التونسيون والبكاء

للتونسيين علاقة حميمة جدا مع البكاء بأنواعه من الذرف العابر لبعض العبرات الى فسح المجال لهطول كم هائل من الدموع حتى تتعب العيون وتٳن القلوب وتختلف الاسباب التي تدفعنا للبكاء والذي قد يصل احيانا للعويل والصراخ او يكون بكاء صامتا تتحجر فيه العيون وتأبى الدموع النزول لأنها ما عادت قادرة على غسل الأوجاع ولا التنفيس عن الكروب
ولعل خريجي الجامعات بتعدادهم الذي يعد بمئات الالاف هم الاكثر التجاء للبكاء الصامت واحيانا المسموع وهم يرون مستقبلهم يتلاشى أمامهم وأحلامهم تتحول الى سراب بعد سنوات معاناة الدراسة والتي يدركون بعدها أنهم ليسوا من المبجلين في مجتمع لا يؤمن كثيرا بالذكاء أو الشهادات قدر ايمانه بأساليب أخرى تمارس في الكواليس.
ولعل خريجي الجامعات بتعدادهم الذي يعد بمئات الالاف هم الاكثر التجاء للبكاء الصامت واحيانا المسموع وهم يرون مستقبلهم يتلاشى أمامهم وأحلامهم تتحول الى سراب بعد سنوات معاناة الدراسة والتي يدركون بعدها أنهم ليسوا من المبجلين في مجتمع لا يؤمن كثيرا بالذكاء أو الشهادات قدر ايمانه بأساليب أخرى تمارس في الكواليس.

وتبكي الأم أروع مخلوقات الله أثناء صلاتها وهي التي تمنت أن يكبر ابنها وأن يعيلها في كبرها ويفتح أمامها أبواب الحج ولكنها تجده عاجزا عن اعالة نفسه فتعلو يديها بالدعاء ودموعها تغلبها لعل لله يسمع دعواتها وينير درب طريق نجلها الذي يعاني هو في صمت عندما يجد نفسه عاجزا عن تكريم أحن مخلوق عليه وايفاء ولو واحد على مائة من أفضالها اضافة الى أمهات كثيرات يذرفن الدمع الحار لعقوق من حملن وربين وكبرن ويقتلهن الهم والحزن في صمت...
ويبكي الموظف مرات خلال الشهر وهو يتسلم راتبه الضعيف والذي يكاد يسد رمق زوجته وأبناءه فيضطر لمد يده تحت الطاولة وحتى فوقها ويشتد بكاءه ولو صامتا عندما تتهاطل على رأسه فواتير الماء والكهرباء والهاتف وعندما تكثر مصاريف بيته ويجد نفسه عاجزا عن مجاراة نسق غلاء الأسعار التي تشتعل كلما زاده الجماعه بعض الدينارات في راتبه.
ويبكي المريض في مستشفياتنا العمومية منتظرا رحمة ملائكة الرحمة والأطباء الذين يعتبرونه رقما لا غير في سجلات المرضى وتنهمر دموعه على ضياع بقية صحته بين أروقتها وقد يقيه الله شر الدموع عندما يفقد حياته نهائيا نتيجة خطأ طبي لا يعاقب مرتكبه أو قد يبكي عندما يرى فاتورة علاجه في مصحة خاصة فيفقد لذة الشفاء ويعود مريضا أكثر مما كان...
ويبقى بكاء المظلوم أكثر الأنواع مرارة وأشدها تمزيقا للقلوب وهو الذي حرم لذة العدل والانصاف وظلمه الآخرون على ذنب لم يرتكبه وظل يصارع الحياة وجلاديه دون فائدة الى أن كتب له أن يظل مظلوما قابعا في ركنه البائس الذي فرض عليه فرضا ينتظر رحمة الله بين قلوب لا تعرف الرحمة اليها سبيلا ليموت قهرا وكمدا...
وتستدرج تلفزاتنا عبراتنا وتغري دموعنا بالسيلان مدرارا وهي تتفنن في عرض البرامج التي تلعب على عواطفنا من "عندي ما نقلك" الى "الحق معاك" وصولا الى صاحب الرقم القياسي الوطني في التسبب في البكاء والنحيب برنامج "المسامح كريم" وحتى البرامج التي يسمونها ترفيهية فهي تبعث فيك الرغبة العارمة في البكاء على حال اعلامنا وما وصل اليه...
وقد يتسبب هذا المقال في نزول دموع بعض من قراءه لأنه وضع اصبعا على الجرح الغائر واستفز أوجاعا منسية، إضافة إلى دموعنا التي تتساقط نتيجة الصور القاتمة الحزينة التي تصلنا من فلسطين التي تتجاوز الجميع في نسبة الدموع والأحزان، وبينما نحن نبكي ونذرف الدموع الحارة يضحك الآخرون على ذقوننا ويزيدون في استبلاهنا والعبث بنا وتضحكهم دموعنا حتى أضحى البكاء قدرنا نمارسه صمتا وأحيانا جهرا...
حمدي مسيهلي
Comments
13 de 13 commentaires pour l'article 27129