تجليات علمانية معاصرة 3 : غراب في قاع المدينة

تنويه :
أيها العلماني التقدمي الحداثي المتحرر ، أيها اليساري الماركسي ، أيها المناضل في سبيل حقوق الشواذ و المثليين ، إن في عدم إقدامك على الانتحار، بإلقاء نفسك من أعلى قمة « جبل الشعانبي » ، بعد اطلاعك على هذا المقال ، سبع فوائد ، نورد منها إيجازا : ترضي الله و الرسول ، تمنح نفسك فرصة للتداوي والشفاء من مرض العلمانية و الماركسية ، تساهم في الحفاظ على سلالة العلمانيين التقدميين و اليساريين الماركسيين من خطر الانقراض من سائر البلاد التونسية. و تذكر، عزيزي ، أخيرا، إن أنت اشتد كربك و قررت مغادرة هذا العالم، غير مأسوف عليك ، تذكر أنه « لا يأس مع الحياة و لا حياة مع اليأس » .
أيها العلماني التقدمي الحداثي المتحرر ، أيها اليساري الماركسي ، أيها المناضل في سبيل حقوق الشواذ و المثليين ، إن في عدم إقدامك على الانتحار، بإلقاء نفسك من أعلى قمة « جبل الشعانبي » ، بعد اطلاعك على هذا المقال ، سبع فوائد ، نورد منها إيجازا : ترضي الله و الرسول ، تمنح نفسك فرصة للتداوي والشفاء من مرض العلمانية و الماركسية ، تساهم في الحفاظ على سلالة العلمانيين التقدميين و اليساريين الماركسيين من خطر الانقراض من سائر البلاد التونسية. و تذكر، عزيزي ، أخيرا، إن أنت اشتد كربك و قررت مغادرة هذا العالم، غير مأسوف عليك ، تذكر أنه « لا يأس مع الحياة و لا حياة مع اليأس » .
تقاطر أعضاء جمعية « الرفق بالعلمانيين التقدميين الحداثيين المتحررين » إلى بيت " الفقيد" منور ، منذ الصباح الباكر ، حرص أغلبهم على الحضور لتوديعه الوداع الأخير . ارتدت " الفاضلات " من العضوات ، و كما تقتضيه مراسم العزاء - حسب التقاليد الأوروبية العريقة - فساتين سوداء « محتشمة » و ما يتماشى معها من إكسسوارات عصرية ، ليتحول المأتم إلى عرض أزياء لم يقع الترتيب له مسبقا ، تتبارى كل واحدة منهن في استعراض أناقتها ، فالأولى قبعتها من دار الأزياء الباريسية المشهورة و الأخرى نعلها ذو الكعب العالي من الجلد الايطالي « الأصلي » و ثالثة تكاد تقسم إن نظارتها الشمسية « غير المقلدة » قد كلفتها راتب نصف عام كامل...، فيما اكتفى الرجال ببدلات رسمية و معاطف سوداء ثقيلة ، سواد قلوبهم و سرائرهم.

لم تشذ عن القاعدة ، سوى.... « بهيجة جَوْ » ، بأسمالها الرثة المهلهلة غير المجارية للموضة ، كان الجميع يرمقها باشمئزاز شديد ، لم يكن أي منهم يرغب في حضور ، تلك المتخلفة ، كما كانوا ينعتونها ، و لكنهم كانوا يخشون سلاطة لسانها و بطش يدها . كان هذا هو لقاءهم الثاني بها ، منذ اليوم الذي « اقتحمت » فيه مكتب دلدول الغراب رئيس الجمعية - لم تستطع المسكينة كرستين، سكرتيرته ، منعها ، بعد أن أشهرت في وجهها سلاحا أبيضا ( موس ڤرن غزال ) - لتطلب ضمّها إلى الجمعية. صارحته بأنها لا تدرك جيدا معنى " العلماوية " ( كما نطقتها ، متسائلة عن علاقة الاسم بصديقة طفولتها علوية التي " حرقت " إلى ايطاليا من سنوات و انقطعت أخبارها منذ ذلك الحين ) و بأنها ترغب في الانضمام إليهم لأن صيتهم قد ذاع في « الأوساط الليلية » و أن هدفها من الانضمام إلى الجمعية هو« فتح أسواق » جديدة لها و لزميلاتها « المكافحات » ، عارضة عليه تأمين خدمات « عالية الجودة » و بأسعار تفاضلية لأعضاء الجمعية و لضيوفهم من الأجانب...!!!
اضطر غراب إلى قبول عضويتها ، خاصة و أن الجمعية كانت في « مرحلة الانتشار» و أن عدد أعضائها كان قليلا .
كان بيت " الفقيد " منور العلماني التقدمي الحداثي المتحرر ، عبارة عن شقة صغيرة في إحدى ضواحي العاصمة ، يعيش فيها بمفرده ، بعيدا عن عائلته التي قاطعه كل أفرادها ، بعد أن تسبب في وفاة والدته كمدا و حسرة ، وهي تقف عاجزة أمام ظهور أعراض « مرض العلمانية التقدمية » عند بكرها الذي جهدت في تربيته و إخوته ، بعد وفاة والدهم و كانت تأمل في أن يكون سندا لها عند الكبر لتفاجئ به ينشأ عنيفا متمردا ، حاقدا على الآخرين ، ناقما على المجتمع و على القدر الذي أخد منه والده وهو بعد صغيرا، ليحرمه من أن يتمتع بحنانه و بهداياه و عطاياه . حاولت المسكينة جاهدة أن تقنعه بأن ذلك هو قضاء الله و حكمه الذي لا رادّ له ، و أنه ليس اليتيم الوحيد في هذا العالم ، و لكنه أبى أن يقتنع ، كان يكتفي بالنظر إلى السماء بسخرية قائلا : ألا يدّعون بأنك الإله الحكيم العدل القادر على كل شيء...؟؟
فلماذا حرمتني من والدي و من الغنى و من الجاه و العز ، و منحته للآخرين...؟؟
أعد إلي « كل حقوقي » و سوف أعبدك ليل نهار....!!
سُجّي منور، العلماني التقدمي الحداثي المتحرر، على فراشه و قد أُلبس بدلة « سموكنج » سوداء ، و أحيط بباقات الورود ، التي وردت من عديد السفارات و قد أرفقها مرسلوها بعبارات التعازي و المواساة و الاعتذار عن عدم الحضور لانشغالهم الشديد. كان صوت الموسيقى ينبعث في جنبات الشقة الصغيرة ، عُزفت « المشية الجنائزية » لـ"شوبان " و استمع الحاضرون إلى مقطوعات "موزارت " و" ليتسلاوسكي " الخاصة بمثل هذه المناسبات .
حرص الجماعة على فتح أخر زجاجة شمبانيا ، كان" الفقيد " يحتفظ بها للاحتفال بعيد مولده السادس والثلاثين ، تحلقوا جميعا حول الفراش و رفعوا كؤوسهم ، و شربوا نخب منور الأخير...!!
كان دلدول غراب رئيس الجمعية ، يفكر طوال الطريق إلى المقبرة ، في الخطوات العملية التي يجب اتخاذها لاستثمار وفاة منور لمزيد جلب التعاطف مع القضية و لما لا الضغط على السلطات لمنحهم أخيرا التأشيرة القانونية التي طال أمد انتظارها . كان يراقب توقف أصحاب السيارات ، خشوعا و تهيبا من حرمة الموت لدى مرور النعش ، في شوارع العاصمة ، و يستمع إلى بعض الأصوات تردد ( رحم الله الميت ) ، ( تغمده المولى بفائق رحمته ) ، ليمطّ شفتيه تأففا و يبتسم بسخرية مغمغما : الأغبياء ، المتخلفون ، أبوا إلا أن يفسدوا " وقار الجنازة " ، لو قدّر لمنور أن يستيقظ من رقدته ، لقفز من نعشه و أسمعهم ما يكرهون....!!
وصل الركب إلى المقبرة ، أصرّ الجماعة على أن يدفنوا " الفقيد " في ركن قصيّ منعزل ، حرصا منهم على أن لا يقلقوا راحته الأبدية ، بدفنه قرب أحد أولائك الذين قضى حياته القصيرة وهو يحاربهم ، كان ذلك أقل ما يمكن أن يقدّموه إليه بعد أن استقر الرأي على عدم العمل بوصيته - كان دائم المزاح بأنه يفضل أن تحرق جثته بعد موته و يذر رمادها في البحر - تحسبوا مما قد ينجر عن ذلك من تتبّعات قانونية في حال انكشف الأمر .
- وحدّوا الله يا جماعة ، اطلبوا المغفرة لفقيدكم....،
نطق حارس المقبرة بهذه الكلمات ، ليحدجه الجمع بنظرة قاسية مستنكرة ، كانت كافية لإسكاته ، و ليأمره دلدول الغراب بأن يتم عمله في صمت...
اكتفى الجماعة بإلقاء بعض الزهور على القبر بعد غلقه نهائيا...
دُفن منور، العلماني التقدمي الحداثي المتحرر، من دون أن يغسّل أو يكفّن أو يفكّر أحد في قراءة الفاتحة ترحّما عليه...!!!
(و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم )
غادر الجميع ، ما عدا الرفيقة زازا ، أمينة مال الجمعية ، التي بدت محطّمة تماما و غير مستوعبة لحقيقة أنها لن ترى حبيبها بعد اليوم . أعلمهم غراب بقراره الخروج في مظاهرة تنطلق من قلب العاصمة ، تخليدا لذكرى " الفقيد " و احياءا لمطلبهم بالحصول على التأشيرة القانونية .
شدّد على ضرورة انتظار مكالمة منه لإعلامهم بالموعد المحدد بعد قيامه ببعض « الاتصالات اللازمة ».
حلّ اليوم المشهود ، حضر ركب أعضاء الجمعية ، بالمقر ، أعد الجميع أنفسهم ليوم « حافل » ، و قد جاؤوا بلافتات عديدة كتبت عليها شعارات من قبيل :
- لا للجهل لا للإسلام لا للتقهقر لا للظلام...!!
- لا عربية لا إسلامية تونس فينيقية بربرية....!!
- لا للتخلف لا للظلامية : لا للهوية العربية...!!
- العلمانية و الماركسية هي المخلّص للإنسانية...!!
- فلتذهب المادة الأولى من الدستور إلى الجحيم....!!
- تحيا جمعية « الرفق بالعلمانيين التقدميين الحداثيين المتحررين »
- العلمانيون هم حماة الحداثة و الورثة الشرعيون لدولة الاستقلال .
تم توزيع الأدوار ، بحسب الخطة التي رسمها غراب رئيس الجمعية ، بحيث يقوم عدد من الأعضاء بالتظاهر و التحرش بالمواطنين و استفزازهم فيما يقوم فريق أخر بتصوير ما قد يتعرضون له من ردود أفعال ليتخذوا منها دليلا على ما يتعرضون له من « اضطهاد » .

مرت الساعات طويلة مملة، لم يحضر لا دلدول و لا الرفيقة زازا...
حاولوا الاتصال بها عديد المرات و لكن لا مجيب...
انفتحت أبواب السماء ونزل المطر مدرارا.....
لملم الجماعة لافتاتهم و قرروا العودة إلى بيوتهم ، خائبين ذليلين منكسرين ، لم يكن من الممكن أن تتم المظاهرة من دون رئيس الجمعية و من دون زازا...
تأفف بوكرش ، الأمين العام للجمعية ( لم يشرب يومها أي قطرة خمر- على غير العادة - استعدادا للمظاهرة ) قائلا :
تبّا ، حتى السماء لا تحب العلمانيين التقدميين المتحررين................................!!!!!!!!!!!!!
حضرت كرستين ، سكرتيرة الجمعية العجوز إلى المقر صباح اليوم التالي ، حرصت على إتلاف كل الوثائق المهمة وعلى جمع كل متعلقاتها الشخصية ، نظرت بأسف إلى لوحة رخامية كتب عليها اسم الجمعية و لم يقدّر لها أبدا أن ترفع فوق المقر ، حاولت زحزحتها قليلا لإبعادها عن المدخل ، لتقع و تتحطم إلى عشرات الشظايا...!!!
غمغمت ببعض الكلمات الفرنسية بعصبية قبل أن تغادر المكان نهائيا و قد أحكمت إغلاق جميع الأبواب بأقفال متينة.
حرصت على أن ترسل في نفس اليوم برقية مستعجلة ، ورد فيها الآتي :
انتهت الحفلة . دخل غراب إلى القفص . سأعود إلى الوطن خلال ساعات....
تم تلقي البرقية بأحد المباني المهيبة الكائنة بـ« بولفار مورتيي » بالعاصمة باريس . أشّر عليها بعبارة سرّي للغاية و تم تحويلها فورا إلى مكتب مدير وحدة دعم العلمانيين التقدميين الحداثيين المتحررين لشمال إفريقيا ، بجهاز الاستخبارات الفرنسية الخارجية...................!!!!!!!
« يستجّم » دلدول الغراب ، رئيس جمعية « الرفق بالعلمانيين التقدميين الحداثيين المتحررين » منذ أيام ، بأحد السجون المدنية بالعاصمة ، رهن الإيقاف التحفظي . تمكنت الأجهزة المختصة من رصد مكالمته مع المسؤول الأمني ، الصادرة من إحدى العواصم الشرق أوسطية « غير الشقيقة و غير الصديقة » .وقع إلقاء القبض عليه و يجري التحقيق معه ، تمهيدا لإحالته على القضاء على معنى الفصل 61 مكرر من المجلة الجنائية ، ومحاكمته بتهمة التخابر مع جهاز أمني لدولة أجنبية في زمن السلم ممّا من شأنه أن يمسّ من مصالح الوطن العليا و أن يهدد الوحدة الترابية للبلاد .
( اعتذرت إدارة السجن عن تمكينه من الكتب التي طلبها : كتاب (هكذا تكلم زرادشت ) لنيتشه ، كتاب ( الأمير) لميكيافلي و كتاب (محاضرات في الفلسفة الوضعية ) لأغوست كونت...، لعدم توفرها بمكتبة السجن .
رفع الأعوان المكلفون بحراسة السجناء تقارير إلى المدير تفيد بتودد السجين دلدول إلى شابين يافعين و مرافقته لها أغلب الوقت. يقضي الشابان عقوبة سالبة للحرية بتهم أخلاقية...، عرفت عنهما ميول جنسية غير سوية.............!!!!
شُوهدت الرفيقة زازا ، أمينة مال جمعية « الرفق بالعلمانيين التقدميين الحداثيين المتحررين » ، تتجول في « حدائق الرّازي الغناء » ، مضى على إقامتها بالمستشفى أسبوع على اثر نقل بعض المواطنين لها ، بعد أن وُجدت صباح أحد الأيام في حال سيئة ، فاقدة للوعي ، أمام إحدى الحانات...
يشتكي العاملون بقسم الأمراض النفسية و العصبية – جناح/ أ/ للمرضى الخطرين – من عدوانية زازا تجاه الفريق الطبي وتجاه المرضى الآخرين...
شخّص الأطباء حالتها على أنها بارانويا « جنون الاضطهاد »..........!!!!!!!
تصر زازا على جمع بقية المرضى عند النزهة الصباحية لتعتلي أحد الكراسي و تخطب فيهم قائلة :
أيها الرفاق ، أيها الرفاق ، ورد عن المفكر العظيم برتران رسّل أنه قال : إن الدين يولد من الخوف و يقتات من الجهل و من السّادية و إن كل دين هو ظلامي بطبعه وهو يتضارب بذلك مع الحضارة ومع سعادة الكائن البشري ومع العلم ....................................!!!!!!!!!!!!
يتم إخضاعها حاليا لبرنامج مكثف للعلاج من الإدمان ، بعد أن أثبتت التحاليل تناولها لعقاقير مخدرة لمدة طويلة....
تحتفظ الرفيقة زازا ، طوال الوقت ، بدمية قماشية....
شُوهدت في العديد من المرات وهي تخاطب الدمية باٍسم « منور جونيور» قائلة :
سيكبر ابني منور ليصبح بطلا عظيما و يحقق حلم أبيه و أمه و يطرد الغزاة العرب المسلمين من البلاد. ....!!!
أثبتت الكشف الطبي حمل زازا بجنين في الشهر الخامس ....
أطهرت الفحوص المتقدمة ، أن الجنين كان من جنس الذكور .............!!!!!!
ملاحظة أولى :
يرجو الكاتب من كل من القراء الأعزاء ، تلاوة الفاتحة ترحما على روح المرحوم منور ، العلماني التقدمي الحداثي المتحرر، و الدعاء له ( بنية صادقة ! ) بالعفو و المغفرة .
ملاحظة ثانية :
جميع حقوق تأليف العمل ، بأجزائه الثلاث ، هي هدية من الكاتب لكل مواطنيه الأعزاء - من غير المصابين بمرض العلمانية التقدمية الحداثية التحررية العضال، عافى الله الجميع – الذين يمكن لهم نقل العمل كاملا أو أجزاء منه على جميع الحوامل الورقية و الالكترونية و مواقع الفايسبوك و التويتر و المدونات الشخصية . يرجى فقط ، و من باب الأمانة الفكرية ، التنصيص على اسم الكاتب و الموقع الأصلي للنشر .
ما قبل الأخيرة :
جميع أحداث « الحكاية » هي من وحي خيال الكاتب و أي تشابه لمسمى « جمعية الرفق بالعلمانيين التقدميين الحداثيين المتحررين » و ما ارتبط به من أحداث و شخوص ، مع أحداث أو أشخاص أو اسم جمعية - تدّعي أنها جمعية « ثقافية غير ذات أهداف سياسية » فيما حفيت أقدام مؤسسيها على السفارات الغربية و اشتكوا لطوب الأرض رفض السلطات العمومية منحهم التأشيرة القانونية رغم مرور أربع سنوات على عملية الإيداع القانوني ، و ذلك توقيا من خطر المشروع الاستئصالي المتطرف الذي يحملون لواءه - هو من قبيل...............« الصدفة الفنية ».
الأخيرة :
لن يصدق ما جاء بالملاحظة السابقة (ما قبل الأخيرة) إلا الأطفال في سنّ ما قبل الدراسة / أصحاب معدلات الذكاء المنخفضة / و النزلاء مع الرفيقة زازا بمستشفى « الرّازي » للأمراض العقلية..................!!!!!!!
م.ي.ص ( أبو فهد )
Comments
25 de 25 commentaires pour l'article 28818