صناعة الأخبار والتلاعب بالعقول

قامت عدة مواقع إلكترونية وجرائد ورقية تونسية بنشر صورة ضوئية لمقال منسوب لجريدة الواشنطن بوست بتاريخ 9 أكتوبر 2013 ويحتوي هذا المقال على اعترافات أبو أنس الليبي الذي قامت القوات الخاصة الامريكية بخطفه من ليبيا بعملية مخابراتية استعراضية أسالت كثيرا من الحبر احتجاجا على انتهاك حرمة التراب الليبي والتعدي على السيادة الليبية .

وتتحدث هذه الاعترافات المزعومة عن تورط زعيم حزب الوطن عبد الحكيم بلحاج في قيادة خلية الاغتيالات التي قامت بقتل شكري بلعيد ومحمد البراهمي ويمثل هذا المقال المزعوم إحدى الوثائق التي إستشهدت بها لجنة كشف الحقيقة عن إغتيال بلعيد في أحد الندوات الصحفية وسط زخم إعلامي مكثف وغير مسبوق .

وحسب اعترافات أبو أنس الليبي حسب صحيفة الوشطن بوست التي قيل أنها نشرت تسريبات عن اعترافات نزيه عبدالحميد الرقيعي أبو أنس الليبي جاء فيها حرفياً : تمت عمليات إغتيال في تونس من قبل مجموعة عبدالحكيم بلحاج، قام بها المسمى هيثم التاجوري الليبي و عبد الحكيم بالحاج هو وراء إغتيال شكري بالعيد والبراهمي بالتنسيق مع كوادرحزب سياسي تونسي في السلطة و ذكر ذلك في اعترافات أدلى بها لفريق التحقيق من مكتب التحيقيقات الفدراليه FBI إذ انه اشترك فعلاً في تفجيرات سفارة أمريكا بنيروبي رفقة أبوطلال وآخرين.
وقد تداولت الصحف الالكترونية والورقية على إيراد هذا المقال ووضعه في الصفحات الاولى وإعطاؤه مساحات معتبرة من الدرس والتحليل خاصة وأن المقال المزعوم للواشنطن بوست يتحدث عن اعترافات خطيرة بتورط عبد الحكيم بلحاج في اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي وكان من ضمن من أورد الخبر وأشبعه تحليلا موقع الاخبارية وموقع جريدة الجمهورية وموقع أرابيسك وجريدة الشروق الورقية والالكترونية .
في بداية الامر لا بد من الاشارة أن اللوقو أو الرمز المميز للواشنطن بوست الموجود في المقال المزعوم ليس هو نفسه التي تنشر به الصحيفة مقالاتها ( أنظر الصورة أسفله ) ومن جهة أخرى نلاحظ أن المقال المزعوم كتب بلغة إنجليزية ركيكة بعيدة كل البعد عن المستوى اللغوي للواشنطن بوست ولا يخضع لمعاييرها اللغوية .

بالإضافة لذلك وعند مزيد التثبت في الامر لاحظنا أن الواشنطن بوست لا تحتوي في أركانها المعهودة على صفحة مخصصة باسم ( أخبار محلية وعالمية ) وقد زاد شكنا يقينا حين تمت مراسلة الصحفي ماكس فيشر من صحيفة الواشنطن بوست الذي أكد أن صحيفته لم تنشر أبدا هذا المقال وقد بادر على الفور بنشر تعليق في صفحته على الفيسبوك ينكر فيه جملة وتفصيلا نسبة هذا المقال لجريدته الواشنطن بوست .
كما أكد الصحفي ميشال بيرنباون من نفس الصحيفة أنهم لم ينشروا أي اعترافات لأي ليبي في المدة الاخيرة وشدد على زيف المقال والاعترافات المزعومة .

وفي الاخير أتوجه للصحافة التونسية التي سقطت في تضليل الرأي العام وأقول لها إذا كان أبو أنس الليبي تم القبض عليه يوم 5 أكتوبر 2013 فبأي منطق قضائي أو أمني يمكن للواشنطن بوست أن تنشر له اعترافات بتاريخ 9 أكتوبر 2013وكلنا يعلم السرية التامة التي تكتنف هذه التحقيقات .
وبالرغم على تعودنا على مثل هذه الاشاعات والأكاذيب من الاعلام التونسي بعد الثورة نتيجة لعدم الحرفية في بعض الاحيان ونتيجة لسؤ النية في أحيان أخرى إلا أن ذلك لا يبرر لمواقع إعلامية محترفة أن تنقل أخبار زائفة دون التدقيق والتثبت .

إن صناعة الاخبار والتلاعب بالعقول بلغت مدى قصوي بعد هروب الهارب وبقاء معظم تركته الثقيلة التي تحولت لمنظومة متماسكة وفعالة هذه المنظومة التي تجعل من الفاسدين شرفاء ومن الشرفاء فاسدين وتجعل من الكذبة صادقين ومن الصادقين كذبة وتحول العاهرة إلى شريفة والشريفة إلى عاهرة وتجعل من الفشل نجاحا ومن النجاح فشل وذلك بإستعمال وتوظيف أدوات السحر والشعوذة العصرية والحديثة عن طريق وسائل الاعلام الخبيثة وما أكثرها التي تتحكم في العقول البسيطة والافهام المحدودة وفي الختام لا يسعني إلا أن أعبر عن تعاطفي و إشفاقي عمن لا يمتلك حس نقدي ولا تتوفر فيه أدوات الفهم المنهجي ليقف على حقيقة زيف الافلام والمسرحيات المتقنة والمحبوكة التي صنعت في مخابر الخبثاء و الأفاقين للضحك على بسطاء الناس .
Comments
7 de 7 commentaires pour l'article 75282