حنظلة أكله الذئب

في مثل هذا اليوم 22 جويلية 1987 تمّ في لندن اطلاق النار على رسّام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي.
يعتبرالرسّام الكاريكاتوري ناجي سليم حسين العلي من أهم الفنانين الفلسطينيين. اشتهر بالنقد اللاذع في رسوماته وأنتج أربعين ألف رسم كاريكاتورية خلال مسيرته الفنية التي استمرت نحو 30 سنة ونشرت رسوماته الكاريكاتورية في العديد من الصحف والمجلات العربيّة.
ولد ناجي العلي في قرية الشجر الفلسطينيّة سنة 1937 (لا يعرف تحديدا تاريخ ميلاده). اضطرّ في سنة 1948 إلى مغادرة فلسطين بعد الاحتلال الصهيوني واللجوء الى مخيّم عين الحلوة في لبنان. لم يستطع مواصلة دراسته ونيل شهادة بسبب تكرّر اعتقاله من الجيش الصهيوني لأنشطته المعادية للاحتلال، كما اعتقل من طرف القوّات اللبنانيّة. كان يعرف عنه رسوماته على جدران الزنزانات التي تعبّر عمّا يشعر به من ظلم الاحتلال. دخل الأكادميّة اللبنانيّة للرسم لكنّه انقطع بعد سنة إثر اعتقاله.
في سنة 1961، اكتشف الكاتب والأديب الفلسطيني الشهير غسّان الكنفاني موهبته إثر زيارة لمخيّم عين الحلوة، فنشر له أوّل لوحاته الكاريكاتوريّة في مجلّة الحريّة في 25 سبتمبر 1961. ثمّ كانت الانطلاقة الحقيقيّة لمّا تلقّى عرضا للعمل في في مجلّة الطليعة الكويتيّة سنة 1963، فانتقل إلى الكويت. ثمّ تحوّل سنة 1968 للعمل في جريدة السياسة الكويتية لغاية عام 1975، وبداية من عام 1974 عمل في جريدة السفير اللبنانية حيث استمر في النشر فيها حتى العام 1983 قبل يعود للكوت للعمل بجريدة القبس.

ارتبط اسم ناجي العلي بحنظلة، الشخصية التي ابتدعها وهي صبي في العاشرة من عمره، يمثل الفلسطيني المعذب الذي يواجه الصعاب. وقد ظهر رسم حنظلة عام 1969 في جريدة السياسة الكويتية، أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973 وعقد يداه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته. لقي هذا الرسم وصاحبه حب الجماهير العربية كلها وخاصة الفلسطينية، لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث ولا يخشى أحداً. يقول ناجي العلي بأن حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية. وقال في إحدى المقابلات معه "ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء". وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي: "كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع". وعندما سُئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته".
وإن عرف عن ناجي العلي تركيزه على استهداف الاحتلال الصهيوني في لوحاته، فإن الأنظمة العربيّة ورموزها لم يسلموا من النقد، فقد كان ناجي العلي يعتبر القادة العرب متواطئين بسلبيّتهم مع الصهاينة وأنهم أحد أهم أسباب نكبة الشعوب العربيّة، ولم يسلم من نقده حتى أبرز قادة منظمة التحرير الفلسطينيّة (بالرغم من أنه في تلك الفترة لم يكن هناك تطبيع رسمي مع الصهاينة ولا اتفاقيّات سلام بعد، وكان الخطاب الرسمي والإعلامي في ذلك الحين معاديا تماما للاحتلال!!). وكانت رسوماته تلقى صدى وانتشارا واسعا لدى الجمهور العربي ممّا أزعج الصهاينة والأنظمة العربيّة في الآن نفسه.
اضطرّ سنة 1985 للانتقال إلى لندن العمل في جريدة القبس الدوليّة بعد أن اشتدّت عليه وعلى الصحيفة الضغوطات السياسيّة، لكنّه لم يصمت رغم أن شهادات العديد من أصدقائه التي تؤكّد تواتر الطلبات من الأنظمة بالكفّ عن نقدهم.
وفي مثل هذا اليوم 22 جويلية 1987 أطلق شاب مجهول النار على الفنّان ناجي العلي أصابه في وجهه، فدخل في غيبوبة حتى وفاته في 29 أوت من نفس السنة. ودفن في لندن رغم طلبه أن يدفن في مخيم عين الحلوة بجانب والده وذلك لصعوبة تحقيق طلبه. وبالرغم من أن الشرطة البريطانيّة أوقفت القاتل الذي اتضح أنه طالب فلسطيني يدعى إسماعيل صوّان، اعترف في التحقيقات بأنه مجنّد لصالح الموساد، الّا أن هذا الأخير رفض نقل المعلومات التي بحوزته إلى السلطات البريطانية مما أثار غضبها وقامت مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء حينذاك، بإغلاق مكتب الموساد في لندن. ولم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال على وجه القطع. واختلفت الآراء حول ضلوع إسرائيل أم منظمة التحرير الفلسطينية أو المخابرات العراقية أو أنظمة عربية كالسعودية. ولا توجد دلائل ملموسة تؤكد تورط هذه الجهة أو تلك. لكن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قامت في غرّة سبتمبر 2000 بنشر قائمة بعمليات اغتيال ناجحة ارتكبها الموساد في الماضي وتم ذكر اسم ناجي العلي في القائمة.
كان العلي رئيسا لرابطة الكاريكاتير العربي في عام 1979 حتى اغتياله، وشارك في الكثير من المعارض العربية والدولية وأصدر ثلاثة كتب ضمت العديد من رسومه، وحصل على العديد من الجوائز. قام الفنان نور الشريف بعمل فيلم له باسم ناجي العلي أثار ضجة في وقتها وطالب بعض المحسوبين على الحكومة المصرية بمنع الفيلم، بسبب انتقاده للنظام المصري، ليثبت ناجي العلي أنه بمجرّد قلم بسيط مزعج للأنظمة الاستبداديّة وهو ميّت تماما كما كان حيّا، وليبقى حنظلة مديرا لنا ظهره إلى اليوم.
Comments
3 de 3 commentaires pour l'article 145579