كيف ستخرج النهضة من الحكم؟

بقلم: عبد الرزاق قيراط،
في تونس أزمة سياسيّة بسيطة يمكن حلّها في خمس دقائق لو توفّرت الإرادة للجلوس حول طاولة الحوار الحقيقيّ الصريح الذي لا يخضع للحسابات الحزبيّة الضيّقة.

في تونس أزمة سياسيّة تغذيها دماء الأبرياء من عناصر الجيش والحرس الوطنيّ الذين سقطوا في عمليّات إرهابيّة عجيبة. وموطن العجب فيها دقّتها من حيث توقيتها والأمكنة التي وقعت فيها. فأعيادنا ومناسباتنا الوطنيّة أصبحت مقترنة بأحداث دمويّة أليمة ذهب ضحيّتها النائب محمّد الابراهمي يوم عيد الجمهوريّة، وهو أصيل مدينة سيدي بوزيد موطن الشرارة الأولى للثورة، وفي نفس ذلك الموطن قتل سبعة من أعوان الحرس الوطني في سياق احتفاليّ بذكرى أوّل انتخابات حرّة نزيهة. والتركيز على سيدي بوزيد، يحوّل تلك العمليّات إلى ألاعيب خطيرة لارتباطها بالأجندات السياسيّة. فاللافت أنّ تلك العمليات الإجرامية تستغلّ في كلّ مرّة لصالح القوى المعارضة التي تجدّد كيل التهم لحكومة الترويكا بالفشل والتواطؤ في سفك الدماء... وبناء على ذلك يطلب منها الرحيل. وهنا مربط الفرس كما تقول العرب، ولعلّه مربط الحمار بمنطق الأطراف الراعية للحوار الوطني المتعثّر. ففي زلّة لسان أضحكت العابسين من رجال السياسة، أشاد عبد الستار بن موسى رئيس الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان بالحمار بدل الحوار فمنح أنصار الحكومة ذريعة للسخرية من رعاة ذلك الحمار الوطنيّ الغبيّ ، باعتباره قد يحمل راكبيه إلى مرحلة الحماروقراطيّة كما سمّيت في مواقع التواصل الاجتماعيّ، وقوام تلك النظريّة الجديدة أن يتعهّد الفائز في انتخابات ديمقراطيّة شفافة بتسليم الحكم إلى الخاسرين فيها مقابل السماح له بأخذ صور تذكاريّة أثناء حفل التسليم!!!
وبقدر ما في الفكرة من فكاهة، تتجلّى جديّتها في اختزال الاحتقان السياسيّ الذي نشأ قبل انتخابات أكتوبر وترعرع بعدها ليهدّد - في صورة استمرار حالة الانسداد- بتقويض مسار التأسيس لمؤسسات ديمقراطية تنظّم عمليّة التداول على الحكم.
وعلى أساس ذلك المبدأ أي التداول على الحكم بطريقة سلميّة منظّمة، قبلت حركة النهضة المشاركة في الحوار الوطنيّ مشترطة تلازم المسارات والأهداف، فلا استقالة للحكومة قبل استكمال كتابة الدستور وتكوين الهيئة التي ستشرف على الانتخابات وضبط قوانينها ومواعيدها. وسيرا على ذلك النهج، عبّر رئيس الحكومة في كلمته الأخيرة عن استعداده للتخلّي أو الاستقالة، حين تستكمل تلك المهام تحت قبّة المجلس التأسيسيّ الذي ينتظر عودة النواب المنسحبين لإنجاز تعهداتهم التي انتخبوا من أجلها.
لكنّ المعارضة ممثلة في جبهة الانقاذ، تربط مشاركتها في الحوار بعزم صريح من الحكومة يضمن استقالتها بعد ثلاثة أسابيع من بداية جلساته، معبّرة عن انزعاجها من الشروط التي وضعتها حركة النهضة وتمسّكت بها الحكومة حتّى لا تسير البلاد نحو الفراغ أو المجهول.
والمتأمّل النزيه في شروط النهضة، لا يرى فيها تعجيزا أو مماطلة، وإنّما هي أسس بناء من شأنها أن تطمئن جميع الأطراف السياسيّة الراغبة في التداول على الحكم بآليات ديمقراطيّة. أما الأطراف التي تخشى المواعيد الانتخابيّة ولا تملك في رصيد حراكها السياسيّ إلاّ الاضرابات وشلّ النشاط الاقتصاديّ وتعطيل المسار الانتقاليّ، والرغبة في الوصول إلى الحكم بوسائل انقلابية، فقد توجّهت مرارا إلى الشارع فلم تجد من الجماهير التي تخاطبها آذانا صاغية تساعدها على افتكاك السلطة من حركة لها مرجعيّة إسلاميّة، وعلى أساسها ترى أنّ تسليم أمانة الحكم لا يجوز إلاّ بطريقة منظّمة يتوافق عليها الجميع. ويد الله مع الجماعة وهو القائل في محكم كتابه: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .
في تونس إذن أزمة سياسيّة بين قطبين أحدهما يدعو إلى الفراغ والآخر يدعو إلى البناء. والتوافق السليم لا يستقيم إلاّ على أسس تدعمه وتضمن استمراره. وفي صورة الإجماع على تلك المبادئ، نعتقد يقينا أنّ حركة النهضة وحكومتها ستقبل حينئذ بتسليم القيادة إلى حكومة الكفاءات، لأنّ خروجها من السلطة بعد استكمال مرحلة البناء للمؤسسات الديمقراطيّة سيكون خروجا مشرّفا. والمشككون في ذلك الخروج، يحتاجون بالضرورة إلى مراجعة التنازلات الكثيرة التي أقدمت عليها الحركة في مناسبات سابقة آخرها تسليم وزارات السيادة لكفاءات غير متحزبة بعد استقالة حكومة الجبالي...
إنّها، أزمة سياسيّة بسيطة، سببها التعنّت، وحلّها الإنصات إلى الرأي الآخر برغبة صادقة في فهمه، وبذلك ينجح الحوار..ويصل الحمار بالجميع إلى برّ الأمان.
Comments
21 de 21 commentaires pour l'article 73433