الكتابة في الوطن العربي شكل من أشكال
الكتابة في الوطن العربي شكل من أشكال الهروب. فهناك من يكتب هروباً من الواقع، وهناك من يكتب لأنه بلا عمل ويكتب هروباً من الفراغ، وبعضهم يكتب هروباً من العمل، والبعض يكتب هروباً من زوجته، أوحماته. أما الكتاب العرب الحقيقيون فإنهم يكتبون هروباً من مواجهة الحقيقة ويهربون من الكتابة بالكتابة ويكذب من يقول لك إنه يكتب ليقول راية بشجاعة أو يكتب لأن لديه رسالة يريد أن يوصلها إلى القارئ فالكتابة بكل أشكالها وأجناسها محاولة للهروب والإفلات من المسؤولية.
والكاتب الصادق والموهوب هو الذي يعرف كيف يهرب من قول كلمة الصدق وقول الحقيقة. كلنا نهرب بالكتابة. ولكل منا قناعته وأسلوبه في التنكر والتخفي وطريقته في الهروب والتهرب والفرق بين الكتاب العادي والكاتب المحترف هو أن هذا الأخير أكثر قدرة على التنكر والتلون والتشكل. والقارئ الذكي وحده يستطع
اكتشاف طريقته في التنكر وأسلوبه في التخفي والهروب.
وليس صحيحا أن الكتابة شكل من أشكال الهروب إلى الحرية. وحتى أولئك الكتاب الذين هربوا إلى باريس ولندن وعواصم أوروبا وأمريكا ليكونوا أكثر حرية هم أكثر هروباً في كتاباتهم وأقل حرية، فلا أحد منهم يكتب كما يشاء. ولكن بمقدور كل واحد منهم أن يهرب ويتهرب من قول وكتابة ما يشاء. وفي القاهرة أو في باريس وفي صنعاء أو في لندن الجميع يكتب ليهرب. وإذا كانت الكتابة في دول الغرب مسؤولية فإن الكتابة عندنا هروب من المسؤولية. لهذا السبب يتكاثر الكتاب في أقطارنا ويتوالدون على طريقة الأرانب. ولهؤلاء الكتاب الأرانب نقول: يا أيها الكتاب لا تتكاثروا مع الاعتذار للشاعر العربي الكبير محمود درويش.
عبد الكريم الرازخي
الشرق الأوسط (أوت 2001)






Comments
0 de 0 commentaires pour l'article 902