إذا نجت المؤامرة.. على الشعب أن يؤبّن الثورة ويشرع في قبول العزاء !

نصرالدين السويلمي
*كلما قلنا تقدمنا وابعدناهم عن ثورتنا وابتعدنا عن مناطق الخطر، الا ووجدناهم يكرّون بعنف، ووجدنا انفسنا مرة اخرى ندافع عن آخر الحصون.. إنهم مصرّون على الاقتحام، وإننا مصرّون على الاستبسال.. ولن يكونوا فرنانديو ولن نكون عبد الله الصغير.. لا ولن نبكي على ثورة مثل النساء، بل سنحافظ عليها مع النساء.. وفي البدء والمنتهى، بيننا وبينهم إرادة ويقين.
تملك الساحة السياسية التونسية قدرة من الذكاء الفطري والآخر المكتسب ما يجعلها قادرة على تفعيل وسائل انذارها واستنفارها، حتى ان المتابع لها من بعيد يعتقد انها عبثية حين تركز الى حد الهستيريا على قضايا ثانوية عابرة ليس لها مكانها في ارقام السياسية الثقيلة او حتى الخفيفة، تلك مفارقة تجلت في الكثير من المحطات ، لعل أبرزها الانتخابات الجزئية في المانيا، والاساءة التي لحقت المرأة التونسية من سلطات الامارات، حين اهتزت الساحة واعتقد بعض الدهماء ان الامر لا يتطلب ذلك الزخم الهائل من ردود الافعال، ولم تكن العقول السطحية تعلم ان الساحة التونسية كانت تستشعر وتستشرف ما خلف الاساءة ، واهتدت بحواسها الدقيقة وبما اكتسبته من تجارب الصراع"2011-2018"الى أن الناقلة الاماراتية ليست الا قطرة من كاس طفح وسيطفح بالمؤامرة القديمة والجديدة المتجددة.
دعنا من التركيز على الناقلة الإماراتية التي وحين استفزت العقل التونسي نقلته الى محطات متقدمة من الوعي ليكتشف بوصلة المعركة رغم طابور ابو ظبي الذي يحاول التمييع والتعتيم والتعويم، ولّنركز على الفاجعة التي تخيم على تونس والفتنة التي تطل براسها والمؤامرة التي وان مرت سيكون لها ما بعدها من سقطات وربما كان المسمار الذي سيدق في نعش الانتقال الديمقراطي، ومهما تسلحت منظومة الردة بدقة التصويب ومهما حسّنت من نوعية المجهر الذي ستستعمله في القنص، فلن يمكنها اصابة العياري دون ان تحدث حالة من الدمار الواسع من حولها ومن حوله، ودون ان يعفّر قصفها المحيط بمواد سامة اذا ما تفلتت يصعب السيطرة على فظاعاتها، ليس ذلك لأهمية مقعد المانيا ولا لقوة العياري ولا لتأثيره الواسع على المجتمع التونسي وتجربته وثورته، وإنما لكون الانتخابات البرلمانية الجزئية في المانيا اصبحت تمثل وعن استحقاق عينة لقوة المؤسسة الدستورية "الصــــمام"، او هيئة الانتخابات التي تعتبر المقياس الاصدق الذي يأشر الى بقاء تجربة الانتقال الديمقراطي على قيد الحياة او انتقالها الى جوار ربيبتها المغفور لها "ثورة مصرية" ، كما تمثل انتخابات المانياعيّنة لصناديق ما بعد عودة المنظومة القديمة الى منصات القرار، ثم ان ياسين العياري لا يلهث خلف عشق تلك المنظومة العائدة ولا يبتغي عندها الحسناء ولا هو طلب من رحمها الولد ، إنما هي الحقوق والدستور ودولة المؤسسات، وبعدها ان سادت البغضاء فليذهب الود الى الجحيم، وقديما قال عمر ابن الخطاب لقاتل اخيه زيد بعد ان اسلم القاتل وتولى عمر الخلافة" والله إني أكرهك كراهية الاْرض للدم المسفوح"، فرد قاتل اخيه "اْيمنعني هذا حقاً من حقوق الإسلام" قال ابن الخطاب" لا والله"، فرد الرجل"ما لي ولحبك ....إنما يبكي على الحب النساء"، ايضا لابد للأصحاب القرار"سلطة2014" أن يخرجوا من ربقة المَنّ والمَنح والعَطاء..، لان تثبيت العياري في منصبه تحت قبة البرلمان لا يخضع للصدقات ولا للهدايا، وانما هي الحقوق والاستحقاق المدموغ بإرادة الشعب الموسوم بقرار الصناديق، وعلى منظومة 2014 ان تكف عن التعامل مع تونس بثورتها وشهدائها ودستورها، بعقلية الغنيمة، تقسمها كما تشاء، تهِب لمن تشاء وتمسك عمن تشاء، كما انه يتحتم على أحرار تونس ان يتفطنوا للعمليات الالتفافية، فبعض التصريحات، تؤكد اننا بصدد رغبة خبيثة ومتنامية، ترمي الى أخذ الحقوق الدستورية بيد القضاء بعد ان انتزعها العياري بيد هيئة الانتخابات، وتلك سلوكات معروفة عادة ما تلجا اليها الديمقراطيات الموجهة والصورية، بحيث تُبقي على الصندوق كطعم وكامل كاذب، ثم تجهز على قراراته بالنيابة العامة والمحاكم وتستعين بما أمكن من مؤسسات الدولة الاخرى القادرة على مد يد المساعدة لإسداء الخدمات القذرة، ثم ان الذين يراهنون على نزاهة القضاء كصمام امان، عليهم قبل ذلك ان يتفطنوا للمطبخ الماكر، الذي يشرف على اعداد الملف بدقة متناهية ويصنع التهم على القياس مع مراعات التفاصيل، ويكون بذلك قد احكم الحبْكة ووضع القضاء امام حتمية الحكم لملفه المشحون وضد الضحية، فالقضاء النزيه لا يعني وحده العدالة النزيهة، لان نزاهة العدالة يعني نزاهة جميع المؤسسات التي يمر عبرها الملف وصولا الى اروقة المحاكم، والذي اقنع شريحة من الشعب بان الحرية جريمة، و العربة "برويطة" وأن ثورة الربيع العربي إنما هي "ثورة الربيع العبري"، من اقنع الناس بذلك، يملك القدرة على اعداد ملف مشحون، يُثبت ان العياري من اصول نازية ينتمي الى الموساد ويعمل مع البغدادي وينسق مع قراصنة الصومال، رغم "المُدلس" لا يحتاج الى كل تلك التهم، فقط يكفيه اجتذاب عينة من تدوينات العياري او ردوده التي تتناسق مع خطاب المرحلة المتشنج و تقتضيه المساجلات المتفلّتة والمحسوبة على المراحل الانتقالية، ثم يتم عزل باكورة النشاط المكتوب والمنطوق للعياري عن سياقه، ومن ثم تقديمه لحساب مناخات نزيهة ونظيفة وخاضعة برمتها الى سلطة القانون، دون أي اعتبار للخصوصيات السجال المحموم الذي تشهده البلاد، وبعيدا عن إحداث مقارنات بالمنتوج الاعلامي التقليدي والافتراضي وما يزخر به من صراعات "اقتضتها" المرحلة في تونس مثلما اقتضت ذلك جميع المراحل التي مرت بها الشعوب المكبلة حين كانت بصدد التخلص من رجس الدكتاتورية، وحتى لا تسقط الصناديق وينتهي الحلم، علينا ان نقارن كل الادلة التي سيتعللون بها لشطب العياري من البرلمان وايداعه السجن، بكم العنف والتحريض الذي يغص به الإعلام الرسمي والافتراضي، حينها سنكتشف ان خطاب العياري المتشنج، ليس الا نطفة ليّنة في رحم حالة تزخر بالخطابات القاسية وتعج بمفردات التهديد والوعيد .
على ذاكرة الشعب التونسي ان تستعيد ما اقرّته ونوهت به واشادت.. عليها ان تذكّر اللاعبين في الخواصر والضاربين تحت الحزام، ان المجتمع التونسي وتجربته ومكوناته الحرة، جميعهم اشادوا بعسكر تونس وليس بالمحاكم العسكرية التونسية! إذْ تؤكد التجارب السابقة وتفاصيل المشهد التونسي اللاحقة أنه امام المحاكم العسكرية والمدنية الكثير من الجهد حتى يركن اليها التونسي بلا تردد ويستسلم لليقين حين يكون بين يدي عدلها.. اي نعم يتحرك القضاء في تونس بثبات نحو الاستقلالية، لكن حصونه مازالت هشة امام راجمات الثورة المضادة وجَمرها الخبيث.
Comments
15 de 15 commentaires pour l'article 153724