الشاهد وبرنامج ''التقشف''.. تهديد أم توجّه حكومي؟

شكري بن عيسى (*)
نالت حكومة الشاهد كما كان منتظرا الثقة من البرلمان الجمعة، ولكن بنسبة لم تتجاوز حكومة الصيد التي نالت هي الاخرى في 5 فيفري 2015 تصويت 167 نائب بنعم، الا ان ما شد الانتباه أكثر هو البيان الذي القاه رئيس الحكومة في الجلسة والذي كان مخيفا بأتم معنى الكلمة، وكشف مرامي "البرنامج" الذي قُدِّم به مرشح السبسي لرئاسة الحكومة، و"المهمة" الملتبسة التي جاء من أجلها.
نالت حكومة الشاهد كما كان منتظرا الثقة من البرلمان الجمعة، ولكن بنسبة لم تتجاوز حكومة الصيد التي نالت هي الاخرى في 5 فيفري 2015 تصويت 167 نائب بنعم، الا ان ما شد الانتباه أكثر هو البيان الذي القاه رئيس الحكومة في الجلسة والذي كان مخيفا بأتم معنى الكلمة، وكشف مرامي "البرنامج" الذي قُدِّم به مرشح السبسي لرئاسة الحكومة، و"المهمة" الملتبسة التي جاء من أجلها.
لم يكن أحد يتصور أن يحتوي البيان الموجه للبرلمان ومن ورائه الشعب التونسي، تلك الالغام شديدة التفجر، التي ألقى بها الشاهد بين الجميع في الملعب السياسي دون ممهدات أو سابق انذار، بالتلويح باعتماد سياسة "التقشف" وما تعنيه من مزالق خطيرة ستلقي بالبلد على حافة الانهيار الشامل، ولعل السيناريو اليوناني المرعب يقفز للذهن مباشرة عند الحديث في هذا الخصوص.

الجميع انتظر عرض جملة من الخيارات والتوجهات والسياسات والبرامج التي تعطي حدا ادنى من الطمأنة للشعب والأمل خاصة للشباب البطال الذي يعاني الاحباط، والطلبة والتلاميذ الذين يواجهون استحقاق اتمام دراستهم في غياب كل حلم وانسداد الافق، والقاطنين في الدواخل والمناطق المهمشة الذين يفتقدون لابسط مرافق التنمة، وتستجيب لطلبات الثورة في الشغل والتنمية والعدالة الاجتماعية الحقيقية ومكافحة فعلية للفساد، ولكن "الرسالة" العميقة كانت منذرة بالانهيار.
صحيح أن رئيس الحكومة المكلف مطالب بمصارحة الشعب وكشف الحقيقة، ولكن أن يصل الأمر بالتهديد بشعار "التقشف" وبتلك الحدة والصرامة والمباشرتية فذلك ما كان غريبا، وحتى ما "وضّحه" في نهاية جلسة منح الثقة في رده على النواب أن الأمر ليس حاليا ويخص سنة 2017 اذا لم يتم الشروع في الاصلاحات، فقد زاد في الحيرة، اذ سنة 2017 على الابواب ولم يفضل لها سوى خمسة (05) اشهر، ناهيك عن الاصلاحات المعروضة أغلبها هلامية ولا ندري بالضبط ما هو الاصلاح الذي سيتفادى به "التقشف".

الشاهد قدم حزمة اجراءات لانقاذ الوضع متواضعة للغاية، ولا شيء فيها تقريبا نوعي وفيه اجتهاد وابداع حقيقي، كما لم يقدم تدابير عاجلة للانعاش والانقاذ وارجاع الثقة، وهو الغاية التي سوقها السبسي لتجديد الحكومة والضرورة التي تحجج بها لعرض "مبادرته"، وكانت اغلبها مكررة لما عرضته حكومة الصيد وحتى مشاريع القوانين فهي "منتوج" معروض من الحكومة المقالة، على غرار مشروع مجلة الاستثمار ومشروع الإثراء غير المشروع وحماية المبلغين، اضافة للوثيقة التوجيهية للتنمية والمؤتمر الدولي للاستثمار، وحتى دعوته "وزارة العدل والنيابة العمومية ايلاء ملفات الفساد الاولوية المطلقة" فستظل بلا معنى في غياب الموارد البشرية والكفاءات والموارد اللوجستية الضرورية، وستبقى على الاغلب في مستوى الشعار.
أما التشخيص فكان أغلبه معلوما ولكن الجديد هو تقديم بعض المعطيات المهوّلة مثل البطالة التي لم يمر اسبوع على نشر رقمها لشهر جويلية من قبل الهيئة الرسمية "المعهد الوطني للاحصاء" والمحدد بـ 629.6 الف، في حين رفعها الشاهد الى 650 الف، وايضا عدد مواطن الشغل الذي يمكن ان تنتجه كل نقطة نمو (بين 15 و20 الف) الذي كان مضخما، وايضا نسب العجز التي كانت غير دقيقة ومهوّلة، وهذا فعلا يثير الغرابة حول مصداقية قائد الحكومة وطاقمه الجديد بعرض معطيات خاطئة وفي الحد الادنى غير دقيقة.
ساكن القصبة الجديد لم تكن "مصارحته" حقيقية، اذ لم يحدد المسؤولين الفعليين عن حالة الازمة الحالية، حتى لا يفسح لهم المجال من جديد لاغراق البلد، واختار الهروب الى الامام وتعويم القضية والقاء المسؤولية على الجميع وعلى راسهم الشعب الذي حمله وضع تفشي الرشوة وانتشار الاوساخ وغيرها، والتفصي بذلك من كل عواقب السياسات الفاشلة لحزبه ولرئيس الجمهورية وممارسات الفوضى التي انتهجها خاصة النداء، ولاستخلاص أن الحل يكمن في مراجعة عميقة وليس استمرار نفس الوجوه ونفس الهياكل ونفس التمشيات والمنظومة، وان الانقاذ لا يتم الا بنقلة نوعية، وليس التلويح بـ"التقشف" الذي سيدخل البلاد في حالة ركود وانكماش ويضعها على خط الافلاس.
وحتى التفادي والتدارك الذي قام به عند الرد على تدخلات النواب، لم يكن كافيا كما انه لم يكن بصيغة الحسم، اذ اعلان الامر في البيان عند عرض برنامج الحكومة لم يكن عبثيا، مع التفصيل فيه بأنه يعني تقليص مصاريف الصحة والضمان الاجتماعي وتسريح آلاف العمال والرفع من الضرائب وايقاف التنمية في البنية الاساسية والمرافق، ومع علمنا بأن الرجل يؤكد على علوية الاتصال وبالتالي فالامر ليس لمجرد اثارة الالتباس، كما أن ضحالة برنامجه الذي بدا ابعد ما يكون عن تقديم العلاجات الضرورية فضلا عن عديد المؤشرات صارت تؤكده.
وتركيز الشاهد على الشكل والغرق في خدمة "اللوك"، أعمى عن حقيقة البرنامج المتواضع، الذي لم يتفنن" فيه "الخطيب" سوى في قضية النظافة والتي أكد انه بعد ستة اشهر كاملة وبعد خروجه من وزارة التنمية المحلية وجد له "الحل"، الذي لا يكمن في "الحملات" التي وصفها بالفاشلة بل في المصبات التي يجب وضع "استراتيجيا" خاصة بها قدم تفاصيلها باطناب، عجزت الحقيقة عن ادراك كنهها، وفي النهاية لا ندري كيف سيقاوم الاعتصامات "العشوائية" وخاصة في الحوض المنجمي وقد عجز فيها اسلافه، وهل مجرد كاتب دولة مكلف بالمناجم سيحل المشكل!؟

وحتى ان تم حل مشكل الحوض المنجمي فالموارد التي سيجلبها الفسفاط لن تفي بالاحتياجات الكبرى في التنمية والنهوض بالاستثمار لخلق مواطن الشغل ومواجهة البطالة المتزايدة، ولن تنقذ السياحة التي صارت في ازمة هيكلية وتضاؤل موارد الطاقة، ولن تعيد قيمة الدينار المتداعية، ولن تحل ازمة المديونية العميقة، وفي ظل تصاعد الهشاشة الاجتماعية والفقر يبدو أن الشاهد كان يعي ما يقول بان الذهاب لبرنامج "التقشف" سيكون "المخرج" بالنسبة له، خاصة وأن التزام الدولة ازاء صندوق النقد الدولي في رسالة العياري وسليم شاكر لكريستين لاغارد في 2 ماي 2016

والخطوط الكبرى في الصدد تصب في النهاية في رفع الدعم عن المواد الاساسية والطاقة والنقل الذي تم الانطلاق فيه، وتجميد كتلة الاجور في الوظيفة العمومية بما يعنيه من تجميد الزيادات وتسريح عشرات الالاف وهو ما تم الشروع فيه في "التلكوم" و"تونس الجوية"، ورفع سن التقاعد والتخفيض في نسبة الجرايات والتقليص في مصاريف الصحة والحيطة الاجتماعية وهو في جزء منه قيد التنفيذ، ورفع الضرائب ان اقتضى الامر لمواجهة الديون المتصاعدة، وايقاف الانفاق العام في البنية التحتية والمرافق العامة، وان لزم الامر كحل نهائي خوصصة المؤسسات العمومية مثل "الستاغ" و"تونس الجوية" و"الستير" و"الصوناد" لتوفير السيولة مثلما حدث مع الخلوع وحتى في اواخر عهد بورقيبة، وكما تعلمون ان الامر ينطلق من محورين الاول بالدفع نحو تدهور الخدمات في الصدد قبل اعلان "الهيكلة" ثم اعلان فشلها قبل اعلان "حتمية" البيع.
ضعف برنامج الشاهد من حيث تقديم مفاتيح انقاذ حقيقية مع استمرار نفس منظومة الفشل، واهمال الطريق الحقيقية للحل عبر ابتكار حلول اصيلة، بالتهاون في ملف استرجاع الاموال المنهوبة، والتغاضي عن ملف المصادرة الذي يقع "تصفيته"، وركن مسار العدالة الانتقالية الذي يمكن ان يوفر اموالا معتبرة، وغياب التركيز عن التهريب والسوق الموازية التي تخرب الاقتصاد وينجر عنها خسائر جسيمة في الجباية، وعدم مواجهة ملف الغش الضريبي بالارادة المستوجبة، وتجاهل ملف الاراضي الدولية والثروات الطبيعية والطاقية المثير للجدل، اضافة الى عدم احداث نقلة نوعية في الحوكمة على مستوى الحكومة، خاصة مع حكومة مضخمة تحت ضغط الترضيات بأكثر من 40 عضو، فالافق سيكون على الاغلب ضيقا جيدا، والخريف سيكون داكنا في الجهات المعدمة، ولن تنفع حينها لا "لوك" الشاهد ولا 'كرافاته" ولا اسلوب اتصاله التي اسعادت بطانة المخلوع القصائد الطويلة في مدحه!!
(*) قانوني وناشط حقوقي
[*] رسالة الشاذلي العياري وسليم شاكر لكريستين لاغارد
http://www.imf.org/External/NP/LOI/2016/TUN/fra/050216f.pdf

Comments
20 de 20 commentaires pour l'article 130136