الباجي قايد السبسي و المناشدون الجدد

بقلم الأستاذ أبولبابة سالم
أطل علينا السيد الباجي قايد السبسي ببيان للرأي العام فيه تشخيص للوضع العام للبلاد و تقديم ما يراه من مقترحات عملية لتشكيل قوة سياسية تجمع شتات قوى المعارضة لتشكيل قوة موازية تنافس الترويكا الحاكمة في الإنتخابات القادمة. إلى حد هنا يبدو الأمر عاديا بل حتى القوى الموجودة في السلطة اليوم عليها ألا
تنزعج من تشكيل هذه القوة الموازية , فلا تكون السلطة قوية إلا بوجود معارضة قوية لها حكومة ظل و تنتظر الفرصة لتسلم السلطة عبر الصندوق الإنتخابي . إن وجود قوتين رئيسيتين بالبلاد ضروري لتكريس المناخ الديمقراطي و التداول على السلطة , فأي حزب يستمر لفترة طويلة في الحكم يهترئ فيصبح التداول ضروري حتى لأحزاب السلطة نفسها . نجد ذلك في الديمقراطيات العريقة ففي بريطانيا نجد حزب المحافظين و حزب العمال و في ألمانيا الحزب الإشتراكي و الحزب الديمقراطي المسيحي و في فرنسا الحزب الإشتراكي و الحزب الديقولي التجمع من أجل الجمهورية وفي الولايات المتحدة الحزب الجمهوري و الحزب الديمقراطي...
أطل علينا السيد الباجي قايد السبسي ببيان للرأي العام فيه تشخيص للوضع العام للبلاد و تقديم ما يراه من مقترحات عملية لتشكيل قوة سياسية تجمع شتات قوى المعارضة لتشكيل قوة موازية تنافس الترويكا الحاكمة في الإنتخابات القادمة. إلى حد هنا يبدو الأمر عاديا بل حتى القوى الموجودة في السلطة اليوم عليها ألا

يحسب للسيد الباجي قايد السبسي أنه أمن الإنتقال الديمقراطي في ظرف حساس داخليا و خارجيا { لا ننسى تعامله الذكي مع الثورة في ليبيا } و دافع في الخارج خصوصا في أوروبا عن تعايش الإسلام مع الديمقراطية و عن إعتدال الحركة الإسلامية في تونس .
قد تكون مبادرته ذاتية بحتة كسياسي أغرته السلطة و يبحث عن دور جديد كما قد تكون بعض الأطراف دفعته إلى ذلك لإحداث قطب سياسي يجمع القوى الدستورية و قوى المعارضة التي يرى هؤلاء أنها عاجزة عن منافسة حركة النهضة و حلفائها في أي موعد انتخابي بعد فشل جميع محاولات التخويف و شيطنة هذه الحركة إعلاميا بل إن محاولاتهم قد عادت عليهم بالوبال لأن الشعب التونسي أذكى مما يتصورون .
هذا البيان وجد ترحيبا من أغلب قوى المعارضة كما وجد عرابين لتبنيه و تسويقه فقد تجند محسن مرزوق و الأزهر العكرمي على أمواج إذاعة موزاييك لذلك ووصفوا الوضع الراهن بالمقلق { و كأن الوضع السابق كان مطمئنا } كما اعتبروا أن المجلس الوطني التأسيسي قد حاد عن مهامه الرئيسية و ليس من صلاحياته التشريع و تشكيل حكومة وهو غريب حقا فرئيس الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري السيد غازي الغرايري قد أقر بأن للمجلس التأسيسي حق السلطة و التشريع عملا بمبدأ: من يمكنه الأكثر يمكنه الأقل .
طبعا لم يكن السيدان مرزوق و العكرمي معهما بن تيشة وغيرهم يرغبون في فوز النهضة بإعتبارها خصمهم الإيديولوجي اللدود أو كل من يتقارب معها , ولذلك فعلوا و معهم الكثيرين من المعادين للإيديولوجيا الإسلامية أن يحدوا منها بدءا بالقانون الإنتخابي لتشتيت أصوات الناخبين وهو ما صرح به عياض بن عاشور نفسه بعد الإنتخابات و لكن الإجابة الشعبية كانت صاعقة , بعد ذلك أرادتها هذه الجماعة التي تتجول في مختلف المنابر الإعلامية حكومة تكنوقراط أو كفاءات لسحب البساط من الفائزين الجدد , وهذه المجموعة نفسها نادت سابقا بالعقد الجمهوري ثم الإستفتاء وقد جاءنا السيد محسن مرزوق بفكرة المجلس الموازي ليجمع فيه الفاشلين في الإنتخابات و يريد أن يفرض نفسه وصيا على الشعب ليسن لنا دستورا و شكر الله سعيه .
بالنسبة لأحزاب المعارضة التي رحبت وزكت البيان فأتساءل بكل براءة : هل حصلت استشارة مسبقة داخل هياكلها ليعطوا مواقفهم في نفس اليوم الذي صدر فيه البيان بعد أن اطلعوا عليه أم أن في المسألة تنسيق مسبق؟ أو اتخذت قيادات هذه الأحزاب مواقفها بصفة فردية و حينها اعتبروا أحزابهم ملك خاص يسوسونها برغبات شخصية ووقتئذ نتساءل : أين الممارسة الديمقراطية في أحزابنا التي طالما تتحدث عن الديمقراطية ؟ ولعل البعض قد وجد في البيان طوق النجاة فأمسكوا بتلابيبه إنقاذا لأنفسهم و بحثا عن دور ممكن في المحطة الإنتخابية القادمة التي بدأ التحضير لها مبكرا بل لعل البعض جعل هذا العام مسخرا لإرباك الحكومة و كسب النقاط لذلك الموعد و لو على حساب مصلحة الوطن التي يبدو أن البعض تناساها فالأحقاد و المصالح الشخصية قد تعمي البصائر , ولعلنا قد نجد إئتلافا يجمع اليسار و الدستوريين الذين استبشروا بهذا البيان بقيادة الباجي قايد السبسي.
في رأيي المتواضع فإن بيان الوزير الأول السابق و رغم بعض المآخذ فإن فكرة إنشاء قطب سياسي قوي يستوجب بعض الشروط لإنجاحه لمصلحة تونس التي تبقى هدف كل من ينبض قلبه بحب هذا الوطن الذي يتسع لجميع أبنائه برغم اختلافاتهم وهي :
-أن لا يكون قائما على أساس الإستقطاب الإيديولوجي و أن تكون الهوية العربية الإسلامية لتونس خطا أحمر قولا و فعلا فلا يمكن مثلا بدعوى الحرية أن نتعدى على مقدسات التونسيين و نبررها كما برز ذلك في فيلم " برسيبوليس" .
-أن يجمع المؤمنين بالديمقراطية و يستبعد التيار الإستئصالي الذي لا يعيش إلا على الفتن و الذي شكل الذراع الإعلامي للمخلوع و مازال موجودا في الإعلام إلى اليوم .
-ضرورة استبدال قيادات الأحزاب الخاسرة في الإنتخابات بقيادات جديدة فعلى هؤلاء أن يأخذوا العبرة من ساركوزي الذي قال أنه سيعتزل السياسة إذا خسر الإنتخابات .
رسالة أخيرة لبعض النخب السياسية : عليكم أن تأخذوا العبرة من الإنتخابات , فالخطاب الذي يجمع يدخل قلوب الناس أما لغة التخويف و إقصاء الآخر فقد سئمها الشعب لأنها تذكرهم بالعهد البائد الذي ثاروا عليه و لن يسمحوا بعودته من جديد . وقدرنا هو العيش المشترك .
Comments
135 de 135 commentaires pour l'article 44948