القصرين: مروى بناني .. إرادة أقوى من الإعاقة وحلم تحوّل إلى مشروع ريادي

(وات/تحرير لطيفة مدوخي) - رغم الإعاقة العضوية التي رافقتها منذ كان عمرها 12 عاما، وفرضت عليها استعمال كرسي متحرّك آلي، رفضت مروى بناني (32 سنة) أن تكون مجرّد رقم في إحصاءات البطالة أو الإعاقة وآمنت بأنّ التغيير لا يُنتظر بل يُصنع.
هي ابنة القصرين، تحصلت على شهادة الباكالوريا في شعبة الآداب وشهادة تكوين في الإعلامية واختارت أن يكون لها حضور فاعل في المجتمع واصرت على ذلك، فبعد تجربة تربص في إحدى بلديات ولاية سوسة، وخوضها رحلة البحث عن عمل في القطاعين العام والخاص، دون نتيجة، قرّرت مروى أن تسلك طريقًا مختلفًا، واختارت أن تؤسس لحلمها وان لا تُردف الخيبة باليأس، فبدأت بدعم من وزارة الشؤون الاجتماعية (في إطار برنامج التمكين الاقتصادي) قصة مشروعها الريادي.
صاغت مروى، بمرافقة مكتب مختص في دراسة المشاريع بولاية القصرين، فكرة "مساحة العمل المشترك(HB Co-WorKing SPace) "، مشروع انطلق فعليًا في جوان 2023 بحيّ السلام بمدينة القصرين، ليكون الأول من نوعه في الجهة، فضاء موجّه للمكوّنين والمهندسين والتلاميذ والطلبة والإطارات وكل من يبحث عن مكان هادئ ومجهّز يُعينه على العمل أو المراجعة أو التدريب، مقابل معلوم في المتناول.
يتضمّن الفضاء قاعة اجتماعات مكيّفة ومكتب إعلامية مجهز بحاسوب وآلة طباعة ونسخ وأوراق وإنترنت، فضلاً عن وحدتين صحيتين، وفضاء للاستراحة، واصبح هذا الفضاء يستقبل روادا من خارج الولاية وهم يمثلون الاغلبية، وفق مروى، التى اكّدت ان ذلك يعكس الحاجة لهذا النوع من المشاريع.
تكفلت وزارة الشؤون الإجتماعية بكافة التجهيزات، فيما تولّت مروى تهيئة المقر وتحملت مصاريف الكراء والتسيير، وقد لقيت دعمًا كبيرًا من عائلتها، لا سيّما شقيقاتها الخمس، وأصدقائها الذين ساندوها في مختلف مراحل المشروع.
مشروع مروى، لا يخلو من التحديات، فبالرغم من جهود التعريف به عبر صفحة رقمية وبطاقات تعريفية وصفحتها على موقع التواصل "فيسبوك"، إلا أنّه لا يزال بحاجة إلى مزيد من الترويج محليًا، كما تظل كلفة كراء المقر من أبرز العراقيل التي تواجهها، ما دفعها الى المطالبة بتمكينها من فضاء تابع للدولة، تتصوغه بمعلوم رمزي، ويكون مجهزًا بمستلزمات تضمن الإستفادة منه من قبل عموم المواطنين، لاسيما الأشخاص ذوي الإعاقة.
تسرد مروى قصتها لصحفية وكالة تونس إفريقيا للأنباء، بشيء من الألم والامل في ذات الوقت قائلة: "كنت خجولة من إعاقتي، أميل إلى العزلة وأتجنب التواصل مع الناس، لكن أخويّ، وهما أيضًا من ذوي الإعاقة، كانا سندي الأكبر، خصوصًا اخي مكي، الذي شجّعني على كسر القوقعة ومواجهة الحياة، لكن بعد وفاته، تغير كل شيء."
تحوّلت مروى من فتاة منغلقة إلى ناشطة فاعلة في المجتمع المدني، وعضوة في منظمة إيطالية تُعنى بإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة، انخرطت في أعمال خيرية، وشاركت في دراسات بحثية حول الإقصاء الاجتماعي، لتكتشف أن إعاقتها ليست عائقًا بل حافزًا.
في حديثها لصحفية "وات"، تؤكد مروى قائلة "إعاقتي لم تكن يومًا حاجزًا، بل كانت دافعًا لأشق طريقي بالعزيمة والإرادة"، ووجّهت بالمناسبة رسالة الى كل من يحمل إعاقة، مهما كان نوعها، بأن يفتخر بها، ويحوّلها إلى طاقة بنّاءة، ويُثبت أنه عنصر فاعل ومنتج في المجتمع، لا عالة عليه.
تحرص مروى على إدارة مشروعها بمفردها، متحدية بذلك كل الصور النّمطية التي تربط بين الإعاقة والإعتماد على الغير، فهي لا تكتفي بالإشراف اليومي على الفضاء، بل تتولى بنفسها تنظيم الحجوزات، ومتابعة صيانة التجهيزات، والترويج الرقمي للخدمات، وحتى التفاعل مع الحرفاء وملاحظة احتياجاتهم لتطويرها، خاصة وانه يشهد لها في دقتها في التنظيم، وحُسن الاستقبال، وقدرتها على خلق مناخ مهني محفّز داخل الفضاء، ممّا جعل عددا من الحرفاء يثنون على تجربتها ويقترحون تعميمها في مناطق أخرى.
Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 308791