اختتام عروض مدار قرطاج: مسرحية ''مونوبول'' لغوث زرقي تغوص في جدلية العلاقة بين دول الشمال ودول الجنوب

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/5b672f78c5d806.02138177_ijpfleqmhkogn.jpg width=100 align=left border=0>


باب نات - على ضوء خافت ينير الركح، يجرّ رجل عربة عليها امرأة بين يديْها تمثال "تانيت". تبدو الشخصيتان منهكتين، خائرتي القوى، ترتديان خرقة بالية ملطخة بالأوحال والأتربة. ثمّ ينبعث من نافذة على الركح صوت غريب يتحدّث عن كارثة حلّت بالأرض قبل هبوط أجسام آدمية من الفضاء لتعمّر الأرض، وتشرّع مجموعة من القرارات على حساب السكان الأصليين للأرض الذين اتخذوا من باطنها ملاذا لهم من الكارثة.

كان هذا المشهد الافتتاحي لمسرحية "مونوبول" وهي من إنتاج مشترك بين مركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين ومهرجان قرطاج الدولي، إخراج الشاب غوث زرقي وتأليف تماضر زرلّي التي تقمّصت دورا في العمل إلى جانب كلّ من أحمد طه الحمروني وسيف علوي وكريم روافي.

...

وقد تمّ تقديم عرضه الأوّل، مساء أمس السبت، في اختتام برمجة مدار قرطاج التي نظمتها الدورة 54 لمهرجان قرطاج الدولي من 17 جويلية إلى 11 أوت، تكريما لفقيدة المسرح رجاء بن عمار.
تدور أحداث "مونوبول" على كوكب الأرض، حيث عالمين مختلفيْن: الأوّل عالم علويّ مقرّه سطح الأرض، والثاني عالم سفليّ مقرّه باطن الأرض.
وفي كلا العالميْن يعيش الإنسان صراعيْن أحدهما مع الذات والثاني مع بني جنسه.
ويتجلّى صراع الإنسان مع الذات في عدم قدرته على تحديد مصيره بنفسه وفي عدم قدرته على تحرير العقل والتفكير لنفسه، فأضحى كائنا مبرمجا خاضعا خانعا يلبّي ما يمليه الآخر الذي يفكّر بدلا منه.
ويكمن صراع الإنسان مع الإنسان، وفق أحداث المسرحية، في بسط القوي نفوذه على الضعيف وتكريس منطق السيطرة والهيمنة، وفرض إرادته المطلقة عليه.

يقصد المخرج بمصطلح "مونوبول" الذي عنْوَنَ به عمله، ذلك القطب الواحد والخط الواحد والتوجه الواحد في السياسة والتاريخ والاقتصاد والمجتمع.
ومنها استمدّ الغطاء الفكري والايديولوجي للمسرحية، منتقدا التقسيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للعالم، من دول متقدمة ودول نامية ودول الشمال ودول الجنوب ودول غنية ودول فقيرة.
ويحمل العنوان أيضا عديد المقاصد والرموز، فهو يحيل على العلاقة بين المركز والفروع، وسيطرة المركز على صنع القرارات مقابل إقصاء أدوار بقية الفروع، والنتيجة غياب العدالة والمساواة وتهميش الفروع وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.
لذلك ارتكزت المسرحية في بنيتها على جدلية "الأعلى" و"الأسفل" أو "سطح الأرض" و"باطن الأرض"، فالأعلى هو من يقرّر ويشرّع ويهيمن ويمتلك الوسائل والإمكانيات لذلك كالتكنولوجيا ويثمّن قيمة الوقت أو الزمن.

وفي المقابل يظلّ العالم السفلي مستهلكا صامتا لا يفكّر ولا يثور ولا يصنع قرارته بنفسه، بل تابعا خاضعا للعالم العلوي. ولتقريب صورة العالميْن المتناقضيْن من التمثّل الذهني للمتلقي، استعان المخرج غوث زرقي بعناصر سينوغرافية، كانت إحدى مقوماتها تقنية الفيديو التي راوحت بين عديد الأماكن، وأضفت عليها سمات غرائبية عجائبية غير مألوفة.
وجعل المخرج من سكان العالم العلوي كائنات مدمّرة خالية من القيم الإنسانية، منطقها الوحيد الهيمنة والنفوذ على مختلف الميادين من سياسة واقتصاد وثقافة وإعلام.
وتمّ إبراز هذه الصورة في المشهد قبل الأخير للمسرحية، وهو مشهد سقوط مجموعة من تماثيل "تانيت" بما هي رمز للأمومة والخصب والنماء وازدهار الحياة في معتقدات القرطاجيين، ورمز للتاريخ والحضارة.
وتنتهي مسرحية "مونوبول" بجرعة من الأمل والتفاؤل في إحياء "تانيت" من جديد، بمعنى عودة الحياة وازدهارها على الأرض، وهذا الأمل والتفاؤل في غد أفضل يظلّ رهينة إعلاء مشاعر الحب بين الناس.



   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 166227


babnet
All Radio in One    
*.*.*