''دراما ... عائشة والشيطان'' عمل مسرحي ينبه من خطورة استعمال الدين لانتهاك الحريات

<img src=http://www.babnet.net/images/2b/aichachitanneeeee.jpg width=100 align=left border=0>


باب نات - عندما تستعمل العقيدة في خارج سياقاتها وتستغلّ في التشريع للقتل وتكفير الناس ممّن يعارضون سياسات الحاكم وتضرب الحريات الفردية والجماعية وتحط من مكانة المرأة ودورها المجتمعي باسم الدين، يعمّ الخراب المدن والقرى ويصبح الواقع أشدّ قبحا مما كان عليه.

كانت هذه صيحة فزع أطلقها الإعلامي محمد منصف بن مراد في نصّ مسرحي حمل عنوان "دراما أو عائشة والشيطان" أخرجه محمد كوكة بمساعدة حافظ خليفة، وتمّ تقديم عرضه الأوّل على ركح المسرح الروماني بقرطاج في سهرة أمس الثلاثاء ضمن فعاليات الدورة الثالثة والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي.





تروي أحداث المسرحية غطرسة سلطان اسمه "تاناتوس" يعتمد على الدين للمحافظة على ملكه وتركيع الناس، ويتلذّذ في تعذيب كل من يعارضه ويسفك الدماء، ولا يتوانى للحظة في تدمير مدن من أجل بقائه. فتقوم عائشة الزوجة الثانية للسلطان بالتحالف مع الشيطان من أجل القضاء على السلطان وإنهاء عرشه.

وتقمّص أدوار شخصيات المسرحية كل من دليلة مفتاحي وليلى الشابي وكمال العلاوي وصلاح مصدق وفؤاد اليتيم ووحيدة الدريدي وأميمة المحرزي ومحمد حسين قريع وعبد الرحمان محمود ونادر بالعيد وسعيدة الحامي وشكيب رمضان وأيمن النخيلي وكمال زهيوة ومحمد كوكة، وصاحبتهم مجموعة من الراقصين قدّموا لوحات كوريغرافية أشرف عليها لطفي بوسدرة.

تستهلّ المسرحية بكوكبة من الممثلين يرقصون على إيقاع موسيقى توحي بالموت والعدم والجنون، في مواقف مختلفة تختزل صورة الواقع في تونس من احتجاجات اجتماعية وأعمال إرهابية ودعوات تكفيرية ومشاكل المواطن مع الإدارة وغيرها من المواقف اليومية.
ثم تصاحب هذه المواقف أصوات انفجارات يظهر على إثرها رجل دين (بحر العلوم ديليريو) وقائد عسكري (السيف الأكبر نفروزو) ووزير (ماكيافيلو) إلى جانب السلطان (تاناتوس) وهي شخصيات ألبسها المخرج جبة العقيدة للحكم وتسيير شؤون الناس.

تتواتر في مختلف تفاصيل مسرحية "دراما أو عائشة والشيطان" مصطلحات القتل والترهيب والتعذيب والجنس وطمس الفنون وكل ما له علاقة بالجمال. وهو بذلك يصوّر وحشية الجماعات الإرهابية في تعذيب الناس وبث الرعب في قلوبهم وهدم المناطق الأثرية والحط من مكانة المرأة وقدراتها واختزالها في مجرّد جسد.
وفي المقابل تؤكد المسرحية على أن الفلسفة والفنون هي السبيل لمقاومة الفكر المتحجّر وإنارة العقول، وقد تجلّى ذلك في قرية اسمها "ليبرتاديس" يعمرها فلاسفة وفنانون ومثقفون وعجز السلطان "تاناتوس" عن احتلالها وتركيعها.

وتجلّت اللوحات الكوريغرافية في تصوير ملامح الخراب الذي لحق بالمدن جراء بطش الحاكم، حتى إن المخرج جعل هذه الأعمال الدموية أكثر شراسة من الأفعال الشريرة للشيطان الذي أضحى في المسرحية محبّا للخير ويهبّ لمساعدة عائشة من أجل القضاء على السلطان لوقف نزيف القتل وسفك الدماء. ولعلّ المقصد من تحويل الشيطان في المسرحية إلى محب للخير هو تغيير الفكرة النمطية السائدة التي تجعل الإنسان يتملّص من أفعاله الشريرة وينسبها إلى تأثير الشيطان.

يُعيد المخرج للمرأة مكانتها رغم محاولة بعض الشخصيات السلبية الحط منها، ويجعلها كائنا مفكرا صامدا ومقاوما للظلامية وللديكتاتورية يسعى بكل الوسائل لتخليص القوم من شرور الإنسان، وقد برزت هذه الرفعة لدى المرأة في شخصية عائشة التي ظهرت طيلة العرض بفستان أبيض اللون، فكانت رمزا للسلام وللحياة وللقوة والإرادة وهي صورة للمرأة التونسية المناضلة ولدورها في التحرر من الديكتاتورية.

مسرحية "دراما أو عائشة والشيطان" دامت ساعتين وجعلت من إيقاع العرض الأوّل لها رتيبا جدا مما دفع بعديد الحاضرين إلى مغادرة المسرح بعد مرور 40 دقيقة على العرض، وهي ما يستدعي مراجعة النص والاستغناء عن جزء منه والاقتصار على بعض المواقف دون المس من جوهر الموضوع، وفق عدد من المسرحيين ممن واكبوا العرض.

أما اللغة العربية الفصحى التي كتب بها نص المسرحية وتخللتها اللهجة التونسية لتبدو القصّة من الواقع التونسي والعربي عموما، فإنها بدت مبسطة جدّا لكنها لم تخلو من الأخطاء على مستوى التراكيب النحوية أو الصرفية، ومن ذلك مثلا أن رجل الدين خاطب الملك متحدثا عن الجواري "إنهم جميلات يا مولاي" عوضا عن قوله "إنهن" أو عندما خاطب الملك الجميع بالقول "أنكحوا الخمر" عوضا عن "عاقروا الخمر" وغيرها من الأخطاء التي تقتضي إعادة تصحيحها.

أما تقنية الإضاءة، فلم تخلو بدورها من بعض الهنات، وقد تجلى ذلك في بعض الوضعيات التي ظهر فيها عدد من الممثلين على الركح وهم يقولون النص في زوايا مظلمة. كما أن حركات الممثلين على الركح لم تكن مرتبة ومنسقة بشكل جيّد وبدت فوضوية في بعض الأحيان.

تجدر الإشارة إلى أن مسرحية "دراما أو عائشة والشيطان" أثارت جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي لما اعتبروه مسّا بعائشة أم المؤمنين. وقد نفى محمد المنصف بن مراد، مؤلف المسرحية هذه الادعاءات، في ندوة صحفية انتظمت يوم 11 أوت لتقديم هذا العمل، مشددا على أن "شخصية عائشة أبعد ما يكون عن عائشة أم المؤمنين ولا صلة بينهما رمزيا".


Comments


2 de 2 commentaires pour l'article 146545

Sarih  (Tunisia)  |Jeudi 17 Août 2017 à 17:20           
الكاتب والجوقة المشاركة في العمل الاسطوري الإبداعي الخارق للعادة ماشافوش حالة الإنحلال الأخلاقي والتفسخ الذي إجتاح المجتمع

MedTunisie  (Tunisia)  |Mercredi 16 Août 2017 à 21:58 | Par           
من اجل الاستغلال الخاطئ للدين نقطع مع الدين تماما هذا هي الفلسفة العصرية الرجعية عوض ان نصحح المسار الديني وهذا ما سيكلفنا قرون اخرى في التشرذم


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female