عيد ميلادهم و مولدنا

أبو مـــــــــــــازن
تقاربت أعياد الميلاد هذه السنة فتنوعت الاحتفالات وازدانت الواجهات البلورية للمغازات و الحوانيت بالزينة، كل كما يريد و يهوى، حداثة أم أصالة. الجميع قد اشتاقوا للفرحة والبهجة بعد أن أصابتهم سنوات عجاف من التجريح الايديولوجي قسّم مجتمعنا لنمطين كما يحلو القول لبعضهم، ودافع كل على وجهة نظره: أشجار صنوبر صغيرة مزركشة بمختلف الألوان وشموع و هدايا، زد على ذلك مأكولات الدجاج والطيور ومرطبات رأس السنة. وفي الجهة المقابلة حبات الزقوقو والعصائد و الاكليل و المرطبات والصلاة على رسول الله كلما باع بائع نزرا من معروضاته. تلك هي تونس التي لم يفهمها عدد من أهل السياسة، يحتفلون بهذا وذاك ثم ينكرون التشبه بالمسيحيين ويعتبرون المولد النبوي الشريف بدعة حسنة تؤلف بين القلوب وتحي ذكرى عزيزة في قلوبنا.

التونسي عموما يحتفل ويزهو ويطرب ولكنه يتشبث بأصالته فلا يزدري دينه ورسالة نبيه الكريم بل يفتخر بما جاءت به هذه الرسالة العالمية وينشرها بحسن خلقه و بالكلمة الطيبة و الموعظة الحسنة. التونسي عموما لا يغالي في الاحتفالات فلا يساير الفرنسيس وغيرهم من الأقوام في الأفعال والأقوال والأدعية بل يلخص احتفاله برأس السنة الميلادية بفرحة عائلية حين يسمي ذلك الاحتفاء بمجرد مقدم سنة ادارية جديدة كما كان يحلو تسميتها أيام العهد البائد. ولكن بيننا فرق لا تكاد تحيد قيد أنملة عن اتباع الكاثوليك في طقوس أعيادهم حين يصرون على الديك الرومي و كبد الاوز المسمن والمشروبات الكحولية والمرطبات على شاكلة غصن شجرة وغيرها من ا لروافد التي انتشرت بثقافة التغريب وتحت عنوان الحداثة.
على نفس عنوان الحداثة و التقدم، تبرمج الحفلات الراقصة في النزل و في غيرها من مواقع اللهو، و يؤمها كبراء القوم وسادة المال والأعمال ليودعوا سنة قديمة ويحتفلون بأخرى، هنالك تدفع الأموال بغدق وتبدد دون حساب ودون وعي، فلا ينظر لوطن نخر اقتصاده الاهمال فانكمش ولا لفقير يقضي ليلة مظلمة في برد قارس في كوخ خرب. تلك هي ثقافة الحداثة و المجتمع المدني التي يبشرون بها وقد تاجروا بها لسنين خلت وهاهم يعاودون الكرّة فمن يتعظ. ويقابل هذا الطرف قوم آخرون من بني لهجتنا وديننا وأصلنا وفصلنا ينكرون الاحتفالات بالميلاد والمولد ويعتبرونها بدعة والبدعة ضلالة والضلالة في النار. كذلك يأخذك هؤلاء في الكلام فلا يترك لك المجال لتدافع عن عادة جمعت بين الغث والسمين ولكنها مستحسنة عند غالبية أهل البلد. لقد خلت أيامنا الخوالي من الاحتفال بأي مناسبة عدا عيدي الاضحى والفطر فمثّل المولد النبوي الشريف آخر قلاع الصلاة والسلام العلني والذكر الجماعي على مرآى ومسمع الجميع حين تنقله الاذاعة والتلفزة. ان السكوت الاعلامي عن مشروعية الاحتفال بالمولد و عرض ما قاله ابن الجوزي والعسقلاني والعز بن عبد السلام وغيرهم من علماء الأمة في هذا الأمر ليعدّ مؤامرة اعلامية يمارسها أهل الحداثة والثقافة والاعلام ضد مظهر ديني آخر فيمنحون الفرصة لعلماء القنوات التلفزية لتحريم ذكرى المولد النبوي فيزداد المتطرفون تطرفا.
لولا هرع نفر من علماء الزيتونة على قناتنا الوطنية المفتقدة فبينوا مشروعية الاحتفال بالمولد و منهياته. نحن أولى بموسى عليه السلام كما قال الرسول صلى الله وسلم و نحن أولى بعيسى عليه السلام ما لم يخلط الاحتفال بالمنكرات ولم نتبع فيه شبرا بشبر أقواما لدين آخر. ويبقى سرد سيرة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم خير ما يستمع اليه المسلم فلا يمل ولا يكل من تعداد مناقب أفضل الخلق و سماحته و خلقه وانتصاراته و هديه فنعتز به وبرسالته ونصلح واقعا مترديا متبعين في ذلك طريقته المثلى.
Comments
4 de 4 commentaires pour l'article 97436