تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.. الى متى سيتستمر اعتراض النهضة؟

بقلم: شكري بن عيسى (*)
يبدو أن التصريحات والبيانات والتظاهرات والجلسة العامة الممتازة تحت قبة باردو، لعديد السياسيين احتجاجا على قرار ترامب حول نقل سفارة بلاده لدى "اسرائيل" للقدس المحتلة، لم تكن سوى استعراضات من قبيل الظواهر الصوتية، سرعان ما خفتت ووقفت في حدود بعض الشعارات والكلام المنمق في اطار الدعاية السياسية والشخصية، ولم ترتق الى أيّ موقف فعلي يترجم الحماسة والاندفاع ويمثل دعما حقيقيا للقضية الفلسطينية، بل أنّ الواقع ناقض الكلام بسرعة قياسية، بعدم التفاعل الايجابي لمكتب مجلس النواب الذي تسيطر عليه الاحزاب الكبرى على العريضة الداعية لاستعجال النظر في مشروع قانون تجريم التطبيع المهمل في رفوف المجلس منذ 2015.
يبدو أن التصريحات والبيانات والتظاهرات والجلسة العامة الممتازة تحت قبة باردو، لعديد السياسيين احتجاجا على قرار ترامب حول نقل سفارة بلاده لدى "اسرائيل" للقدس المحتلة، لم تكن سوى استعراضات من قبيل الظواهر الصوتية، سرعان ما خفتت ووقفت في حدود بعض الشعارات والكلام المنمق في اطار الدعاية السياسية والشخصية، ولم ترتق الى أيّ موقف فعلي يترجم الحماسة والاندفاع ويمثل دعما حقيقيا للقضية الفلسطينية، بل أنّ الواقع ناقض الكلام بسرعة قياسية، بعدم التفاعل الايجابي لمكتب مجلس النواب الذي تسيطر عليه الاحزاب الكبرى على العريضة الداعية لاستعجال النظر في مشروع قانون تجريم التطبيع المهمل في رفوف المجلس منذ 2015.
العريضة التي تم امضاؤها من قبل ما يزيد عن 94 نائبا من مختلف الكتل، والتي تمّ ايداعها بمكتب ضبط المجلس بتاريخ 11 ديسمبر، لم يتم التفاعل معها مثلما تم في وقت سابق مع مشروع قانون "زجر الاعتداءات على الامنيين"، واتضح أن الأمر ليس أولوية كما ادعى الكثيرون في تصريحاتهم المساندة كلاما فقط للقضية، ولم نصل الى مطلب مقاطعة (او في الحد الادنى تجميد التواصل) مع السفارة الامريكية في تونس للضغط لسحب قرار نقل السفارة من قبل بلدها، فالاغلبية الساحقة للسياسين يهرولون بمناسبة ودونها ويتزاحمون للاستجابة للدعوات وتلقائيا، و"لا يغرّنّك هتاف القوم في الوطن..".
وتناقض المواقف والازدواجية صارت اليوم صارخة، ويبدو أنّ الجلسة العامة الممتازة مع رفع الاعلام الفلسطينية والشاش الفلسطيني ومجسم القدس لم تكن سوى جلسة خطابية، والمواقف الحقيقية خاصة للاحزاب الكبرى لا تتجاوز حد التعاطف، وتعارض في اغلبها المرور الى قرار فعلي بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتلعب على مرور الوقت وخلق الاختلافات والفتور لتجاوز هذا الاختبار الحقيقي للدعم المعلن، وأغلب التصريحات من قيادات النهضة ونفس الشيء للنداء لا تساند تقنين المقاطعة والارتقاء بها الى الجريمة التي تستوجب العقوبة والردع.
واسقاط الفصل 27 في مشروع دستور 2014 المتضمن لبند تجريم التطبيع، يتضح انّه صار توجها اساسيا لهذه الاحزاب الحاكمة، التي تخشى التصادم مع القوى الدولية المعارضة لحركة تجريم التطبيع، بل أنّ النهضة تورط بعد قياداتها ونوابها في حالات تطبيع صريحة، آخرها بحضور القيادي رفيق عبد السلام بوشلاكة في مؤتمر للتطبيع الاقتصادي بالدوحة، جنبا الى جنبا مع نائب صهيوني، وقبل ذلك بحضور النائبة ايمان بن محمد في الجمعية البرلمانية المتوسطية حضرها اسرائيليين، اضافة للتنصل من انتماء الشهيد البطل محمد الزواري لها، والدعوة الصريحة لعلي العريض قبل سنة لرفض تجريم التطبيع، بتقديم حجج وتحاليل مختلة متهافتة.
واليوم مسألة تجريم التطبيع لا تصب فقط في الدعم الفعلي للقضية الفلسطينية، بل يتعداها الى حماية الامن القومي التونسي، والصمود الفلسطيني اليوم يحتاج الى قرارات وافعال رمزية قوية لدعمه، وهو الحد الادنى المطلوب لاثبات الالتزام بالمبادىء وعدم التفريط في الثوابت، وهو ما يطلبه اخواننا الفلسطينيين كمقاومة غير مسلحة شعبية مدنية، تحافظ على الارتباط الفعلي بالقضية وتحميها من الاندثار، وتمثل سند معنوي عالي ولكنّه فعّال للمقاومة المسلّحة في الاراضي المحتلة، واضافة الى ذلك فهي اليوم مصلحة وطنية عليا، ضد الاختراقات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والقيمية المهددة لاستقرا الاسرة والمجتمع التونسي دون نسيان الاختراقات الامنية المدمّرة.
وتجريم التطبيع عبر المقاطعة الشاملة للكيان المحتل، اذ يصبّ في محور دعم القضية الفلسطينية ، فهو يشكّل عقوبة فعّالة للمحتل الذي ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وابادة جماعية، بالقتل والتهجير والتنكيل والاغتصاب وغيرها، والمقاطعة هي الحد الادنى المطلوب لرفض الوحشية والبربرية والاجرام، وشمول المقاطعة كل المجالات بما فيها السياسي والدبلوماسي والثقافي والاعلامي والفني والاكاديمي، فضلا عن التجاري والاقتصادي والسياحي، كما الامني والاستعلاماتي والعسكري وحتى الرياضي، يمثّل سلاحا جبّارا في وجه الكيان الغاصب ويكبّده خسائر مادية عالية بعشرات الاف مليارات الدولارات، اضافة للعزلة السياسية وخاصة المعنوية التي تفرض عليه، بفرض ترهيب معنوي من خلال طوق شامل تحت عنوان الزوال القريب للكيان المحتل.
اليوم سيكون مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني هو نقطة الفرز الحقيقي، بين من يدعّم القضية بشكل فعلي ملموس ويترجم دعمه الى محاور فعّالة، وبين من مازال يستثمر سياسيا وشخصيا في القضية، وفي الواقع يريد ان يجتر سرديّة "العقلانية" و"فتح المجال للسلام" ، هذا المسار الاستسلامي الذي اثبت فشله، وكبّد القضية افدح الخسائر قيميا وماديا بمزيد التنازل والاستيطان الذي ابتلع كل الاراضي الفلسطينية، والظاهر أنّ الدفع سيكون قويّ هذه المرة نحو طرح القانون، وكل تملّص من الاستحقاق سيكبّد اصحابه افدح الخسائر السياسية لدى الشعب، المتمسّك في وجدانه وطموحه وتطلّعاته بالقضية المركزية وبتجريم حقيقي للتطبيع تأخّر أكثر من اللزوم!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
20 de 20 commentaires pour l'article 152540