
من تيك توك إلى الترحيل: كيف أصبح مهاد محمد هدفاً في خطاب ترامب ضد الصوماليين؟ Bookmark article
كان مهاد محمد يحاول ببطء التأقلم من جديد مع الحرّ والفوضى والتوتر في العاصمة الصومالية مقديشو، بعد ترحيله من مدينة مينيابوليس الأمريكية الشهر الماضي، في وقتٍ كان الشتاء يقترب فيه من البلاد.
ويعرف الصوماليون الرجل البالغ من العمر 36 عاماً باسم "غرياقان"، وهي كلمة يمكن ترجمتها إلى "القاضي".
وهو الاسم الذي يستخدمه على منصة تيك توك، حيث جذب ما يقرب من نصف مليون متابع أثناء وجوده في الخارج، وقد أشاد به متابعوه بسبب دفاعه عن مصالح عشيرته، في إطار ثقافة السجال اللفظي المربحة على تيك توك في الصومال.
لكن القائمين على حساب "الاستجابة السريعة 47" المرتبط بالبيت الأبيض على منصة إكس، وصفوا مهاد بأنه "مجرم وضيع"، وفي منشور خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، اتهمه الحساب بأنه "متورط في اختطاف مسؤولين فرنسيين" من أحد الفنادق في العاصمة الصومالية.
ونفى مهاد هذه الاتهامات، مؤكداً أنه لم يكن في مقديشو وقت الحادثة، ولم يُدَن أبداً، كما أُسقطت القضية لاحقاً.
ويقول إن احتجازه من قبل وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (آي سي إيه) جاء بعد أن قام أحد منافسيه على تيك توك بتسريب عنوان سكنه.
وأضاف قائلاً: "أخبرني عناصر وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية أن لديهم قضيتين ضدي، الأولى هي دخولي البلاد بشكل غير قانوني، والثانية تتعلق باختطاف مسؤول فرنسي".
وأوضح مهاد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) تولّى التحقيق في قضية الاختطاف، وبعد استجوابه تمّت تبرئته،
لكن ذلك لم يمنع ترحيله.
وبدأت رحلة مهاد من الصومال إلى الولايات المتحدة قبل أكثر من 10 سنوات، حيث انتقل أولاً إلى جنوب أفريقيا وعاش هناك حتى عام 2021، لكنه يقول إنه تعرّض لاعتداء من رجال مسلحين في هجوم عنصري معادٍ للأجانب.
بعد ذلك، توجّه إلى البرازيل، وشق طريقه شمالاً، إلى أن عبر إلى الولايات المتحدة من دون وثائق عبر الحدود المكسيكية.
ويقول: "عندما قفزت فوق السياج من جهة المكسيك، تم اعتقالي واحتُجزت لمدة شهر".
ويضيف قائلاً: "لاحقاً أُفرج عني مع تصريح عمل لأن قضية لجوئي كانت لا تزال قيد النظر".
ثم شقّ طريقه إلى مينيابوليس، ويقول: "كنت أعمل سائقًا في أوبر، وكنت سعيداً لأنني وصلت أخيراً إلى أرض الأحلام، وكنت آمل أن يقبلوني".
وفي تلك الفترة، انطلقت مسيرته على تيك توك بقوة، مما وفّر له دخلاً ثابتاً بعدما بدأ المتابعون يرسلون له تحويلات مالية أثناء متابعتهم لبثه المباشر. غير أن هذا النشاط جرّ عليه أيضاً تهديداً بالقتل من جماعة الشباب الإسلامية المسلحة في الصومال، بسبب دفاعه عن الحكومة.
وشكّل هذا التهديد جزءاً من ملف طلب لجوئه في الولايات المتحدة.
ويروي مهاد بتفاصيل دقيقة صباح أحد أيام أوائل مايو/أيار الماضي، حين ألقى عملاء إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية القبض عليه هذا العام.
فبعد وقت قصير من تناوله الإفطار، توجّه إلى سيارته معتقداً أنه على وشك بدء يوم جديد من العمل كسائق أوبر.
ويقول: "وفجأة… داهموني وألقوا القبض علي".
وبحسب مهاد، استغرقت رحلته إلى مقر وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية، الذي يخدم مدينتي مينيابوليس وتوأمها سانت بول، 30 دقيقة، قبل أن يقضي ست ساعات في رحلة إلى سجن مقاطعة كاندييوهاي في مدينة ويلمار بولاية مينيسوتا، حيث يقول إنه قضى ستة أشهر رهن الاحتجاز.
ويقول لبي بي سي إن ثلاثة أشهر من تلك الفترة أمضاها في انتظار قرار بشأن طلب لجوئه، بينما قضى الأشهر الثلاثة المتبقية في انتظار الترحيل. وقد رفضت السلطات طلب لجوئه، إذ لم تقتنع بأنه سيكون في خطر في الصومال.
ويضيف مهاد أنه نُقل لفترات قصيرة إلى ولاية أريزونا، حيث تنطلق رحلات الترحيل الجوية، لكنه كان يُبلّغ في كل مرة بأن الترتيبات اللوجستية لم تكتمل بعد.
وفي إحدى تلك الرحلات، كان ضمن مجموعة تضم 39 محتجزاً، بينهم مواطنون من كينيا وإثيوبيا وإريتريا، في منطقة احتجاز مخصصة لمن ينتظرون الصعود إلى طائرات الترحيل.
وأخيراً، وعندما حان موعد ترحيله، يقول مهاد إنه أُلبس سترة تقييد ضيقة، وسافر على متن طائرة صغيرة برفقة سبعة مُرحّلين آخرين وعدد من الحراس.
وبدأت الرحلة بنقلهم أولًا إلى كوستاريكا في أمريكا الوسطى، ثم إلى السنغال في غرب أفريقيا، قبل أن يتوجهوا إلى نيروبي، عاصمة كينيا. ويقول مهاد إن سترة التقييد أُزيلت عنه في نيروبي، ثم جرى تقييده بالأصفاد ووُضع على متن طائرة أخرى متجهة إلى مقديشو.
وبعد أن أمضى ثلاثة أشهر في انتظار الترحيل، كان مهاد قد تقبّل مصيره إلى حد كبير، ولم يكن متأثراً عاطفياً بشكل خاص عند عودته.
وبعد عقد كامل من الفراق، اجتمع أخيراً مع أطفاله الثلاثة. ويقول: "لا يمكنني أن أستبدل بهذه اللحظة أي شيء الآن… فأنا لم أرهم منذ عشر سنوات".
ومع ذلك، يؤكد أنه كان يفضّل البقاء في الولايات المتحدة، لأنه يخشى على حياته بعد تلقيه رسائل نصية من جماعة الشباب تتضمن تهديدات بالقتل.
ويقول إنه يتخذ احتياطات أمنية إضافية عند خروجه، ويعيش في منزل محصّن جيداً، لكنه رفض الخوض في مزيد من التفاصيل أو مشاركة محتوى التهديدات، لدواعٍ تتعلق بالسلامة.
وعند عودته، استُقبل مهاد من قبل عدد كبير من أبناء عشيرته، بمن فيهم سياسيون محليون، وذلك بسبب حضوره وشهرته على تيك توك، ويُدرك مهاد أن حضوره القوي على وسائل التواصل الاجتماعي قد يتيح له فرصاً لا تتوفر لغيره من الصوماليين الذين جرى ترحيلهم من الولايات المتحدة، أو الذين يواجهون خطر الترحيل.
وفي الشهر الماضي، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه سيُنهي وضع الحماية المؤقتة الذي يُفترض أن يمنع ترحيل الأشخاص ما دامت بلدانهم الأصلية غير آمنة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، صعّد لهجته أكثر، معلناً أنه لا يريد مهاجرين صوماليين في الولايات المتحدة، وقال للصحفيين إن عليهم "العودة من حيث أتوا"، مضيفاً أن "بلدهم غير صالح للعيش فيها لسبب ما".
ولم يشهد الصومال حكومة مركزية تسيطر على كامل البلاد منذ الإطاحة بالرئيس سياد بري عام 1991، وقد عانى السكان سنوات طويلة من شبه الفوضى وانعدام الأمن. وحتى اليوم، ورغم وجود حكومة في مقديشو، لا تزال الجماعات الإسلامية المسلحة تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، وتنفذ بين الحين والآخر هجمات في العاصمة.
وجاءت تعليقات ترامب بعد أن وُجّهت إليه أسئلة بشأن احتيال واسع النطاق في برنامج المساعدات الاجتماعية بولاية مينيسوتا.
وقد وُجّهت اتهامات إلى عشرات الأشخاص على خلفية مخطط يقول مدّعون فيدراليون إنه تضمّن قيام جمعية خيرية بتقديم فواتير احتيالية إلى حكومة الولاية مقابل وجبات للأطفال خلال جائحة كوفيد-19.
وكان عدد من المهاجرين الصوماليين متورطين في تلك القضية المزعومة.
وعقب تصريحات الرئيس بشأن الصوماليين، انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو يُزعم أنها تُظهر عناصر من إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية وهم يطرقون الأبواب في أنحاء مينيسوتا، بما في ذلك منطقة تُعرف باسم "ليتل مقديشو"، وكذلك في مدينة سانت بول.
أثارت هذه الأنباء حالة من القلق والهلع لكثيرين في الجالية الصومالية بالمدينة، وهي الأكبر بين الصوماليين في الولايات المتحدة، إذ يُقدَّر عدد أفرادها بنحو 80 ألف شخص، أثارت هذه المنشورات حالة من القلق والهلع.
كما تحدثت بي بي سي إلى 5 شبان صوماليين يقضون أيامهم حالياً داخل منزل صغير لأحد أصدقائهم، ويتنقّلون بحذر بين جدرانه، وكانوا قد غادروا شقتهم المستأجرة بشكل مفاجئ الأسبوع الماضي، لا رغبةً منهم في ذلك، بل لأن عقد الإيجار كان مسجلاً بأسمائهم.
وبصفتهم أشخاصاً مُنحوا وضع الحماية المؤقتة، كانوا يخشون أن يكون الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن تعثر وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية على العنوان وتأتي لاعتقالهم، فجمعوا ما استطاعوا حمله، وغادروا ليلاً على أمل أن يوفر لهم تغيير المكان قدراً من الحماية.
واليوم، باتت حياتهم معلّقة، تغيبوا عن نوبات العمل، واقتصدوا في تناول الوجبات أو تقاسموها بصعوبة، ووصف أحدهم سرعة انهيار حياتهم قائلاً: "طعامنا على وشك النفاد، ولم نذهب إلى العمل خلال الأيام الخمسة الماضية لأننا نخشى أن تكون عناصر إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية بانتظارنا، لا أعرف ما الذي سيحدث لنا".
ولا يُعد مهاد حالة استثنائية بين من جرى ترحيلهم إلى الصومال في الأشهر الأخيرة، رغم عدم وجود أرقام رسمية.
كما تحدثت بي بي سي إلى شاب صومالي آخر طلب عدم الكشف عن هويته، وقال إنه يكافح لإعادة بناء حياته في مقديشو.
وينحدر هذا الشاب من منطقة ريفية في الصومال، وكان يائساً من البقاء بعد أن دمّر الجفاف طويل الأمد مصدر رزقه، وقد دخل الولايات المتحدة بشكل غير قانوني عبر الحدود المكسيكية بعد أن سافر شمالاً من البرازيل، لكنه اعتُقل بعد وقت قصير، وقضى 18 شهراً رهن الاحتجاز قبل أن يُعاد إلى الصومال.
وخلال حديثه عبر الهاتف، عبّر عن شعوره بعدم اليقين حيال مستقبله.
وقال: "أعادوني لأبدأ من الصفر، كل ما عملت من أجله اختفى".
وأضاف أنه أنفق نحو 20 ألف دولار للوصول إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك أموال اقترضها من الأصدقاء وأفراد العائلة.
ومنذ عودته إلى بلاده، لم يعد يملك أي مال، ويقول إن الفرص شبه معدومة في الصومال.
ويتابع: "لا أرى مستقبلاً هنا، لا يحدث شيء..لا توجد وظائف".
وهو يفكر الآن في الهجرة مجدداً.
ويختم حديثه بالقول: "لا أريد أن أبدأ حياتي من جديد، أريد فقط أن أهاجر إلى أي بلد الآن".
- "الإرهاب الأفغاني والاحتيال الصومالي يُبيّنان أنّ ترامب على صواب بشأن المهاجرين" – مقال في نيويورك بوست
- "بلادهم غير صالحة للعيش لسبب"، لماذا هاجم ترامب المهاجرين الصوماليين في بلاده؟
- لماذا زجّ ترامب بالصومال في حديثه عن جماعة أنصار الله الحوثية؟





