مشروع الأوقاف في تونس بين المصلحة والتجاذبات الإيديولوجية

بقلم : سيف الدين بوعلاق
وضعت جمعية الأوقاف في حالة تصفية،ولهذا الغرض تؤلف لجنة بقرار من رئيس مجلس الوزراء يتضمن بيان تركيبها وتعيين أعضائها بناء على ما يعرضه الوزراء الذين يهمهم الأمر،ولهاته اللجنة مهمة تعيين أساليب تصفية الجمعية،ويجب عليها أن تنهي أعمالها قبل 30سبتمبر1956،وفي هذا التاريخ المذكور تستمرّ عمليات التصرّف جارية وفق سنن التشريع الجاري به العمل .
وضعت جمعية الأوقاف في حالة تصفية،ولهذا الغرض تؤلف لجنة بقرار من رئيس مجلس الوزراء يتضمن بيان تركيبها وتعيين أعضائها بناء على ما يعرضه الوزراء الذين يهمهم الأمر،ولهاته اللجنة مهمة تعيين أساليب تصفية الجمعية،ويجب عليها أن تنهي أعمالها قبل 30سبتمبر1956،وفي هذا التاريخ المذكور تستمرّ عمليات التصرّف جارية وفق سنن التشريع الجاري به العمل .
الفصل الرابع من أمر علي مؤرخ في 20شوال1375هـ الموافق ل 31/31/5/1956 م
الوزير الأكبر رئيس الحكومة ،الحبيب بورقيبة
شهرين فقط بعد إعلان الإستقلال أقر الوزير الأكبر الحبيب بورقيبة قانونا تم على إثره إلغاء الأوقاف العامة وحل جمعية الأوقاف ودمج العاملين في قطاع الأوقاف في مؤسسات الدولة وأشفع هذا القرار بقانون ثان سنة 1957 يلغى بموجبة الأوقاف الخاصة والمشتركة.
وقد برر البعض مسألة إلغاء الأوقاف إلى محاولة دولة الإستقلال تحديث مدونتها القانونية وبسط هيمنتها وسيادتها على المؤسسات القائمة حينها ووقف العجز المالي لجمعية الوقف وتحرير الإقتصاد وإيجاد موارد جديدة للدولة.
الوقف ببساطة هو أن يهب شخص أو مجموعة أشخاص ملكية ما لفائدة الصالح العام,ويكون ذلك بصفة مؤقتة أو مؤبدة,على أن يستفاد مما تأتي به هذه الملكية من أموال أو منافع أخرى دون التفريط في الملكية نفسها.
مثال بسيط: شخص ما يهب أرضا فلاحية للوقف على أن يستفاد من خيراتها لفائدة الفقراء والمحتاجين,على أن لا تباع أو تورث أو توهب هذه الأرض لأحد ,كما تكون سائر المصاريف الأخرى كأجر العاملين في الأرض أو المشرفين عليها أو المعدات المستعملة وصيانتها من أرباح ومداخيل هذه الأرض.
كما يمكن أن يكون الوقف مؤسسة أو عقار أو أموالا أو منقولات.
من خلال المثال المبسط يمكن ملاحظة أن الوقف له ثلاث أبواب يفتحها بطريقة مباشرة: الإستثمار ,التشغيل ,الخدمة الاجتماعية وليس هنا باب التفصيل في ذلك.

يثار هذه الأيام موضوع الوقف من جديد في تونس ,ذلك أن مكتب الضبط بالمجلس التأسيسي تلقى بتاريخ 17 أكتوبر مشروع قانون متعلق بالوقف بمسمى قانون الأوقاف العامة .
وينص القانون في فصله الثالث على إحداث الأمانة العامة للأوقاف وهي مؤسسة عمومية لاتكتسي صبغة إدارية .كما تقوم الأمانة العامة للأوقاف بتعيين ناظر (مشرف) على الوقف يقوم بالعناية بالوقف وإستثماره وحفظه وآداء ديونه وله مهام أخرى ضبطها الفصل 16 من مشروع القانون.
كما يبين الباب الرابع من مشروع القانون طرق إستغلال الأموال الموقوفة وإستثمارها ويذكر الباب الخامس الطرق القانونية لإنقضاء الوقف.
ككل الأبواب التي تطرق في بلادنا هذه الأيام ,أثار موضوع الأوقاف جدلا عند الكثيرين وتناولته جملة من وسائل الإعلام بالشرح والتحليل وغلب التوجس والريبة عند بعض النخب التونسية كما غلب على الموضوع البعد الإيديولوجي دونما قراءة إقتصادية وإجتماعية معمقة خاصة وأن عددا من الدول الأوروبية والغربية تعتمد الوقف كأسلوب إقتصادي خادم للمجتمع دونما تخوف من الأسلمة أو تقويض الأسس الليبرالية لإقتصادياتها .
في مقال لها بعنوان الأوقاف بين بورقيبة والنهضة في جريدة الشرق الأوسط ترى الأكاديمية التونسية آمال موسى أن التصديق على مشروع قانون إعادة الأوقاف سيدعم بقوة التغلغل الاجتماعي لحركة النهضة ويمكنها من تقويض غالبية مكونات الفضاء الجمعياتي التي تقف بالمرصاد ضد كل ما يمس مكاسب تونس الحداثية في المجالات كافة. ذلك أن الغالب على النسيج الجمعياتي التونسي على امتداد العقود الخمسة الأخيرة، إنخراطها في جوهر مشروع الدولة الوطنية الحديثة، مما جعلها في قطيعة مع تاريخ الجمعيات الإسلامية التي كانت منتشرة بكثرة في مرحلة الاستعمار الفرنسي لتونس .
وترى الباحثة أن الوقف ليس إلا ورقة يلعبها الحزب الحاكم في الصراع الأبدي بين الإسلاميين والعلمانيين فتتساءل بالقول أنه إلى أي حد بالنسبة إلى مجتمع قطع مع نظام «الصدقة الجارية» وأسس علاقة مع الدولة تقوم على الحق والواجب يمكن أن يعيد بناء هياكله التقليدية الدينية، وهل نظام الأوقاف في ظل ما أصبح عليه المجتمع التونسي من عقلية وثقافة وسلوك إضافة إلى التجاذبات التي يعيشها اليوم، سيكون فقط رافدا للنظام الاجتماعي الديني أم أنه آلية من آليات إحداث دولة داخل الدولة ومجتمع مدني إسلامي أمام مجتمع مدني حداثي علماني؟ .
في سياق متصل إعتبر حسين الديماسي وزير المالية السابق أن قانون الأوقاف خطير جدا وأنه يؤسس لدولة داخل الدولة وأن الرئيس السابق الحبيب بورقيبة أوقف العمل به اثر خروج الاستعمار الفرنسي من تونس مباشرة نظرا لأثاره السلبية .
وقال الديماسي أن هذا القانون يخول للخواص والأشخاص تقديم عقارات للدولة يمكن أن تكون على شكل مستشفيات، مدارس أو مساجد تكون مداخيلها للدولة لكن مصاريفها من الأحباس وخارج سيطرتها وهذا ما يثير عدة مخاوف من ظهور مؤسسات عمومية ليست تحت سيطرة الدولة بل تتبع أحزاب أو جماعات غير معلومة .
أيضا صرح عز الدين سعيدان لموقع افريكان مانجر والذي تقدمه وسائل الإعلام التونسية على أنه خبير إقتصادي أن إعادة طرح قانون الأحباس هو محاولة من حركة النهضة لتوظيفه لخدمة مواقفها السياسية والسير نحو أسلمة الدولة إلى جانب السيطرة على الاقتصاد التونسي وأنه ليس من أولويات المرحلة لما سيخلفه من انعكاسات سلبية على التنمية .
في نفس السياق إستمعت لجنتي التشريع العام والمالية صلب المجلس التأسيسي يوم الإثنين 11 نوفمبر 2013 لجملة من المختصين في المالية الإسلامية والقانون وأكدوا على أهمية إعادة العمل بنظام الأوقاف الإسلامية في تونس حيث أكد الدكتور حسن المناعي على ضرورة المصادقة على قانون الأوقاف أو الأحباس وأهمية إعادة العمل به في تونس، ودوره في الإسهام في البحث العلمي وبناء الطرقات ومعالجة الأمراض الخطيرة، إضافة إلى أنّه نظام الأحباس يمنح المجتمع المدني حقه في الإسهام في بناء هذه الدولة .
وذكر المناعي أن الولايات المتحدة تعتمد في دعم جملة من المؤسسات التعليمية على الوقف وذلك منذ القرن الثامن عشر إلى الآن.
فيما قال القاضي أحمد الحافي وهو قاض ومكون في اختصاص القانون العقاري أن هذا المشروع يندرج في إطار المنظومة القانونية في تونس، أي أنّ هذا المشروع ليس بنشاز عن باقي المجالات القانونية وفيه ميزة تكمن في كونه يضمن إشراف الدولة على الأوقاف خاصة وأنّها مؤسسة عمومية مثلها مثل بقية مؤسسات الدولة .
بين مدافع عن القانون ورافض له تبقى للأسف الصراعات الإيديولوجية والتجاذبات السياسية لاعبا أساسيا ومحددا محوريا لمستقبل هذا القانون ومستقبل البلاد عموما ويغيب البحث والنقد والتحليل والإستشراف.
Comments
30 de 30 commentaires pour l'article 74665