سيدة الابتسامة الغامضة

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/Mona_Lisa_face.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم مهدي الزغديدي
#‏كيفما_اليوم



في مثل هذا اليوم 22 أوت 1911 تمّت في فرنسا سرقة لوحة الموناليزا التي رسمها ليوناردو دا فينشي.



الموناليزا أو الجيوكاندا هي أشهر وأفضل اللوحات في تاريخ الرسم على مرّ العصور. فهي اللوحة التي تحمل الجمال والاحترافية والغموض في آن واحد، والتي لطالما حيّرت الفنّانين والنقّاد والمؤرخين، وكانت مطمعا لكبار سارقي المتاحف. كان صاحب هذه اللوحة هو ليوناردو دا فينتشي الشخصية الغامضة المثيرة، والذي لم يعرف أحد حقا من هو كشخص وحير دارسي التاريخ كثيراً في تصنيفه ولم يمكّنهم من ذلك. فهو المعماري والرسّام والنحات والموسيقار وعالم الخرائط وعالم النبات والمهندس والفيلسوف. فهو شخصية نادرة في تاريخ البشرية، تركت بصمات هائلة في تميزها وعبقريتها. حتى أعتبر أحد أعظم عباقرة التاريخ البشري والتجسد الإنساني المثالي لعصر النهضة الأوروبيّة.

ولد دا فينتشي في إيطاليا سنة 1452 وتوفّي في فرنسا سنة 1519. ورغم براعته في العديد من المجالات الّا أنه ذاع صيته كرسّام لما لقيته لوحاته من شهرة على مرّ التاريخ. فلوحة العشاء الأخير، تم رسمها في عام 1498 أثارت جدلا لم ينته بعد كونها غير مطابقة تماما للمفاهيم المسيحية حول العشاء الأخير للسيد المسيح (حسب الاعتقاد الكاثوليكي)، وقد ذهب البعض في تفسيره لهذه اللوحة إلى أنها لوحة فيها رموز لعقيدة سرية كان دافنشي من اتباعها، وهذه العقيدة ليست العقيدة المسيحية الكاثوليكية المتعارف عليه. لكن تبقى لوحة الموناليزا أكثر أعماله شهرة وإثارة للجدل.

تثير اللوحة العديد من الأسئلة الغامضة حولها، فقد اختلف المؤرخون حول شخصيّة المرأة المرسومة في اللوحة، فالبعض يدعي أنها والدته، والبعض الآخر يقول أنها من نسج خياله، أو امرأة عابرة ألهمت خياله، بل ذهبت آراء الى أن دافنشي رسم نفسه. لكن الرواية الأكثر تداولا هي التي ذهب إليها المؤرخ الإيطالي جوزيبي بالانتي الذي ظلّ يبحث في أرشيف مدينة فلورنسا مدّة 25 سنة، واكتشف أن شخصيّة اللوحة هي للسيدة ليزا زوجة التاجر فرانشيسكو ديل جوكوندو صديق دا فينشي (وهو السرّ وراء وراء تسمية اللوحة الموناليزا أو الجيوكندا). وقد طلب التاجر من دا فينشي رسم زوجته. فانطلق ليوناردو في العمل سنة 1503 وانتهى منها سنة 1510. ويقال أن التاجر ملّ من طول العمل أو أنه اختفى من المدينة بسبب ديونه، لكن الثابت أنه لم يشتري اللوحة ممّا أصاب دا فينشي بالإحباط فسافر إلى فرنسا أين عرضها على مزاد علني. اقتناها الملك فرانسيس الأول عام 1516، وُضعت في البداية في قصر شاتوفونتابلو قبل أن تُنقل إلى قصر فرساي، بعد ذلك وضعها نابليون بونابارت في غرفة نومه، ثم انتقلت إلى متحف اللوفر بباريس.

أهم ما يميز اللوحة عن غيرها هي الابتسامة الغامضة التي تُزين وجه الموناليزا، فقد ظل تفسيرها مختلف حوله حتى اليوم، رغم تعدد النظريات حولها، فمنهم من قال أنها ابتسامة والدته، والبعض قال أنها تعود لعواطف الموناليزا المعقدة في تلك اللحظة، إذ أن دا فينشي اكتشف أنها لا تحب زوجها ممّا جعل ليوناردو كان يستأجر مهرجا ليُبقيها مُبتهجة طوال الوقت. فابتسامتها الباردة تعكس حالة الشخص الذي ينظر إليها، فالسعيد سيجدها مبتسمة له أمّا الحزين فسيلاحظ الحزن على قسمات وجهها. كما تميّزت اللوحة بالتقنية التي استعملها دا فينشي والتي تعتبر ثوريّة في ذلك الوقت، حيث اعتاد الرسامون على تصوير الأشخاص من جانب واحد فقط وهو ما كان يجعل اللوحة مسطحة لا حياة بها، أما دافنشي فقد استخدم التجسيم لأول مرة، فقد رسم الموناليزا بحيث يجمع بين الجانب والأمام. ثم قلده بعدها العديد من الفنانين المحترفين. كما لا توجد أي خطوط واضحة وصريحة في اللّوحة، بل مجموعة من الألوان المتداخلة تعطي المظهر المطلوب، وهو عكس ما كان مُتبع في ذلك الوقت. كلّ هذا الغموض والأسرار والتقنيات، جعل من اللوحة مطمعا لكبار عصابات المتاحف.
وفي مثل هذا اليوم 22 أوت 1911، استطاع شاب إيطالي يدعى بيروجى كان يقوم بترميم بعض اطارات الصور بالمتحف أن يسرق الموناليزا ويخفيها لديه. وبعد عامين من اخفائها قام ببيعها إلى فنان إيطالي يُدعى ألفريدو جيري. الذي وما ان تأكّد من صحّة اللوحة حتى قام بإبلاغ الشرطة التي ألقت القبض على السارق. وقامت السلطات الايطاليّة بإيداع اللوحة في متحف بوفير جاليرى. وقد فرح الايطاليّون بعودة اللوحة إلى موطنها، الّا أن فرنسا قامت بمفاوضات عديدة لإعادة اللوحة، كادت تنتهي بقطع العلاقة بين البلدين، لكن في النهاية تمكنت من استعادتها رفقة السارق، الذي قال أثناء محاكمة مشهودة أنه سرق اللوحة لأنها تُشبه حبيبته التي توفيت منذ فترة، فتم الحكم عليه بالسجن لعام واحد فقط.

وبقيت الموناليزا الى اليوم تثير الجدل حول غموضها وتلهم الفنانين والكتاب لنسج الروايات حولها لعلّ أشهرها كتاب "شفرة دافنشي" لدان براون الذي بيعت منه ملايين النسخ وحوّل إلى فيلم ولعبة فيديو، وفيلم ابتسامة الموناليزا لبطلته جوليا روبرتس وغيرهم.


Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 146758


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female