المرزوقي يطالب في الامم المتحدة بإطلاق سراح مرسي

باب نات -
طالب الرئيس المنصف المرزوقي في كلمته في الامم المتحدة من السلطات المصرية اطلاق سراح الرئيس المعزول محمد مرسي فورا
والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية.
كما طالب المرزوقي من السلطات المصرية فتح المعابر الى غزة وايقاف خنق تلك الجهة المناضلة مضيفا "يكفي ما يعانيه الفلسطينيون من الاحتلال الصهيوني.

كما طالب المرزوقي من السلطات المصرية فتح المعابر الى غزة وايقاف خنق تلك الجهة المناضلة مضيفا "يكفي ما يعانيه الفلسطينيون من الاحتلال الصهيوني.
خطاب الدكتور محمد المنصف المرزوقي
رئيس الجمهورية التونسية
الدورة 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة – نيويورك
السيد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة،
السيد الأمين العام للأمم المتحدة،
السيدات والسادة ممثلي شعوب ودول العالم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من بلدي تونس باسم الشعب التونسي أتوجه إليكم جميعا وإلى الشعوب التي تمثلون بأسمى عبارات التحية والتقدير.
كان لتونس كما تعلمون شرفُ افتتاح ما سُمّي بالربيع العربي يوم 17 ديسمبر 2010. ومنها كان انطلاق هذه الثورات السلمية التي قامت بها شعوب عربية بغية التخلّص من دكتاتوريات فاسدة أعاقت تقدمها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وفرضت بالحديد والنار أنظمة عاشت على الفساد وجرّفت كل القيم النبيلة التي يقوم عليها العُمران البشري.
إنّ ما تشهده اليوم بعضُ بلدان الربيع العربي يدفع إلى الاعتقاد بأنّ مشروع التحرّر من الاستبداد قد فشل، وأنّ الحلم انقلب إلى كابوس.
إنّ ما يجب أن نتذكره هو أنّ هذا الربيع العربي ليس حالة نهائية نحققها بين عشية وضحاها وإنّما هو مسار تحرّر قد انطلق ومشروعٌ متواصلٌ مداه أفقُ مستقبلٍ بعيد.
إنّ ما يجب أن نأخذَه في الاعتبار هو عاملُ الزمان. فالشعوب بحاجة إلى عدة عقود للحكم على ثوراتها بالنّجاح أو الفشل.
إن ما يجب أن نقبل به هو أن الربيع العربي مثلُ كلِّ المشاريعِ البشريةِ معرّض للتعثر، ومهدّد بالتوقف وحتّى بالنكوص على الأعقاب.
لكن ما يُمليه علينا الواجب هو أنْ يتواصل منكمُ الإصرارُ على دعم هذا المسار وأن تتجدّد منّا العزيمةُ على النّهوض بعد كلّ عثرة وعلى إعادة الكَرّة بعد كل إخفاق.
من هذا المنظار نحن نعتقد أنّ ما تعرفه بلدانُ الربيع العربي من صعوبات في بناء الديمقراطية هي مرحلة طبيعية وستمر.
لكن تيقنوا من أن شعوبنا لن تسمح أبدا بالعودة إلى الأنظمة التي كبّلتها وأذلّتها واستنزفت خيراتها وبالتالي فإنّ الطريقَ ذو اتجاه واحد وإنْ طال وكثرت العثرات عليه.
تيقنوا من أننا سنقاوم التطرف الذي يريد لنا استبدادا دينيا نستبدل به استبدادا وطنيا أو قوميا كأنه لا يعلم أن الاستبداد هو نفس الآفة أياّ كانت الأقنعة التي يختفي وراءَها.
نعم إنّ صعوبات الربيع العربي تشهد على شراسة قوى اجتماعية تحاول الشدّ إلى الوراء وأخرى أيديولوجية بدائلها دواء أمرّ من الداء.
و لا يزال أمام تأسيس الديمقراطية وبناء دول مدنية في بلدان الربيع العربي المجتمعات العربية مستقبل واعد رغم ما يشهده من صعوبات لا مناص منها نعتقد أنه سيقع تجاوزها مهما تطلّبت من وقت.
من هذا المنبر الموقر أهيب بالسلطات القائمة في مصر أن تطلق سراح الرئيس محمد مرسي وكلّ المساجين السياسيين. فمثل هذه المبادرة الجريئة قادرة وحدها على خفض الاحتقان السياسي ووقف مسلسل العنف وعودة كلّ الأطراف الى الحوار باعتباره الوسيلةَ الوحيدة لحلّ المشاكل الصعبة التي تفرضها المراحل الانتقالية.
كما نطلب بفك الحصار عن قطاع غزة وقف الاستيطان الاسرائيلي.
إن المرحلة الانتقاليّة الراهنة في بلدي تونس تواجه ثلاث تحدّيات كبرى :
التحدي الأول : الإرهاب الذي استطاع، عبر اغتيال الشهيدين شكري بلعيد في 6 فيفري الماضي ومحمد البراهمي في 25 جويلية المنصرم، أن يبث بلبلة سياسية كان من نتائجها إيقافُ مسار المجلس التأسيسي. وقد كان على وشك الانتهاء من الدستور وتحديد موعد الانتخابات.
التحدي الثاني : تباطؤ الاستثمار الداخلي والخارجي ممّا يزيد في صعوباتنا الاقتصادية ويؤخر حل المشاكل التي بسببها اندلعت الثورة ومن بينها البطالة.
التحدي الثالث : تعلّم ممارسة الديمقراطية في الوقت الذي نبنيها فيه والدفاع عنها وهي لم تتجذّر بعد في التقاليد السياسية والاجتماعية.
ما أستطيع أنْ أؤكده هو وجود عزم قوي لدى كل التونسيين والتونسيات على بناء دولة مدنية تضمن نمط عيش جَامعٍ يقوم على تأليف خلاّق بين العدل والحريّة والأصالة والحداثة والواجب والحقّ. نموذجٍ مُجتمعي يُعاد فيه رسمُ الحدود بين الدّولة والمجتمع بما يضمن احترام القانون ومرجعيّة المؤسّسات، من ناحية، وحماية المواطن من سطوة الدّولة، من ناحية أخرى.
إن تونس تتوفرّ على كثير من عوامل النجاح في بناء الديمقراطيّة. كانت ثورتنا سلمية ورغم ذلك فقد كلّفتنا 338 شهيدا وقرابة الألفي جريح وهو رقم على فظاعته لا يقارن بالثمن الذي لا زال الشعب السوري البطل يدفعه وقد جاوز إلى حدّ الآن مائة ألف ضحية.
إن تونس تتميّز أيضا بطبقة سياسية واعية مسؤولة لم يتوقف الحوار يوما داخلها وقد أظهرت هذه الطبقة، على صعوبة المرحلة، درجة من النضج ستمكننا في نهاية المطاف من قيادة المسار وإنجاحه.
كما أننا نفخر بجيش منضبط ومهني وحامٍ للشرعية مثلما نفخر بمجتمع مدني عريق ومحنّك. لكن شرط نجاحنا الأساسي يبقى دون شك شعبنا العاقل الذي رفض كلّ الدعوات غير المسؤولة إلى الفوضى. والذي أظهر ـ ولا يزال ـ الكثير من الصبر والاعتدال.
كل هذا يجعلني متفائلا وقادرا على طمأنتكم بأننا سنُنهي قريبا صياغة الدستور وسنعيّن تاريخَ الانتخابات وسنتفق على حكومة تضمن نزاهتَها. وسندعو للإشراف عليها الأممَ المتحدة والاتحادَ الافريقي والجامعةَ العربية وكلَّ منظمات المجتمع المدني والدولي والمحلّي وستجري هذه الانتخابات ـ إن شاء الله ـ في الربيع المقبل، حتى وإن كنّا ندرك أن قوى الارهاب والفوضى ستسعى جاهدة إلى تأخيرها بكل الوسائل.
لقد قلتُ أريد أن أطمئنكم لأنني على أشدّ الوعي أنّ تونس لا تَبني لنفسها هذه الدولة الديمقراطية المنشودة وهذا المجتمع التعددي المتسامح وإنما هي تبنيهما لكل المجتمع الدولي.
نحن في تونس لا نجرّب لأنفسنا فقط وإنّما لكلّ العالم.
نجرّب كيف يمكن للثورة أن تكون سلمية والحال أنها كانت عبر التاريخ رديفا لأقصى العنف، وكيف يكون السبيل إلى تخليق السياسة رغم ارتباطها بالمصالح.
تونس بصدد مواصلة وتعميق تجارب شعوب أخرى في كيف يمكن أن تلعب العدالة الانتقالية دورا في تخفيض تكلفة المراحل الانتقالية الصعبة التي تسيطر عليها روح الحقد والانتقام.
تونس تدفع إلى توسيع مفهوم الديمقراطية لكي لا يتوقف على حق الذين فازوا ب51 في المائة من الأصوات في الحكم ويَتجاهل الذين حصلوا على 49 في المائة وإثراء الشرعية الانتخابية وتتويجها بالشرعية التوافقية.
نحن نجرّب حكومات ائتلافية تأخذ بعين الاعتبار تعددية المجتمع، نحن على وعي تامّ بأننا نتعلم من بعضنا البعض ونجرب لبعضنا البعض ونجاحنا كفشلنا أمران لهما تبعات تتجاوز حدودنا، ومن ثَمّ أهمية التضامن بين الشعوب من أجل انجاح هذه التجربة الفريدة
أيها السيدات والسادة،
إن الربيع العربي يعرف اليوم ذروة مأساته في سوريا أين ووجهت المظاهرات السلمية كالتي انطلقت في تونس بعنف أذهلنا جميعا لشدته منذ البداية ورأيناه يتصاعد يوما بعد يوم ليصل إلى درجة من الوحشية لم يعرفها تاريخ البشر على فظاعة وهول ما شهده من مآس.
لقد أخذنا في تونس موقفا حازما من الدكتاتورية في سوريا بدعم كفاح الشعب السوري وطرد سفير النظام الحاكم في دمشق. وكنّا حذرنا، منذ البداية، من عسكرة الثورة واتباعها نهجا طائفيا، ومن مخاطر التدخّل الخارجي سواء كان من قبل دول أو مجموعات تسمّي نفسها بالجهادية، ومنها جماعات تونسية نعرف أنها ستشكل خطرا على بلادنا عند رجوعها من هذا البلد المنكوب.
لقد نادينا دوما بحلّ سلمي وذهبنا إلى حدّ القول: إنّ الحياة أهم من العدل. وإنه إذا تطلّب الأمر ضمان عدم ملاحقة أباطرة النظام السوري إذا ما رحلوا فإن علينا القبول بالأمر رغم مرارته، غير أنّنا شاهدنا أعمق مخاوفنا تصبح حقيقة. ونحن لا نزال نعايش هذا الكابوس الذي يربض على صدر الشعب السوري البطل وفوق ضمائرنا جميعا ونحن نرى هذه الطفرة من الوحشية والهمجية ولا نقدر شيئا على دفعها.
طبعا تونس مع كلّ حل سياسي يوقف هذا الكابوس، لكنّها تريد منكم دعم مبادرتها لبعث مشروع المحكمة الدستورية الدولية. وإنّ مثل هذه المحكمة سيكون إضافة هامة إلى القانون الدولي تُسْهم في حماية الشعوب من شرّ الدكتاتورية التي قامت عليها الثورات، دكتاتوريّةٍ ستولّد حروبا داخلية وخارجية تُهدِر حياةَ الملايين وطاقاتٍ نحن بأمسّ الحاجة إليها في اعادة بناء ما خربه الاستبداد.
ما كان للنّظام السوري أن يحوّل بيُسر الرّئاسة إلى وراثةٍ وأن يحصر، دون عناء، الترشّح لرئاسة الجمهوريّة في الحزب الحاكم. وما كان ليجرؤ على أن يجعل في تشريعاته الحكم بالإعدام على من انتمى إلى أحزاب سياسيّة اعتبرت معادية للنّظام لو كانت هذه المحكمة موجودة.
تصوروا لو عرض عليها الدستور السوري من قبل هذه المهزلة لتعلن بطلانه وبطلان كل مواده المخالفة لروح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تصوروا أنه كان للمحكمة ما يكفي من السلطة المعنوية لتصبح قرارتها ملزمة أخلاقيا حتى وإن لم تكن ملزمة قانونيا ليعزل النظام المستبد.
ترى هل كنا نصل بعد ثلاث عشرة سنة إلى المأساة والكابوس الذي يعيشه اليوم الشعب السوري وهو يدفع مائة ألف قتيل وسبعة ملايين نازحا ثمنا لبقاء نظام لا يتورع عن قتل النساء والأطفال بما أتيح له من الأسلحة والغزات السامة؟ هل كنا نرى تواصل حكم شخص وصل الحكم بالقوة والتزييف وبقي فيه إلى اليوم بالحرب الأهلية الطاحنة التي فاقت في القسوة والإجرام كل ما شهدته المنطقة منذ قرون؟
نعم يجب ألا نواجه كبار المجرمين فقط بالمحكمة الجنائية الدولية ليدفعوا ثمن جرائمهم فالعقاب المتأخر لا يعوض حياة الملايين. يجب أن نضع في وجههم مؤسسات وقائية تكسر مشروعهم الاستبدادي منذ انطلاقه وتساهم في تقصير عمر وجودهم في الحكم فمثل هذه الأنظمة لا تستطيع أن تصمد طويلا أمام المعارضة الديمقراطية الداخلية وعدم الاعتراف الدولي.
لكل هذه الأسباب تطلب تونس من كل الدول الديمقراطية التي تدرك أهمية مواصلة بناء مؤسسات مشتركة ضد الأنظمة الدكتاتورية أن تساند هذا المشروع. وتونس على يقين من أنّ مشروع إحداث المحكمة الدستوريّة مقترحٌ يُعبّر عن روح جديدة يحتاجها المجتمع الدولي. وهي ترجو دعم مبادرتها لإحداث هذه المحكمة الدستورية الدولية التي يمكن أن تلعب دورا حيويا في الدفاع عن حقوق الأفراد وحقوق الشعوب والسلم بين الدول.
أيها السيدات والسادة،
نحن نتتابع على هَذا المكان المهيب الذي تجتمع فيه كل أمم الانسانية لنستعرض مشاكل أغلبها عبثية وآلام شعوب جلها كانت قابلة للتفادي لو كنا نطبق شعار "فكر عالميا واعمل محليا"، اسمحوا لي هنا أن أذكّر باعتباري طبيبا أن أغلب انتصاراتنا ضد الآفات التي عصفت بالإنسانية كانت بسبب تقنيات وحملات الوقاية وأن الأمر لا يختلف في مواجهة آفة الدكتاتورية وآفة التعيير المناخي وآفة تفاقم الفقر داخل الشعوب وبينها . فعوض أن نقضي العمر في الجري لعلاج الأمراض التي نتسبب فيها من الأجدى أن تكون لنا سياسيات تقي البشرية من الآلام العبثية.
إننا لنرجو من الله أن يكون امامنا ما يكفي من الوقت للإسراع بإنضاج مثل هذا التوجه قبل فوات الاوان.
والسلام عليكم.
Comments
38 de 38 commentaires pour l'article 71923