُوبِهْنَا بالرفض من قبل المسؤولين، لأن في أذهانهم كل هذه المرافق تتوفر لدينا لا لشئ فقط لأن منطقتنا تحمل نفس إسم المنطقة المحاذية لنا".

يعود الشاب مجددا للصمت، ولكن سرعان ما يعاود الكلام فيقول بنبرة حادة "لا نريد شيئا من الدولة سوى إحداث حواجز حجرية بالأودية المحيطة بمنازلنا لدرء المخاطر المحتملة عند تهاطل الأمطار، وصيانة وتعبيد الطريق التي تجرعنا المرّ بسبب صعوبة المشي فيها وبسبب الأعطاب التي ألحقتها بدراجاتنا النارية وسياراتنا" .

ومنه أخذ المواطن عادل سمعلي المصدح ليكمل الحديث ل(وات) عن منطقته "الطرش الدلاهمية" أو "الطرش 2" التي تقبع تحت تخوم جبل سمامة المعلن منذ سنة 2015 منطقة عسكرية مغلقة، فقال "ما زال اهل هذه المنطقة المنسية، ينتظرون منذ عقود خلت إنصافهم من السلط الجهوية والمحلية حتى يتمكنوا من تحقيق بعض من حقوقهم التي تحولت بالوقت إلى أحلام صعبة المنال".

بصوت مختنق لا يكاد يسمع، أكمل عادل حديثه "يمكن ان نتخلى عن كل المطالب، بشرط تعبيد الطريق الرئيسية للمنطقة الممتدة من المدرسة الإبتدائية هنشير القصعة وصولا الى دوار الطرش الدلاهمية، وايجاد حل جذري لمشكل الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب المتأتية عبر منظومة المجامع المائية التي تتخبط في عدة اشكاليات وصعوبات.

يردف عادل قائلا "أغلب سكان هذه الربوع هاجروا للمناطق الحضرية التي تتوفر على الطرقات المعبدة والماء الصالح للشراب والنقل المدرسي والمستشفيات والمؤسسات والادارات العمومية والخاصة ورياض الأطفال والملاعب ودور الشباب والحدائق العمومية .. فيما لايزال بعض من المتساكنين ينتظرون مستقبلهم المجهول"، ثم استدرك بالقول "في صورة ظل الحال على ما هو عليه، سيهاجر الجميع وستصبح هذه الرقعة الجغرافية المنسية طللا قفرا تعصف به الرياح من كل جانب".

وبمرارة يضيف "جل فتيات المنطقة انقطعن مبكرا عن الدراسة (في المرحلة الابتدائية)، ليس ببسبب الفقر بل بسبب بعد المدرسة عن منازلهن وغياب نقل ريفي أو مدرسي أو وسيلة نقل لدى الأسرة تأمن تنقلاتهن اليومية لفصولهن، فخوف العائلة عليهن كبير ومخاطر الطريق أكبر" وختم حديثة قائلا "لم أصدق يوما وعود المسؤولين الواهية فقد جفت الحلوق من تكرار مستحقات منطقتنا، الا أن الأمل لا يزال قائما" .

غير بعيد عن منطقة "الطرش الدلاهمية" تطل منطقة "هنشير القصعة" وهي منطقة ريفية نائية مثلها مثل منطقة "الطرش"، منازلها متناثرة تشقها الأودية من كل جانب مسالكها الترابية وعرة وكثيرة المنحدرات، تتوفر فقط على مدرسة ابتدائية وحيدة، لدخولها والتحاور مع مديرها يستوجب طلب ترخيص مسبق من المندوبية الجهوية للتربية .

هنا، أمام المدرسة الإبتدائية، التي تعذر الدخول اليها، استوقف طريق صحفية "وات" أولياء للحديث عن مشاغلهم ونقائص وأولويات منطقتهم، فكان أول حوار مع الولي نجيب نصرلي أستاذ تعليم ثانوي الذي بادر بالتأكيد على ضرورة تركيز شبكة للتنوير العمومي بمحيط المدرسة والتجمعات السكنية لحماية التلاميذ من الكلاب السائبة والحيوانات البرية مع صيانة الطريق الرئيسية للمنطقة التي تمر أمام المدرسة وتهيئة وجهر المسالك الريفية واحداث جسور على الأودية لحماية المتساكنين من خطر الفيضانات وايجاد حل لمشكل الانقطاعات المتكررة لمياه الشرب واحداث منطقة سقوية أو سد أو بحيرة لتوفير مياه الري للفلاحين لخدمة أراضيهم .

وقبل أن يمرّر نجيب المصدح إلى ولي آخر، عبر عن أمله في أن تتمتع منطقته يوما ما بحقها في المرافق الحياتية وأن ينعم أطفالها بما ينعم به سكان المدن، من نقل مدرسي ورياض أطفال ونوادي ودور ثقافة وفضاءات ترفيه ومكتبات عمومية.

"كل السبل سلكناها، أفنينا أعمارنا ننتظر تحقيق وعود زائفة واهية"، بهذه الكلمات اختار الولي منصف ميساوي بدأ كلامه مع موفدة "وات"، ثم طلب منها مرافقته للقيام بجولة في أحواز منطقة "هنشير القصعة " والاطلاع عن كثب على ظروف عيش متساكنيها، ومعاينة طرقاتها ومسالكها الرثة واوديتها الخطيرة والمساكن التي لم يتم بعد ربطها بشبكة التيار الكهربائي وظلت بسبب بعدها عن التجمعات السكنية وموقعها الجغرافي المرتفع دون كهرباء، تنير ظلمتها القناديل والشموع.

حاول منصف، وهو يهرول بكل حماس في المسالك الريفية الوعرة، سرد نقائص منطقته بحرص شديد، وفي كل مرة يقف هنيهة ليشير بيده لأشجار الزيتون اليابسة والحقول الضمأ جراء انحباس الامطار وعدم توفر مياه الري بمنطقته، ويشير على الأودية الكبيرة والصغيرة المتاخمة للمنازل.

وعندما بلغنا أرضه، توقف منصف ثم توغل فيها وردد بتلقائية "هذه أرضي وأنا مستعد للتبرع بجزء منها للدولة في سبيل بناء مركز صحي يوفر لنا ما تيسر من الخدمات الصحية ويجنبنا عناء ومصاريف التنقل إلى مركز بلدية بوزقام الصحي مرجع نظرنا".

ولولا ضيق الوقت، لظل منصف  كامل اليوم يمشي ويتحدث عن نقاص دواره لصحفية (وات) دون كلل وملل مغتنما فرصة قد لا تتكرر، حسب قناعته.

وسرعان ما يعود أدراجه ليواصل سيره ويكمل حديثه عن معاناة أهله وجيرانه اليومية من صعوبة التنقل في المسالك الريفية ويعبر عن استيائه من المسؤولين الذين لم يكلفوا أنفسهم زيارة المنطقة ولو لمرة واحدة، حسب قزله.

حملت صحفية (وات) بعضا من مشاغل منطقتي "الطرش الدلاهمية" و"هنشير القصعة" الى رئيس بلدية بوزقام، فيصل فالحي حيث أخبرها أن مدرسة "هنشير القصعة"، مدرسة كبيرة تضم حوالي 170 تلميذا وتلميذة، وهي من المدارس التي تستحق تدخلا لا فقط من طرف البلدية بل من طرف جميع الهياكل لصيانة الطريق المؤدية اليها وربطها بشبكة التنوير العمومي

وابرز في المقابل أن ربط المدرسة بالتنوير العمومي في الوقت الراهن "غير ممكن لعدم وجود شبكة للتيار الكهربائي بمحيطها"، لكنه سرعان ما ستدرك ليقول "لقد تم العمل على ايجاد حل لهذا الإشكال عبر الاعتماد على الطاقة البديلة، وسيتم قريبا تركيز أعمدة إنارة أمام المدرسة تعمل بالطاقة الشمسية عوضا عن الطاقة الكهربائية غير المتوفرة حاليا".

وبخصوص الطريق المهترئة المؤدية للمدرسة، أقر فالحي بانه في حاجة إلى أشغال صيانة وتهيئة، وأكد أنه تم طرح ذلك على مصالح الإدارة الجهوية للتجهيز وتم تنفيذ زيارة ميدانية له وبرمجة التدخل فيه، مشيرا الى ان اشغال تعبيد الطريق بين منطقتي هنشير القصعة والطرش انطلقت مؤخرا وتوقفت نظرا لعدم التزام المقاول بتعهداته تجاه هذا المشروع ، موضحا أنه تم فسخ الصفقة والاعلان مجددا عن طلب العروض لاستئناف أشغال التعبيد.

وفي ما يتعلق بالأودية، التي تشق منطقتي هنشير القصعة والطرش، بين أن وادي منطقة الطرش يشكل خطورة كبيرة على المتساكنين، وكانت له سابقة خطيرة تمثلت في هلاك تلميذ عند فيضانه فتم التفكير في بناء جسر عليه لضمان ولوج التلاميذ والمتساكنين للمدرسة وللمناطق المجاورة

واكد أن التمويلات، تم توفيرها لبناء هذا الجسر من قبل مكتب العمل الدولي، وسيتم إنجازه طبقا للدارسة التي ستنجز مع تعبيد الطريق الرئيسية للمنطقة، مبرزا في هذا الصدد أنه تم منذ أيام الرفع الطبوغرافي وحاليا بصدد إعداد تدخل مع مكتب العمل الدولي لضبط التكلفة الأولية لتعبيد الطريق المقدرة ب500 ألف دينار حسب قوله.


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 254321


babnet
*.*.*
All Radio in One