ابني معوق.. هذه ليست نهاية العالم

إحساس قمة في البشاعة أن تعلم الأم أن طفلها الذي أحبته قبل أن تراه وتخبط في أحشائها تسعة أشهر وكادت أن تموت عند وضعه واختارت له أحلى الأسماء وحلمت باليوم الذي ينطق فيه "ماما" وانتظرت بفارغ الصبر اليوم الذي تشتري له فيه ميدعة زرقاء ومحفظة وكتب وأقلام ويدخل المدرسة ثم الجامعة ويشتغل محام أو طبيب أو طيار وتزوجه.. أن تعلم هذه الأم أن هذا الطفل لن يحقق لها ولو حلما واحدا من أحلامها وانه خيب كل آمالها لأنه ببساطة يحمل إعاقة ذهنية..
كثر حذروها من الزواج من قريبها الذي تربطها به قصة حب منذ الطفولة ..صمّت آذانها عن حملات التوعية في وسائل الإعلام مدّعية أنها لن تهمل التحاليل والفحوصات والمتابعة الشهرية للحمل ولكن في خضم كثرة مشاغلها وارتباطاتها المهنية لم تجد الوقت لذلك.. لاحظت على طفلها تدريجيا تأخرا في المدارك الحسية ومن ثمة تأخرا في النطق لم يكن مثل أنداده من يفاجئون آبائهم بحركات ذكية أحيانا ويقومون بتقليدهم والتفاعل معهم بالشكل المطلوب.. عزت ذلك لوحدته فهو يظل بشكل يومي في رعاية المعينة المنزلية التي تقتصر علاقتها به على إطعامه وتبديل حفاظاته.. ومنعتها ارتباطاتها المهنية مرة أخرى من الكشف المبكر عن هذه الحالة.. عندما تتطور الأمر وأصبح مصدر إزعاج فالطفل لا يستوعب شيئا ولتزال مداركه العقلية كمدارك رضيع ولا يكف عن الصراخ زارت عيادة أطفال واكتشفت الأمر.. تأخر عقلي سيحرمه من الحياة الطبيعية.. أصعب يوم مرّ عليها وعلى زوجها.. لما أنا يا رب ..؟؟ إنسانة ناجحة في عملي لي مركز مرموق في المجتمع ابتلى بطفل معوق.. طفل سيكون مصدر شفقة وقيدا لنجاحي.. لم تقدر على استيعاب الأمر بين سخط وإحساس بالذنب.. لازمت الفراش.. أضربت عن الطعام ولكن على ماذا تحتج فهو في النهاية هبة من الرحمان ولا يجب الاعتراض على حكمه.. قررت مواجهة الأمر والخروج ثانية للعمل متجاهلة كلما اعتبرته نظرات شفقة.. تفاقمت الخلافات بينها وبين زوجها الذي لا يقلّ توترا عنها وإحساسا بالإحباط والفشل وهو يرى طفله الأوّل على هذا الحال.. وتحوّل من زوج مسالم يحبّ الحياة إلى آخر عنيف لا يرى سوى السواد وأصبح يقضي كل وقته خارج البيت الذي يعتبره مجرد محل للنوم وحتى هذه ليست بالخدمة الجيدة فالطفل لا يكفّ عن الصراخ ليلا ونهارا..ورفض إنجاب طفل آخر حتى ولو كان الحمل تحت إشراف أخصائيين أما هي فكانت تهرب من واقعها لعملها محاولة بذلك عدم إعطاء نفسها ولو لحظة قصيرة للتفكير وكانت تتجنب الزيارات
العائلية قدر الإمكان أو حمله معها للأماكن العمومية .. غادر الدفء البيت وسكنته وحشة رهيبة.. لو كان ترتيبه الثاني أو الثالث لكانت الصدمة أقل وقعا إذ أن السنوات الأولى للزواج بطبعها صعبة على الطرفين والتفاعل فيها مع المشاكل لا يتم بنفس نضج السنوات التالية للزواج.. رويدا رويدا انهارت أعصاب الأبوين ووصلت العلاقة إلى طريق مسدود وتم الطلاق بينهما.. لازمت الفراش ثانية فالأب تهرب من المسؤولية واكتفى بمنحة شهرية وهي كلما نظرت إليه شعرت بتأنيب الضمير فلو أنها لم تهمل الفحوصات لما حدث هذا ما ذنبه ليأتي للدنيا معوق؟؟ ماذنبه لتتهرب منه وتتركه للمعينة المنزلية.. كرهت نفسها والأنانية التي تسكنها وركضها خلف النجاح المهني على حساب هذا الملاك الصغير ودون سابق إنذار قررت التخلي عن عملها وطموحها كأفضل عقاب لها على إهماله وقسوتها تجاهه والتفرغ للعناية به .. اتصلت بمؤسسة تعنى بذوي الاحتياجات الخصوصية وسجلته بها ليكتسب مهارات عدة قد تفيده في المستقبل وتمكنه من التأقلم مع المحيط الخارجي.. وأصبحت بالتزامها وتشجيعها للأمهات على تسجيل أبنائهن ورفع معنوياتهن محل إعجاب وتقدير الجميع فهي أم تواظب على حضور الدروس وتعلم كل التقنيات التي تفيدها في التعامل مع ابنها وكان لهذا اثر ايجابي حيث تفوق على أقرانه وحتى في حفلات آخر السنة كان يقدم عرضا غنائيا ومسرحيا جميلا ومكنتنه المؤسسة من تعلم حرفة.. بعد سنوات عدة تمكن من تحدي إعاقته والنجاح في ميدانه ونال جوائز كثيرة وأدخل السرور على قلبها وجعلها تفخر انه ابنها.. أدركت حينها أن أهم ما في الوجود هو أن تكون أما ناجحة لو كان ابنا عاديا لما أحست بنجاح مهمتها بهذه الطريقة .. شيء وحيد ظل يؤرقها وينغص حياتها أنها لن ترى أحفادا.. فكرة سوداء تخيم عليها .. ماذا لو اختطفتها المنية.. ؟؟
كثر حذروها من الزواج من قريبها الذي تربطها به قصة حب منذ الطفولة ..صمّت آذانها عن حملات التوعية في وسائل الإعلام مدّعية أنها لن تهمل التحاليل والفحوصات والمتابعة الشهرية للحمل ولكن في خضم كثرة مشاغلها وارتباطاتها المهنية لم تجد الوقت لذلك.. لاحظت على طفلها تدريجيا تأخرا في المدارك الحسية ومن ثمة تأخرا في النطق لم يكن مثل أنداده من يفاجئون آبائهم بحركات ذكية أحيانا ويقومون بتقليدهم والتفاعل معهم بالشكل المطلوب.. عزت ذلك لوحدته فهو يظل بشكل يومي في رعاية المعينة المنزلية التي تقتصر علاقتها به على إطعامه وتبديل حفاظاته.. ومنعتها ارتباطاتها المهنية مرة أخرى من الكشف المبكر عن هذه الحالة.. عندما تتطور الأمر وأصبح مصدر إزعاج فالطفل لا يستوعب شيئا ولتزال مداركه العقلية كمدارك رضيع ولا يكف عن الصراخ زارت عيادة أطفال واكتشفت الأمر.. تأخر عقلي سيحرمه من الحياة الطبيعية.. أصعب يوم مرّ عليها وعلى زوجها.. لما أنا يا رب ..؟؟ إنسانة ناجحة في عملي لي مركز مرموق في المجتمع ابتلى بطفل معوق.. طفل سيكون مصدر شفقة وقيدا لنجاحي.. لم تقدر على استيعاب الأمر بين سخط وإحساس بالذنب.. لازمت الفراش.. أضربت عن الطعام ولكن على ماذا تحتج فهو في النهاية هبة من الرحمان ولا يجب الاعتراض على حكمه.. قررت مواجهة الأمر والخروج ثانية للعمل متجاهلة كلما اعتبرته نظرات شفقة.. تفاقمت الخلافات بينها وبين زوجها الذي لا يقلّ توترا عنها وإحساسا بالإحباط والفشل وهو يرى طفله الأوّل على هذا الحال.. وتحوّل من زوج مسالم يحبّ الحياة إلى آخر عنيف لا يرى سوى السواد وأصبح يقضي كل وقته خارج البيت الذي يعتبره مجرد محل للنوم وحتى هذه ليست بالخدمة الجيدة فالطفل لا يكفّ عن الصراخ ليلا ونهارا..ورفض إنجاب طفل آخر حتى ولو كان الحمل تحت إشراف أخصائيين أما هي فكانت تهرب من واقعها لعملها محاولة بذلك عدم إعطاء نفسها ولو لحظة قصيرة للتفكير وكانت تتجنب الزيارات

مديحة بن محمود
Comments
8 de 8 commentaires pour l'article 30819