حوار الايماء الى.. فشل انقلاب الشاهد

بقلم: شكري بن عيسى (*)
ما لا يخفى فهمه على المحايثين للمشهد السياسي، ان "الحوار" كان بطلب من السبسي بعد تعقّد الاوضاع حوله، وتضاءل هامش المبادرة عنده واختناق مربع التحرك لديه، كما كان "الحوار" مشترطا بان يكون في قرطاج، وان تحتفظ الرئاسة بالتسجيل الاصلي وتقوم بالتركيب النهائي والتوضيبات التي تختارها.
ما لا يخفى فهمه على المحايثين للمشهد السياسي، ان "الحوار" كان بطلب من السبسي بعد تعقّد الاوضاع حوله، وتضاءل هامش المبادرة عنده واختناق مربع التحرك لديه، كما كان "الحوار" مشترطا بان يكون في قرطاج، وان تحتفظ الرئاسة بالتسجيل الاصلي وتقوم بالتركيب النهائي والتوضيبات التي تختارها.
ويظهر انّ قرابة العشرة دقائق تم حذفها، اذ الحوار الذي دام قرابة الساعة لم يتم بث سوى 45 دقيقة فقط منه، وامتناع "موزاييك" الذي تبعته "الحوار التونسي" عن البث يؤكّد الامر، فموزاييك صُدمت من تقلّص الحوار من ساعة الى ساعة ناقص 15 دقيقة، وهو ما وضعها في مأزق وورطة كبرى خشيت ان تتحول الى اتهامات لها بالتواطؤ، وخاصة تكبّد عقوبات من "الهيكا" قد تكون تداعياتها جسيمة، والزعيري رئيس التحرير وجد جزء هام جدا من جواب على احد اسئلته مجتزءا عند التثبت الاولي، كما وقع محو كامل لاحد العناوين الكبرى التي اوردتها الاذاعة في اشهارها للحوار، حول "التوريث الديمقراطي"..
وبغض النظر عن الشكل المختل والذي يظهر عدم جدية "الحوار"، فالثابت ان "الحوار" لم يكن لا لطمأنة الشعب بخصوص العملية الارهابية الاخيرة وتداعياتها، كما لم يكن لايجاد المخرج للتازم السياسي الخانق الذي كان السبسي منطلقه بوثيقة "قرطاج 1"، ولا لطمأنة الشعب حول تواصل اشتعال الاسعار وانقطاع المياه والادوية وغيرها من مصاعب الشعب ومشاقه العديدة، رئيس الجمهورية كانت اهم مشاغله هو تصريح احدى نائبات النداء بانه لن يترشح لـ2019، الامر الذي جعله في وضع خانق واخرج كل الفئران التي كانت خائفة من جحورها.
وبالتالي كان لزاما عليه بعد ان ارتبكت اموره واضطربت توازناته، ان يعيد "التشويق" ويعلن ان مسألة الترشح لازالت بيده، وانه الوحيد الذي يحسم فيها وسيقرر فيها، ولن يعلم احد بالامر قبل وصول موعد الترشحات حيث سيتقرر الامر، وزعزعة مركزه في المشهد السياسي الوطني، هو الذي استنفر تدخله السريع حتى لا تجرفه السيول، التي بدأت ترتفع وربما تتحول الى فيضان جارف لا يمكن ايقافه.
خروج الامور عن "الضبط" المعتاد اتضح في امرين هامين، الاول يخص نداء تونس الذي يدعي عدم تدخله فيه، لكنه اليوم يرى ان السيلان من تلك الجهة صار قويا، اذ الانقلاب تم ببراعة بخروج "الهيئة السياسية" عن خط حافظ، وتغييرها الناطق الرسمي بابعاد الحرباوي واحلال محلّه انس حطاب، لكن الاخطر هو الدعوة الى انتخابات داخلية، وما يفوقه خطورة هو دعمها الشاهد ورفض ازاحته، وهو ما جعل السبسي خارج مركز التحكم والادارة وجرّده احد اهم سلطاته في المشهد العام، فضلا عن زعزعة مركز نجله حافظ والامر يعتبر زلزالا حادا لـ"مولى الباتيندة"، الذي يجد نفسه بين عشية وضحاها يفقد المقود ويصبح خارج المعادلة.
وبذلك تصبح اللعبة واضحة بأن الشاهد ذهب اشواطا في انقلابه، وهيء كل الظروف للدخول في عملية ليّ ذراع كاسرة مع صاحب الفضل الاول، عبر سلسلة من العمليات المتتالية التي يسترجع بها المبادرة والتحكم، والتي تصب في مسار افراغ مدفعية السبسي من اغلب ذخيرتها "الحيّة"، ابتداء بالنداء الذي دخل في تصدّع قاتل وبذلك يتم حرق ورقة حافظ في خصوص ازاحة حاكم القصبة الحالي، او على الاقل اشهار سلاح التهديد بالامر.
ولكن قبل ذلك باستدرار تعاطف النهضة من خلال كسب تأيدها، وبالتوازي ازاحة ابرز اذرع السبسي في الحكومة لطفي براهم، بضرب عصفورين بحجر واحد بتجاوز عقبته ومنح هدية للمساند القوي في مونبليزير واضعاف ساكن قرطاج، وتحويل الاغلبية المناهضة في مجلس النواب الى شبه "ستاتيكو"، وبالتالي ضمان عدم السقوط الحيني في هذه الفترة الدقيقة، الى حين استرجاع الانفاس وتحسس بدايات تغيّر قد تصب في صالح حسابه.
والشاهد لم تكن استراتيجيته مقتصرة على تلك الخطوات، فقد سبقتها جملة أخرى من الخطوات الثابتة، عبر افراغ شحنة اتحاد الشغل من خلال ابرام اتفاق شامل حول القضايا الخلافية، ومن خلال حزمة المساعدات للعائلات محدودة الدخل التي تم رفع عددها ومنحها، وبذلك "تجفيف" اغلب المستنقعات التي يمكن ان تاتي منها اللدغات الاجتماعية القاتلة، اضافة الى الحزمة الاجتماعية تحت عنوان "التمييز الايجابي"، التي تم الاعلان عنها والمتعلقة باسناد 500 دينار لكل طالب من الجهات المهمشة وفق مقاييس محددة، تضاف الى تخصيص اعداد زائدة في التوجيه للاختصاصات "النبيلة".
السبسي من خلال الحوار تحت مطلبيته، استرجع بذلك بعض اوراقه الضائعة، أوّلا من خلال ارجاع مسألة ترشحه من عدمه لموعد 2019 للغموض، وثانيا من خلال توجيه تنبيه صاعق لمن اعتبرهم بصدد تدمير النداء، وطالبهم بأن يرفعوا ايديهم واشار الى انهم يعرفون انفسهم، في اشارة لطوبال وحطاب وزمرتهم التي وراءها الشاهد، مذكرا اياهم بانه هو من كوّن النداء، في توبيخ صاعق بانه هو صاحب الفضل محذرا ربما باستهدافهم واستعمال سلطته الادبية في الصدد.
و"صاحب الباتيندة" لم يسترجع المبادرة فقط بهذين العمليتين، فتوظيبه جلسة لمكونات "اتفاق قرطاج 2" الرئيسية، فيه ما فيه من اعلان عن استمرار "الوجود" وتواصل الفاعلية والمسك بالخيوط، والأهم أنه نسّق مع خصوم النهضة من شق حافظ في النداء وخاصة مرزوق اضافة لرضا بلحاج، الذي التقى به اكثر من مرة ويعرف فعاليته في ادارة المعارك بصلابة، وهو ما يصب في اتجاه عدم تمكين الشاهد من اغلبية برلمانية بسد الفراغ الذي يمكن ان يسببه الانقسام الندائي.
والحقيقة أنّ الرد على الشاهد كان بلغة المكر والدهاء، من ناحية عبر تصدّر غرفة القيادة من جديد، وتوظيب المستلزمات الواقعية والمؤسساتية اللازمة، ولكن ايضا بتوجيه رسائل واضحة حول تحمّل مسؤوليته في تغيير براهم، وبأنه ليس فوق التغيير ولا يوجد من هو صالح لكل زمان ومكان، وبأن التحضير لـ2019 يتم من خلال النتائج ومن خلال 2017 و2018، كما وجّه له صفعة قوية باعتبار الوضع هش وكذلك صعب في اكثر من مرّة، مذكرا بان الجميع في حوار قراطاج الثاني ضده باستثناء النهضة، ولم يختر "الاسد الهرم" المباشرتية في كل محاور المواجهة وكان وفيا لمنهجه في التوبيخ، مع اشهار الاسلحة التي استرجع جزء هام منها بعد افتقاده.
والسبسي لمن تمعّن كلماته اراد بالاساس الايماء الى فشل انقلاب الشاهد عليه (سياسيا)، وقلب الهجوم ضدّه بان الحزام السياسي المتآكل حوله يجعل حكومته تسير من السيء الى الأسوأ، وانه مطالب بالاستقالة في صورة تواصل وضعيته واما تجديد الثقة عبر الذهاب للمجلس، الامر الذي ربما يمر بعده هو لطلب التجديد وفيا لصلاحياته الدستورية في الفصل 99، الاختبار الذي لن ينجح فيه الشاهد بكل الحسابات، وهو "فصل الخطاب" في "الحوار" الذي لعب فيه المقصّ واسعا، واكّد أن هواجس اجهزة الحكم والاحزاب لا تتجاوز مجرد حروب المواقع، في الوقت الذي يعيش فيه الشعب مكابدا المشاق اليومية المتصاعدة بلا حول ولا قوّة!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
8 de 8 commentaires pour l'article 164867