وجبة التّطبيع المسمومة

<img src=http://www.babnet.net/images/9/roomservice1040x.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم أبو محمد سفيان

بعد أن ركِبت حكومة التكنوقراط حمار السلطة واستوت في جلستها، بدأت حملة الهرسلة النّفسية للتونسيين على مستويين اثنين: أولهما أمني بأن يظل التهديد الإرهابي خبزنا اليومي، وثانيهما غذائي بترهيب الشّغيلة بعدم القدرة على دفع الأجور. وبعد أن يختمر الرّعب في صدر المواطن، تتوالى عمليّات الدسّ فوق الصحون الإعلامية. وهاهم اليوم يضعون له أكلة مسمومة ببهارات اقتصادية ألا وهي التّطبيع.





ارتباطا منه بجذوره العقائدية والحضارية، رسخ في الضّمير التونسي رفضٌ شبه فطري لفكرة التطبيع مع الصهاينة، ولكن العارفين بخفايا الدولة وأروقتها الضيّقة يُقِرّون بوجود حضور قديم للكيان الصهيوني في وطننا. بدأ باختراقٍ أمني في زمن بورقيبة، وتطوّر لدرجة التواطؤ في عهد بن علي، ليرتقي مع هذه الحكومة التي رأت النور في عيادات التوليد الأجنبية لدرجة المجاهرة بالعلاقات والاعتراف الضّمني بدولة الاحتلال، وتحدّي الشعور الشعبي بلا خجل.
تبدأ القصة بقبول الرئيس بورقيبة في إطار اتفاق دولي استقبال منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وعلى رأسها القائد ياسر عرفات. عند هذا المنعطف بدأت حملات استباحة الأراضي التونسية من طرف المخابرات الإسرائيلية الموساد، لتكوين شبكات تجسّس على القادة الفلسطينيين وتحرّكاتهم التي تطوّرت في ما بعد إلى درجة الاستهداف العسكري في خريف 1985 حيث قصف الطيران الإسرائيلي مقر المنظمة في حمّام الشط ، ممّا أسفر عن سقوط 68 شهيدا. دقة هذه العمليّة كشفت حجم الاختراق لأجهزةِ دولةٍ كان رأسُها في غيبوبة سياسيّة.

قبل ذلك، جاءت صفعة كامب ديفيد التي سددها الرئيس المصري أنور السادات على وجه كل عربي، وبعد شكليّات المقاطعة والرفض الرسمي جاءت القمة العـربية بـفاس سنة 1982 لتكون بمثابة بيان استقالة الدول العربية من دورها الحاضن للقضية الفلسطينية حين أقرّوا مبدأ مشروع السلام العربي الإسرائيلي والذي لم يكن سوى وثيقة اعتراف بهذا الكيان الغاصب. هكذا تُرِكَ الفلسطينيون بين سندان المجتمع الدولي المتواطئ مع مطرقة الآلة العسكرية والتفاوضية للإسرائيليين، لتبدأ فكرة التعايش مع الدولة المحتلة تتسرّب إلى مسام الجلد العربي.

السّاسة العرب - وهم صنفان لا ثالث لهما، إمّا وارث أو مُنقلبٌ جاء فوق دبابة - أخذوا على عاتقهم حفر أنفاق التواصل والتعاون في غفلة من الشعوب التي لا زالت القدس محفورة في سويداء قلوبهم. و في تزامن مريب لهذه المتغيّرات الإقليمية ينقلب كبرانٌ من العسكر ترعرع في الحاضنة الأمريكية على الحبيب بورقيبة، لتنفتح كل بوّابات إفريقيّة أمام شتى أنواع التعاون الاستراتيجي بين الصهاينة و ممثليهم من المُتصهـيِنِين في تونس.

وصول بن علي للحكم كان بمثابة نقلة نوعيّة، فقد تطورت العلاقة من اختراق يكشف عجز الدولة آن ذاك إلى تّنسيق استراتيجي وبداية محاولات اجتثاث الجينات المعادية للصهيونية من عقل المواطن التونسي واستبدالها بأخرى ترى في جرم التطبيع انفتاحا على حضارات أخرى وسماحة أوصى بها إسلامنا المعتدل.
التنسيق كان أيضا مخابراتيّا، وكلنا يتذكّر عملية اغتيال أبو جهاد سنة 1988 والذي أثبتت الوثائق والشهادات بعد الثورة ضلوع النظام الحاكم آنذاك في العملية وبمتابعة شخصيّة من بن علي. هذا الأخير كان أحد العناكب العربية التي نسجت فخّ معاهدة أوسلو للشعب الفلسطيني سنة 1992، و من خلالها بدأت رؤوس المطبّعين تخترق ثوب السِّتْرِ الذي كان يحجبهم عن الشّعوب.
وفي تونس مرة أخرى أينعت اتفاقيات أوسلو بفتح مكتب للعلاقات مع الإسرائيليين سنة 1996 والذي كان ظاهره تجاريا و دبلوماسيا وباطنه مخابراتيا بامتياز، فمدير المكتب المزعوم كان شالوم كوهين وهو يهودي تونسي عمل في شعبة شمال إفريقيا بالموساد وتخفّى وراء هذا المنصب ليركّز شبكة قاعدتها بتونس و فروعها تمتد في مدينتيْ سوسة وجربة. شبكة تسلّلت إلى عقول الأكاديميين وعمداء الجامعات لتزرع بذور التطبيع فيهم وتحصد ثماره في الأجيال القادمة. كل ما سبق وأكثر صدر مؤخّرا في تقرير نشره مركز يافا للدراسات والأبحاث و هو يثبت مدى تواطؤ النظام السّابق مع الكيان الصهيوني، و محاولات دسّ سمّ التطبيع في الوجبات اليومية للمواطن، تارة بكرسي بن علي لحوار الحضارات وتارة باحتضان قمّة المعلومات التي حضرها سيلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي من أصول تونسية. بَقِيَ أن نقول أن النظام السّابق ورغم هذا التواطؤ لم يتجرأ على جعل العلاقات علنية باعتبار الموقف الشعبي الحازم، حتّى أنه قد تم إغلاق المكتب سنة 2000 خشية أن يتطور السخط الشعبي على المجازر التي اقترفتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني إلى ممارسات لا يمكن كبح جماحها.

الجديد في عصر التكنوقراط الذي أفرزه الحوار الدولي -وليس الوطني كما يسوّق لنا- هو هذه العلنية والتجاهر في المعاملات مع الإسرائيليين، وأزعُمُ أنّها علنيّة مقصودة يراد منها ثلاث غايات:
- أولها، جس نبض الشارع و ابتزازه تحت يافطة المجاعة والوضع الاقتصادي الدقيق وجعل التطبيع طوق نجاة وترياقا للحياة.
- ثانيها، هو اللعب على ورقة التّطاحن السياسي الذي تدنّى فتدلّى إلى صغائر الأمور، ومن هذا المنطلق يُلقى حجرُ التطبيع بين الأمواج المتلاطمة ليجد من يحمله و يدافع عنه ليس اقتناعا و لكن نكاية في موجة عالية أخرى. وجب هنا التفصيل أنّ البذور التي زرعت في الثمانينات والتسعينات أينعت ثمارها فظهر الكثير ممن يُسوِّقون للتعايش السلمي، يثير عواطفك حين يحدثك عن القطط التي تُغتال تحت السيارات في الطرقات، وعندما تحدّثه عن دماء الفلسطينيين التي تُرَاقْ يقاطعك ويردّ ببرود رهيب آش مدخّلنا، يلزمنا نتلهاو ببلادنا .
- ثالثها، هو التخفّي وراء برقع التكنوقراط وعدم التحزب مما يتيح لهم التجرؤ على الثوابت دون أن يدفعوا ثمنا سياسيّا أو يعاقبهم الشعب في انتخابات قادمة، وهم يريدون أن يجعلوا من قبوله اليوم حجة لقبوله بالتطبيع في مناسبات أخرى.


هي وجباتٌ مسمومة
تُعِدُّها أطراف خارجية
يقدمها للشعب وكلاء في الدّاخل
تسبقها مُفتّحات النّوايا الحسنة
غير أننا شعبٌ نعلم أنّ الطريق إلى الجحيم هو أيضا محفوف بالنوايا الحسنة..





Comments


16 de 16 commentaires pour l'article 85006

FALLAGUAS  (Tunisia)  |Dimanche 11 Mai 2014 à 08:32           
شكرا للكاتب على المقال المتميّز بعد طول غياب
قرأت بعض التعليقات و استنتجت ما يلي
معظمهم آلمهم المقال و هي فئة تحدّث عنها الكاتب و قال أنهم ثمار التطبيع قد اينعت في مقالك
- الفلسطيني مجبر على ذلك كي لا يترك ارضه المغتصبة هل عندما تعاملنا مع المستعمر رضينا ببقاءه؟ لا سامحني كثّرتلها من الب Karimyousef

- إلى إدارة درّة أو لجنة التنسيق بإيطاليا لأنك من المستحيل أن تكوني شخصا فحضورك و تعليقك كامل اليوم يثبت أنكم مجموعة حبيت نقوللكم الأكيد أنكم ستتجرعون كثيرا من السّم في السنوات القادمة هههه

Drmokh  (Tunisia)  |Samedi 10 Mai 2014 à 20:56           
مع الاسف الشديد اصبح موضوع النطبيع محل نقاش و قابلا للاخذ والرد و قد كنا نعتقد ان مجرد ذكر اسم هذا الكيان الغاصب يدعونا الى التعوذ من الشيطان الرجيم و ان ضم رائحة التطبيع على احد مدعاة الى نبذه و هجره لقد تعلمنا ان وجود النجمة الصهيونية فوق زر من ازرار قميص مستورد في رزمة "روبافيكا" كفيل بنزع هذا القميص بل تمزيقه و حرقه و لكننا اليوم و في اعلى هرم السلطة حكومة ومجلس تاسيسي نناقش و نختلف هل ان دخول المستطنين الصهاينة الى بلادنا يجوز بجواز سفر
هم الاصلي ام لا و نتدارس مدى تاثير ذلك على سياحتنا و بالتالي على اقتصادنا سلبا و ايجابا و نوازن بين الاضرار لنختار اخفها
تبا لهذا الزمان وتب هؤلاء العربان و صبرا ال فلسطين

Wildelbled  ()  |Samedi 10 Mai 2014 à 20:34           
أمعاؤنا تعودت على السموم أكثر من خمسين سنه وصباحا مساء و ما هذه إلا لمجة بسيطه وستمر أعني سنهضمها ونأكل بعدها ولائم أخرى إن بقيت لنا حياة

MOUSALIM  (Tunisia)  |Samedi 10 Mai 2014 à 18:32           
وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ

فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ

قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ

قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ

قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ

Consensus  (France)  |Samedi 10 Mai 2014 à 17:42           
Mais c'est bien connu depuis la nuit des temps les frères arabes ne connaissent pas la solidarité ni la fraternité réellement, ni l'entraide entre eux ,ni la confiance entre eux ils ont un zéro pointé jusqu'a la fin du monde par contre les juifs sionistes ils ont la palme et arrivent a ridiculiser les arabes devant le monde entier , ces memes arabes qui s'entretuent et adorent le plaisir et le désir existentiels et ephémères et
oublient ce qu'allah nous a dicté par le sacro saint coran

Lecorbeau  (Tunisia)  |Samedi 10 Mai 2014 à 17:30           
Du n'importe quoi mélangé à du quelconque ...Ça pue la haine,l'antisémitisme ,le racisme ,la transpiration et le...CPR

Wasatiya  (Tunisia)  |Samedi 10 Mai 2014 à 16:55 | Par           
اقول للكاتب "صحّ النّوم" لانّ ما سردته ليس بالجديد بل هو بالقديم الذي يريد البعض الصاقه بالوزيرة على اساس انّه جديد لغاية في نفس يعقوب وهذه الغاية هي ارباك المسار الانتقالي كلّما تحلحل وكانّما كتب على الشّعب ان يبقى رهينة " تخلويض" بعض سياسيّينا وبعض من يحسبون انفسهم نخبتنا.

Nouri  (Switzerland)  |Samedi 10 Mai 2014 à 15:22           
هذه صورة لمعملة الصهائنة لرجال ونساء من بني جلدتكم، وعلي ارضهم المفتكة، ويريدون ان التونسي يرحب بهم


Nouri  (Switzerland)  |Samedi 10 Mai 2014 à 14:40           
غريب من يقارن وضع الفلسطينيين المحتليين والمحاصرين في سجون من كل الانواع مع وضع التونسيين، الفلسطينيون مجبورين ليشغلوا عند الصهائنة فوق ارضهم المحتلة او مغادرة ارضهم للعيش في بلد آخر وهذا ما يريده الصهائنة للإستيلاء على ما تبقى من الأراضي.
فهي ليست بمعيشة مرغوب فيها بل مجبور.
فلا محاولة للمقارنة لان لا احد يجبر التونسي ليشغل مع الصهيوني

MSHben1  (Tunisia)  |Samedi 10 Mai 2014 à 14:17           

مساكين هم العرب و المسلمين فأما مناضلين علمانيين و يساريين حل الصرة تلقى الخيط بلا علم و لا عمل و لا دين و لا قيم فحتما سيحكمون بمال الغرب و علم الغرب و شغل الغرب و عتاد و آليات الغرب فيكونون ضروريا و حتميا عملاء الغرب و خدمانهم الطيعين و اما اسلاميين دراويش و متخلفين ايضا حل الصرة تلقى الخيط بلا علم و لا عمل و لا دين حقاني و لا قيم حقانية و هم ايضا سيحكمون بمال ليس من عندهم بل هو مال الخليج الوهابي و اموال المخابراتات التي تستغلهم لتقتيل بعضهم
بعضا و لفتنة بعضهم بعضا تحت مسميات ذكية كمقاومة الدكتاتورية او غيرها من الافكار الجهنمية و سيحكمون بشغل الخليج الوهابي اي بمشاريعهم الاستثمارية و بعتاد الشرق المستورد من الغرب فيكونون ضروريا العوبة في ايادي آل سعود و قطر و تركيا الذين هم العوبة في يد الغرب الاستعماري و ستوجههم مخابراتاتها كيف ما شاءت باموالهم و بنوكهم و شركاتهم فيرفعون عملائهم اللبقين و يسقطون الآخرين . يا ناس فيقوا لا ينفعكم الغرب و لا ينفعكم الشرق . كونوا بنوككم و اموالكم و
اشغالكم و علومكم و فلاحتكم و صناعتكم و تجارتكم فانه الطريق الوحيد لصلاح احوالكم .

انا mshben1.

KaiserSoze  (France)  |Samedi 10 Mai 2014 à 13:41           
Les palestiniens sont à fond dans la misère à cause de ce genre de politique très loin de tout bon sens et tout pragmatisme.

Dorra  (Italy)  |Samedi 10 Mai 2014 à 13:37           
اكبر سم ارتشفه التونسي هو عامين من حكم النهضة و انتم تعلمون النتيجة

Karimyousef  (France)  |Samedi 10 Mai 2014 à 13:33           
Des dizaines de milliers de palestiniens traversent tous les jours les frontieres pour aller travailler en israel.
On ne peut etre plus royaliste que le roi.

Dachamba99  (Tunisia)  |Samedi 10 Mai 2014 à 13:27           
وجبة ممانعة مزعومة ...

Meinfreiheit  (Oman)  |Samedi 10 Mai 2014 à 13:23           
خبز مغموس بدم الفلسطينين و امن على جثث الاسلاميين ...أهذا ما تريدون .....؟

Logique75  (France)  |Samedi 10 Mai 2014 à 12:41           
تي شبكم كبشتو.....سيب صالح


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female