نظرية ''النجاسة'' في مقابل.. نظرية ''تقليص النجاسة''!!

بقلم: شكري بن عيسى (*)
كان الحقيقة بعد كل عمليات التفجّر والتشظي والتشقق داخل نداء تونس، وبعد كل الاستقلات والانسحابات المتتالية في الحزب الحاكم، وبعد كل التسريبات داخل حزب ابن الرئيس التي هيمنت على الساحة الوطنية الاسبوعين الفارطين، وبعد كل ما عايناه قبل سنتين من هراوات في الحمامات من ميليشيات الشقوق في هذا الحزب نقلتها وسائل اعلام دولية، وبعد اتهامات بن تيشة بوجود فساد مالي داخل حزبه على شمس اف ام، -كان الحقيقة انتظار- "باراديغم" (اي نظرية تفسيرية جديدة) لفهم استمرار تواجد هذا الحزب واستمرار الطلب عليه بعد انضمام قرابة الـ40 قيادي جديد، وكان لمنشط برنامج "لمن يجرؤ فقط" سمير الوافي الفضل في الوقوف على هذه النظرية الجديدة باستضافته الفيلسوف (عفوا الشيخ) فريد الباجي.

النظرية فعلا اصبحت مكتملة وواضحة المعالم تقريبا، والفيلسوف-الشيخ فصّل في اجاباته على اسئلة المنشط الدقيقة منطلقاتها وابعادها، والاشكالية في المنطلق كانت مزدوجة في ارتباط مع وضعية النداء (شق حافظ) الميؤوس منها، وفي ارتباط مع "المنتدب" الجديد الذي رأيناه في المنصة القيادية لاطارات النداء مع حافظ، وهو الذي صرّح جازما قبل سنوات قليلة بأن "لا يكون في منصبا سياسيا حتى الموت"، ولو "بالسلاح على رأسه" مقدما على ذلك "عهدا" بينه وبين "الله" وبين "تلاميذه" وبين "الشعب"، وفعلا الامر استوجب نظرية تفسيرية "عظيمة" للانتقال من وضعية الجزم بعدم تقلد مناصب سياسية حتى الممات الى القيادة الاولى في حزب حافظ.
اليوم حزب حافظ انسحبت منه اغلب القيادات المؤسسة، وخرج من رحمه "مشروع" محسن مرزوق (حزب قانوني)، وكذلك "مستقبل" الطاهر بن حسين (حزب في طور التاسيس)، اضافة الى "تيار أمل" فوزي اللومي (تيار في طور التاسيس داخل النداء)، فضلا عن نداء رضا بلحاج (شق يتنازع الشرعية مع شق حافظ حول وراثة النداء)، دون الاشارة الى بعض الشخصيات التي ابتعدت دون انتماء مثل لزهر العكرمي، واستقالات النواب كانت بالعشرات والكتلة وصلت الى ماتحت 60 نائبا بعد ان كانت تعد 86 نائبا، ولكن "التعزيزات" تكثفت بانتداب نواب خاصة من الوطني الحر وآخرين (للوصول اليوم الى 66 نائبا)، لم تمر دون توجيه تهم بـ"البيع" و"الشراء" من سليم الرياحي المتضرر الاكبر، وقبل عشرة ايام بتعزيزات خاصة من رموز المخلوع على راسهم برهان بسيس وسمير العبيدي، واستوجب الامر الحقيقة انتظار خروج "الشيخ" على "الحوار التونسي" لفهم الامر بصفة جلية.
فريد الباجي الذي مثّل ظاهرة صوتية واسعة الانتشار على مدى السنوات المنقضية، بتقمصه جبة الافتاء طورا والتقييم السياسي طورا اخر والتحليل الامني طورا ثالثا، اعتبر السياسة "نجاسة" و"قذارة"، وكان لا بد بعد انضمامه المفاجىء للنداء (شق حافظ) المعلن بتاريخ 12 مارس الجاري ان يعطي مبررات للتناقض الصارخ، خاصة وانه قدم العهود مع الله ومع تلامذته وشعبه، والحقيقة ان التفسير كان "بارعا" بقدر "محاصرة" المنشط سمير الوافي اللصيقة للشيخ "المرتد" عن فتاويه، وكان لا بد من تخريجة "نظرية تقليص النجاسة" للتخلص من "نظرية نجاسة السياسة"، و"الابداع" السياسي والفقهي كما الفلسفي الحقيقة كان عالي المستوى من الفيلسوف-الشيخ-السياسي.
فواضح ان النداء (شق حافظ) سعى عبر "التعزيزات" المستعرضة في "ندوة الاطارات" التغطية على الاخفاقات والانسحابات، وخاصة فضائح التسريبات التي اظهرت الحزب في شكل شبكة مصالح لا علاقة لها بالصالح العام، تسعى للتحكم في مفاصل الدولة وفي توظيف الادارة لتحقيق النفوذ والسلطة لافرادها، وفريد الباجي "المنتدب" الابرز "تفنن" في كشف هذا المستنقع السياسي الاسن في وارد دفاعه عن خياره، فلقد اعترف انه يرى "اللعبة قد بلغت من القذارة والنجاسة"، في اشارة لما يحصل في النداء بكل تشققاته، وهو بذلك اظطر لتوصيف الواقع المتورم سرطانيا لهذا الحزب-شبكة المصالح، ولكن حتى يبرر انضمامه للنجاسة لا بد من امرين في نطاق نظرية "تقليص النجاسة".
أولا اعتماد مبدأ "الضرورات تبيح المحضورات"، اذ هو يرى ان "القذارة والنجاسة قد تهدد الامن القومي"، الذي قد "تقطع معه الرؤوس"، وبالتالي فـ "ضرورة" دفع التهديدات عن الامن القومي تدفعه للغرق في النجاسة (المحضورة)، فتصبح بذك هذه النجاسة (المحضورة) وفق مبدأ "الضرورات" جائزة شرعا وفق "الشيخ"، والغاية هي "التخفيف من النجاسة" ما دام "يمتلك القدرة على ذلك"، وفي الفقه الشرعي لـ"الشيخ" لا بد من استحضار المبدأ الثاني فهو "تقدر الضرورة بقدرها" لتعليل "غرقه" في النجاسة، لتبرير انه لن يظل في النجاسة الى آخر رمق، فعندما يتم دفع الضرر وتتقلص الضرورة ينعتق "الشيخ" من النجاسة.
"عبقرية فذة" الحقيقة بالفعل قل ان رايناها في شخص جمع السياسة بالفلسفة بالفقه، غرق في النهاية في النجاسة الى الرأس، في حزب كله نجاسة حسب ما فصّله لنا "علاّمة عصره"، الذي سيقلّص النجاسة داخله، التي يظهر انها لن تنفذ ولن تنتهي، وسامح الله سمير الذي استدرجه ليكشف لنا عمق خندق النجاسة التي يتخبط فيها صاحب نظرية "تقليص النجاسة" بعد ان انقلب على نظريته في "النجاسة"!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
Comments
2 de 2 commentaires pour l'article 140174