موسم الحجّ إلى... مونبليزير

تكتيكات نهضوية بالتزامن مع الكأس العالمية
بقلم الأستاذ بولبابة سالم
تصرّ حركة النهضة على المناورة و خلط الأوراق لتكون قطب الرحى في مجمل الشأن السياسي الوطني , يساعدها في ذلك أحزاب تمارس المراهقة السياسية و ليس لها خبرة في إدارة الصراع السياسي .
من يتحكّم في قواعد اللعبة السياسية هو الذي يطلق المبادرة تلو الأخرى ليكون محور حديث الجميع , في عالم السياسة هناك فرق بين الفعل و ردّ الفعل , بين من يسعى لاحتكار الدعاية الذكية بمكر و دهاء و بين من يكون برنامجه التصدّي لبرنامج خصم سياسي . الكل تحدث عن مبادرة النهضة الجديدة حول ضرورة اختيار رئيس توافقي في الإنتخابات القادمة , حتى وسائل الإعلام الخارجية تفاعلت مع هذه المبادرة , و للنهضة مكتب دراسات قوي و محترف يدرس مختلف ردود الفعل و يبني عليها المواقف المستقبلية . نجحت النهضة كذلك في فرض نظرتها حول أسبقية الإنتخابات التشريعية على الرئاسية في الحوار الوطني و استطاعت أن تستميل بعض الأحزاب التي تعاديها إيديولوجيا مثل المسار الديمقراطي الإجتماعي و حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد . لا أحد يحدّثني عن المصلحة الوطنية لأنّه لو كان هدف النهضة قصر قرطاج لفرضت أسبقية الإنتخابات الرئاسية و لأوجدوا الأعذار لذلك .
لقد كان هدف النهضة من البداية هو قصر الحكومة بالقصبة الذي لن تدخله دون أغلبية مريحة في البرلمان , و للأمانة فقد كانت النهضة منسجمة مع أطروحاتها الأولى في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عندما دعت إلى نظام برلماني وهو ما لا نجده مثلا عند حزب العمال الذي كان يدافع في برنامج الإنتخابي السابق على النظام البرلماني لنجده اليوم ينقلب 180 درجة و ينحاز للإنتخابات الرئاسية و يتمكر لبرنامجه . مبادرة النهضة خلطت الأوراق و أسالت لعاب الحالمين بكرسي قرطاج فالجميع يعلم أنّ النهضة ستدعم مرشحا من خارجها في الإنتخابات الرئاسية و يقول العارفون أن الطريق إلى القصر الرئاسي يمرّ عبر مونبليزير فالقدرات التنظيمية لحركة النهضة كبيرة جدا كما ذكر ذلك أشدّ خصومها الأستاذ الباجي قايد السبسي و لا غرابة في ذلك فلها تجربة عقود من العمل السياسي المنظم .

زيارات متتالية و مواكب مختلفة تمرّ يوميا عبر ضاحية مونبليزير بالعاصمة حيث المقر الرئيسي لحركة النهضة , الجميع يخطب ودّها و يتمنى دعمها . صرّح السيد عامر العريض أنّ النهضة ليس لها فيتو لترشيح السيد حمة الهمامي زعيم الجبهة الشعبية باعتباره أحد رموز النضال ضد الإستبداد و أحد وجود تحالف 18 أكتوبر 2005 , يا سلام على عالم السياسة المليء بالتناقضات و الخالي من الفيتوات و مسكين من يصدق كل ما يقوله السياسيون . تعلم النهضة أنّ الجميع قد اشرأبّت أعناقهم إلى ضاحية قرطاج و بعضهم يتمنى دخوله لربع ساعة و أحدهم مستعد لكل شيء من أجل تلك الغاية بل بعض الأحزاب قد تشكّلت لإيصال زعيمها إلى هناك . لقد تركت الجميع يتصارعون و يتودّدون و بقيت النهضة تستعد للإنتخابات التشريعية و تحدّد قائماتها الإنتخابية في كل الولايات . هنيئا للنهضة بكل هذا الغباء السياسي المنتشر بين الأحزاب , فهذه الأحزاب نفسها هي التي أخرجتها من الحكم و أنقذتها من براثن السلطة فعادت إلى احتلال الشارع من جديد لتنظم الإجتماعات الشعبية في الساحات العامة كما قال محمد عبو .
كثيرون يتحدّثون عن جدوى الإنتخابات إذا وجد الرئيس التوافقي بل تحدّث أحدهم عن محاولة النهضة إفراغ الإنتخابات من محتواها و مصادرة الإختيار الشعبي . كلام جميل لكن في هذا الجانب بالذات يمكننا أن نتّهم النهضة بكل شيء إلا بالغباء , فقد مارست السلطة و تدرك بعد مراجعات عميقة أن بعض النخبة السياسية يكن لها عداء وجوديا و لن يقبل بنتائج الإنتخابات إذا فازت بها حركة النهضة لذلك فالنهضة تعوّل على الزمن و تجذير الممارسة الديمقراطية و تخوض معركة الوجود في وجه بعض نخب الإستئصال التي كانت متحالفة مع النظام البوليسي السابق . مازال شيخ النهضة يقدر موقف شيخ النداء الذي رفض منطق ديقاج الصيف الماضي ضدّ حكومة الترويكا و مؤسسات الدولة الذي أيّدته قوى المعارضة بدعوى احترام رمزية الدولة مع استعداد الباجي قايد السبسي للعمل مع النهضة بعد الإنتخابات القادمة و دعوته كل من يرفض ذلك من حزبه إلى البحث عن حزب آخر , يعلم الغنوشي أن بعض الشخصيات السياسية ليس لها وزن شعبي و للباجي قايد السبسي تأثير قوي في الداخل و الخارج . قد يكون الأمر بداية تفريك رمّانة اجتماع باريس , لكن للسياسة مفاجآتها و للنهضة تكتيكاتها و للشعب الكلمة الأخيرة و بإمكانه أن يقلب الطاولة على الجميع .
Comments
17 de 17 commentaires pour l'article 87509