الديمقراطيّ الشجاع والديمقراطيّ الجبان..

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/60410644209a05.41094323_ohmjnpeglfkiq.jpg width=100 align=left border=0>


نصرالدين السويلمي



كثيرة هي الأنفس السويّة التي تعشق الحريّة وتنحاز إلى الديمقراطيّة كأنضج سلاح إنساني لدحر الدكتاتوريّة. أقل منها هي الأنفس التي تعمل على تنزيل ذلك الانحياز وتثبيته، وأقل من الكلّ هي الأنفس التي تتحمّل تكاليف الديمقراطيّة حين تصادم قناعاتها الفكريّة ومنوالها الأيديولوجي، قليلة جدّا! ولعلّنا وحين نبتعد عن المحاباة ونرضخ إلى حقيقة المشهد المفعم بالتشاؤم، نقرّ أنّ جنود الديمقراطيّة الشجاعة يعدّون على أصابع اليد الواحدة.




لسنا هنا بصدد من نكّص تماما ولا من انحاز نظريّا واكتفى بالربوة يراقب، وقلّ ما يتحسّر، مرّة يبرّر ومرّات يبحث في نفسه عمّا يشبعها ليقنعها بأنّ المعركة شائكة يكتنفها الضباب، وأنّه حين تتضح الرؤية وينقشع الغبار سينزل بعزيمة ويقين ليشارك بقوّة وربّما ليقود.. ثمّ سيمضي العمر ولا ينزل، ويتمّ تشييعه من الربوة إلى المقبرة! سيتجنّب جثمانه أرض المعركة.

إنّما نحن بصدد أولئك الذين تسلّحوا ونزلوا واشتبكوا.. لكنّهم حين أصبحت مسافة الاشتباك صفرا تلعثموا.. لقد غلبت عليهم شقوة الأدلجة، فأصبحوا لا يكرّون ولا يشنّون حتى يقومون بمسح وفحص للمنتوج الديمقراطي، فإن كان حليفا اقتحموا وتحوّلوا إلى كاميكاز نضالي، وإن كان المنتوج من بضاعة أيديولوجيّة مغايرة تثاقلوا إلى الأرض وتقاربت خطواتهم وتعثّرت ألسنتهم وغارت بضاعتهم وفجأة نضبت ألفاظهم وتجمّدت مصطلحاتهم الدافئة الساخنة بل والملتهبة التي كنّا عهدناها تحصد الباطل بلا رهبة ولا كثير حسابات.

لا جدال في أنّ التجربة التونسيّة وما بعدها خاصّة التجربة المصريّة، لا شكّ أنّها تجارب بل مخابر دقيقة حازم غربالها، الساقط فيها كثير والعالق فيها قليل، ومن من هامات النزاهة وقامات التجرّد لم يسقط صريعا أو وضيعا تحت أقدام الانقلاب المصري، من لم ينزع حزامه المدجّج بالحقّ والنزاهة والفصاحة ولجأ إلى التعويم وبحث طويلا عن الجمل الناعسة، ثمّ وبعد جهد عثر على طريق السلامة، ولمّا لم ينخرط مع الدكتاتور السيسي انخرط مع جبناء التأويل، وتمايلت عباراته وسكرت حتى ثملت، تسأله عن الديكتاتوريّة والانقلاب والدم المسفوح.. فيجيبك كلّه من غباء مرسي وتكالب الإخوان وعنجهيّة الشاطر وعجرفة البلتاجي.. تضحك وتمضي حائرا، كيف ارتضى كلّ ذاك الذكاء أن يركن إلى الغباء ويشرع في تجشؤ تبريرات ركيكة مهينة هزيلة وجبانة! إنّه الخوف المضاعف! الخوف من مكينة عسكريّة مدجّجة بالخرطوش المدني، والخوف من الشبيه الأيديولوجي الفكري الثقافي أن يشير إليه بالأخونة، لكن دعنا نؤكّد أنّ الخوف الأوّل حكم المشهد المصري، أمّا الخوف الثاني فقد صرع جهابذة الحريّة في المشهد التونسي، هناك يبرّرون بالهزيل والمنكر والغريب خوفا من الإسهال العسكري الذي اجتاح القاهرة وسائر مدن وقرى وأرياف مصر، وفي تونس يبرّرون بنفس البضاعة خوفا من الخونجة والتنهّض، مكينة رهيبة يصعب الإفلات منها، إنّها زنزانة الرهاب وهم أسراها، هناك تقوم دار النخبة التونسيّة بمراقبة أعضائها بدقّة صارمة، ثمّ هي تضع حواجز التفتيش للنخب الوافدة، وترفض دار النخبة رفضا قطعيّا مساحة الحياد في معارك باطلها، ضدّ حقّ المكتسب التونسي، لا شيء غير الانحياز إلى بطشها.

في مصر كما في تونس، حين تضغط الثكنة هناك وتضغط دار النّخبة هنا يتحوّل الديمقراطي المهزوز من التنديد بجريمة اقتلاع حقل الزيتون إلى التنديد بالأعشاب التي نبتت في الحقل، وبينما جذع الزيتونة يئن والنّار تأكل جوفه، يتوغّل الديمقراطي الهزيل في البحث عن نوعيّة الأعشاب التي كانت مبثوثة في الحلّ وقيل أنّها السبب الرئيسي في الكارثة وأنّ فاس الحطّاب ليست غير القطرة التي أفاضت الكأس!!! أي نعم يمكن للرهاب أن يصبح وجهة المثقّف ويدفع به إلى هاوية التبرير الأبله.

نعم يمكنك أن تكون ذلك الديمقراطي النبيل.. ليس بتلك السهولة لكن عينة الرئيس التونسي السابق الدكتور المنصف المرزوقي تثبت أنّه يمكنك الانحياز إلى المختلف الثقافي المتحصّن بالحريّة ضدّ الشبيه الثقافي المتحصّن بالمستنقع الانقلابي، لا يشكّل المرزوقي ذروة التجرّد الطوبوي، لكنّه يظلّ التعبيرة الأفصح والأوضح تونسيّا وعربيّا، لقد كان صوت الحريّة والثورة والتغيير بداخله أقوى من صوت الشبيه الإنقلابي الفاشل، كانت شخصيّة المرزوقي فولاذيّة بطريقة لا يمكن لدار النخبة التونسيّة والأخرى العربيّة أن تربك قناعاته وتجعله ينكمش ويستعفف من الانتصار للحقّ، ثمّ إنّهم يئسوا منه وانصرفوا عن قصفه النفسي المعنوي تماما، لمّا نعى الإسلاميّون الرئيس الإسلامي بالنثر والشعر ونعاه المرزوقي العلماني بالدموع!!! لقد كان المنصف قوّة عناد خرسانيّة لا يمكن اختراقه براجمات الإخوانوفوبيا.

في البداية وقبل أن يهجم الخوف ويتفرّق دم الديمقراطيّة بين قبائل الأيديولوجيّة، اتفق الكلّ على خارطة طريق، سنامها الدستور والحريّة والتداول السلمي على السلطة والانتخابات والصناديق ودولة المؤسّسات، وأنّ من يفسد مردّه إلى القانون ومن يفشل مردّه إلى الصندوق، وأنّ التجربة الإنسانيّة الطويلة اهتدت إلى عهدة انتخابيّة تراوحت بين 4 و5 سنوات، تلك كافية للحكم على الأحزاب أو لها، وأن لا سبيل إلى إحداث ممرّات عشوائيّة التفافيّة للوصول إلى السلطة، وأنّ الدساتير وحدها من تضبط الإيقاع والصناديق وحدها من تعاقب الأحزاب والشخصيّات، تجدّد لها أم تستبدلها.

كانت تلك وصفة كفيلة بتجميع الصدق الديمقراطي حولها، وفعلا جمعت ما شاء الله لها أن تجمع، لكنّهم شرعوا في التسلل لواذا عندما واجههم المرّ! عندما وجدوا أنفسهم مباشرة في خندق خصمهم الأيديولوجي المتحصّن بالديمقراطية يتهيئون لمقارعة عائلتهم الأيديولوجيّة المتحصّنة بالدكتاتورية، هناك ولّوا الأدبار! ارتخت أصابعهم على الزناد وكثر التفاتهم وتحوّلوا من كومندوس ديمقراطي منضبط حازم إلى جماعة الارجاء الديمقراطيّة، ونصب مرجئة السياسة خيمة مقابلة للمرجئة العقيدة، أولئك يقولون الديمقراطيّة قولا بلا عمل وهؤلاء يقولون الإيمان قولا بلا فعل.

أنت مقاتل ديمقراطي؟! إذا لا تفرّ من المعركة بحجة أنّك "تحشم" من بني جلدتك في الأدلجة! ذلك هو الفكر القاصر السقيم القصير، لأنّ الديمقراطيّة كوادي مجردة وجامع عقبة وقصر الجمّ والفسقيّة والحنايا والشعانبي والأهرامات والأوراسي وسلسلة جبال الهڨار وجامع الفنا وآثار قرزة.. أمّا الأحزاب فمثلها مثل مجموع الأشخاص والهيئات التي أدارت وأشرفت وأثثت كلّ تلك الرموز ثمّ أفلت ليأتي غيرها. لا تستدعي التفاصيل الديمقراطيّة ولا تستعمل اللمم الديمقراطي لتحاجج به ديمقراطيّة تصلب على النصب، كلّ عمليّات التهذيب الديمقراطي تأتي بعد أن تفلت الديمقراطيّة من الطلب، الآن قاتل من أجل أركان الديمقراطيّة، لا يجرّك الانقلابيّون إلى خندقهم، لا يعطونك الرمّان ويغرونك بالنياشين الحداثويّة ثمّ يرسلونك لتفجّر الأركان انتصارا للتفاصيل. إنّهم يا أخي يا صديقي يا رفيقي.. وحين فشلوا في معركة الديمقراطيّة، التجأوا زورا إلى خندق الاجتماعي، ومن ثمّ قصفوا الديمقراطيّة وخلخلوا أركانها، يبغون رأسها، حتى إذا سقطت وركبتها الدكتاتوريّة اقتادوا الاجتماعي إلى زريبة الشموليّة المتغلّبة وعادوا كما كانوا إلى النضال ضدّ اللغة والهويّة وتقاليد المجتمع وأعرافه بما يسمح به السيّد الجديد.

لا تمارس الخجل الذليل، بل امضِ إلى تقعيد السلوك الديمقراطي وتمتينه، قاوم من أجل التضاريس الكبرى، لا تهرع إلى سفاسف الحمقى تستلّها لترجم بها خصمك الحقّ طلبا لإرضاء شبيهك الباطل، لا تنبش قبر الشهيد محمّد مرسي لتستخرج بعض عظامه وتمزجها بمخالب السيسي ومن ثمّ تشرع في تقيؤ أفظع موضوعيّة جرت على لسان أحمق، لا تفعل ذلك ليقول الناس محايدا متجرّدا.. فأنت أقرب يومئذ إلى الجبان المخاتل.. تكلّم، قل واصرخ، صرّح ولا تكتم تحدّث بأنّها ثورة ثمّ انتخابات شفافة ثمّ فاز فحكم فقتلوه لأنّه انتصر.. كن مرة في عمرك مرزوقيا.. كلّ عمليّات التفحيج بين دماء الضحية وسياط الجلّاد إنّما هي خيانة موصوفة، كلّ الثنايا الأخرى ستجرفك بعيدا ثمّ تكبّك في مصبّ الثكنات، كلّ التفاصيل الأخرى إنّما هي عمليّة تجريف ثمّ تجويف ثمّ اختباء في جوف المجوّف هربا من وجه الحقيقة الأبلج..لا تركن إلى التلعثم فتتحوّل إلى جيفة ديمقراطيّة بعد إذْ كنت اعتليت وامتشقت وأقدمت...


Comments


2 de 2 commentaires pour l'article 221729

Oceanus  ()  |Vendredi 5 Mars 2021 à 09:52           
Des histoires pareilles on fait mal a la tunisie.au lieu de voir notre realite on nous compte les histoires de mille et une nuits.

BenMoussa  (Tunisia)  |Jeudi 4 Mars 2021 à 18:21           
مقال يكتنفه كثير من الغموض والاشارات المبهمة
لولا الطول المفرط لقلت احدى خطب قيس سعيد


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female