ولد الشيخ عبد الله.. "نهاية على الطريقة الأندلسية"

نواكشوط - محمد أبو المعالي: شاءت الأقدار أن أكون ضمن الوفد الصحفي الذي رافق الرئيس الموريتاني المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في آخر زيارة له إلى خارج البلاد، وكانت تلك الزيارة إلى إسبانيا، واستمرت من 23إلى 30يوليو الماضي، وقد حرص ولد الشيخ عبد الله على زيارة الآثار الإسلامية في إسبانيا، كما كان حريصا على الوقوف لدقائق أمام قصور ومنازل الأمراء العرب في الأندلس، الذين انتزع ملكهم وأصبحت ذكريات سلطانهم جزءا من تاريخ إسبانيا المسيحية، وتحولت مساجد إلى كنائس وكاتدرائيات، تعج برموز هزيمة المسلمين في الاندلس وانتصار المسيحيين عليهم، وكان المرافقون الاسبان للوفد الرئاسي حريصون على شرح تلك الرموز بدقة، وكأنهم يريدون للرئيس أن يدرك حقيقة ومعنى أن يسلب الحكم من الحاكم، وينتزع منه غلابا.
كان ولد الشيخ عبد الله وهو يتفقد بقايا قصر الأمير عبد الرحمن الناصر، في مدينة الزهراء على مشارف قرطبة، حريصا على أن يسأل المرشدين السياحيين، عن كل صغيرة وكبيرة من تاريخ تلك المدينة وكيفية سقوط ملكها، وكان يقف لبعض الوقت وهو يتأمل صامتا، بقيا جدران ذلك القصر المنيف، وكأنه يحدث نفسه عن زوال الحكم ومآلات ذلك، وكيف تصبح ديار أصحاب الحكم السلطان، خرابا بعد أن كانت عمرانا.
كان ولد الشيخ عبد الله وهو يتفقد بقايا قصر الأمير عبد الرحمن الناصر، في مدينة الزهراء على مشارف قرطبة، حريصا على أن يسأل المرشدين السياحيين، عن كل صغيرة وكبيرة من تاريخ تلك المدينة وكيفية سقوط ملكها، وكان يقف لبعض الوقت وهو يتأمل صامتا، بقيا جدران ذلك القصر المنيف، وكأنه يحدث نفسه عن زوال الحكم ومآلات ذلك، وكيف تصبح ديار أصحاب الحكم السلطان، خرابا بعد أن كانت عمرانا.
استمع ولد الشيخ عبد الله الذي كان يومها على بعد أسبوع واحد من نهاية حكمه، دون أن يدرك ذلك، من المرشدين الاسبان لرواياتهم عن سقوط حكم أمراء المسلمين وانهياره، وكيف دالت دولتهم، وأصبحت قصورهم عروشا خاوية أورثها الله قوما آخرين، فبدا وكأنه يحس أن النهاية اقتربت، وأن الحكم قد يكون على مشارف الانتهاء، وربما سأل نفسه أي قوم آخرين سيرثون حكمي، لكنه بالتأكيد لم يدر في خلده أن أسبوعا واحدا سيكون هو الفاصل الزمني بين وقوفه زائرا وسائحا على آثار حكم مضى، ومعايشته حقيقة واقع زوال حكمه وسلبه، على يد قوم آخرين هم الجنرالات الذين أوصلوه إلى سدة الحكم.
كان الوقت حينها قبل منتصف النهار، وشمس الأندلس الحارقة تقارب الجباه وتلفح النواصي، أحسسنا جميعا نحن أعضاء الوفد بالتعب والارهاق ووطأة لفح أشعة شمس الأندلس الحارقة، ونحن نتجول في بقايا أزقة مدينة الزهراء، لكن ولد الشيخ عبد الله الذي كان أكبر الوفد سنا، وأضعفهم جسما، تحمل ذلك، وبدا وكأنه لا يشعر بحرارة الشمس اللافحة وصعوبة الصعود والهبوط في مدارج مدينة الزهراء، فقد كان مستغرقا في التأمل، يراقب آثار الحكم الزائل، وربما يسأل النفس متى سيصبح حكمي آثارا وحكاية من التاريخ.
غادر ولد الشيخ عبد الله قصر مدينة الزهراء، وفي الفندق سارع بالحديث إلى الصحافة، وكأنه يريد أن يبعد عن نفسه وساوس زيارة آثار الحكم المسلوب، ويزيح عن مخيلته شبح النهاية القريبة للحكم، فاعترف لأول مرة للصحافة أن الجنرالات الذين يقودون الجيش حاليا، ساندوه في ترشحه للانتخابات الرئاسية والوصول إلى الحكم، وأن ثقته فيهم ما تزال كما كانت، وقد تحدث الرجل وكأنه يخاطب نفسه ويكذب هواجسه، التي حدثته عن احتمال زوال حكمه على يد الجنرالات.

الرئيس المخلوع ولد الشيخ عبدالله (يسار) يصافح لدى وصوله الى نواكشوط الجنرال محمد ولد عبدالعزيز قائد الانقلاب
ومساء الثلاثين من يوليو عادت بنا الطائرة من إسبانيا إلى مطار نواكشوط الدولي، وعند هبوط ولد الشيخ عبد الله من سلم الطائرة، كانت أول سحنة يفتح عليها عينه على أرض مطار نواكشوط، سحنة الجنرال محمد ولد عبد العزيز (قائد الانقلابيين) الذي استقبله عند سلم الطائرة بوصفه قائد الأركان الخاصة برئيس الجمهورية، رفع ولد الشيخ عبد الله - وهو المعروف بدماثة الخلق وحسن الأدب - عينيه في الرجل، ونظرا إليه شزرا، وصافحه في آخر تحية بينهما، ثم أعاد بصره إلى الأرض وكأنه يسأل نفسه، إلى متى يلازمني هذا الشبح، لقد آن الآون أن أتخلص من كل هواجس الحكم ووساوسه، فأنا لست أميرا أندلسيا أخشى سلب ملكي، وموريتانيا ليست في بلاد الاسبان ولا طمع لهم فيها.
أما من يحتمل أن يراودهم الطمع في الحكم بعده من الجنرالات، فقد سارع الرئيس إلى قالتهم بموجب صلاحياته النظرية، ليعاجلوه عمليا بإنهاء حكمه بصلاحيات قوة الواقع ميدانيا.
Source Al Riyadh
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 13956