الثالث و العشرون، ماذا بقي في الذاكرة؟

<img src=http://www.babnet.net/images/6/vote2.jpg width=100 align=left border=0>


عبد الجليل الجوادي

من أين ابتدأ الكلام؟





سنتان انقضت عن أول موعد مع التاريخ في يوم لن تنمحي قسماته من ذاكرة المواطن التونسي. ذلك المواطن البسيط الساكت دهرا على ألوان من الظلم و الطغيان و الجبروت. الملتحف بالصبر أمام قلة الحيلة و كثرة الحاجات. يوم، يحضر في ذاكرتنا و وجداننا الجماعي كيوم عيد أغر مشرق خفيف الظل. كان الطابور طويلا و أعداد المقبلين على الاقتراع غفيرة و لكن نحن قوم قد تعودنا الصبر على كل شيء . نحن من جلدنا بصوت القهر و تمرغنا بماء الذل و تعودنا أن نحبس الدمع عندما يعن البكاء و أن نخرس حين يعن الكلام. اليوم سنقول كلمتنا و سنزيح عن أنفسنا درن السنين.... و قد قلنا. فلكل رأيه و لكل اختياره و الاختلاف لا يفسد للود قضية.
خرجنا نحمل في أصابعنا بصمة الحرية بلون أزرق.و ما زلت أذكر كيف غمست أصابعي في الحبر لأرسم على جبين التاريخ أول بصمة. بصمة الحرية التي طال انتظارها حتى باتت حلما صعب المنال لولا أن الله سلم...

و بدأ الحلم يكبر فينا ليلامس كل ما نصبو إليه و كلما طاقت إليه أنفسنا عقودا طويلة من الزمن. مجلس تأسيسي منتخب، و رئيس حكومة يمثل إرادة شعب و رئيس جمهورية منا و علينا. نعرفه و يعرفنا و هو الذي اكتوى مثل ما اكتوينا بنار القمع. مؤسسات ديمقراطية قدمت للغرب بل للعالم نموذجا حيا للوطنية حين اجتمع الخلاف الإيديولوجي و انصهرت كل المذاهب حبا لتونس.
فرحة شعب بثورته حين كبر فيه الأمل بالإنعتاق من نير الظلم و الاستبداد ليسترد وطنا سلب منه بالقوة في حين غفلة منه. و طنا عاش فيه غريبا أجيرا قليل الحيلة و هو المالك الحقيقي و غيره الدخلاء. و طنا كان يراه يسلب كل يوم و يغتصب و يصلب و يعذب فيستغيث فلا يغاث. فالشعب أيضا كان معصوب العينين مسلوب الإرادة محكوما بقوة النار و الحديد. نحن صلبنا على أسوار هذا الوطن و جردنا من كل شيء بعد ما سرقت كرامتنا...
فرحة كأنها الحلم، أو هي ربما حلم هيئ إلينا أنه حقيقة و ما أكثر السحرة في هذا البلد و ما أكثر البطرة و المبطلين.
قالوا عنا جهلاء، لا ثقافة لنا و لا فهم و لا وعي و لا إدراك. وصفونا بالرعاع حين لفظتهم صناديق الاقتراع. قالوا أن الدين أفيون الشعوب و أن الغرب صار غربا حين أوغل في الحروب. حين لفظ الكنيسة و كفر بالله وعيسى. و نحن قوم فينا جهل و سفاهة إذ نفكر في الخلافة. هددونا بالانقلاب مرة تلو مرة. قالوا أننا لا نملك خبرة في تسيير البلاد و استباحوا اللجوء لجلاد الأمس كي يعطينا درسا في الديمقراطية على طريقته. و استعانوا بأعداء البلاد في الخارج و استوردوا لنا الإرهاب من جبل إلى جبل. فالإرهاب عندنا صناعة محلية بعقول و تدبير أجنبي و تمويل و رعاية من المجروحين من الثورة أصلا أو من صناديق الاقتراع.
بدأ الحلم شيئا فشيئا يتبدد و يضمر فينا الأمل في الإنعتاق حين عادت ألأفواه التي خلناها خرست إلى الأبد، تكشر عن أنياب تربت بمص الدماء و نهش اللحم نيا. و بدأت الأفاعي التي غمست رؤوسها في التراب حين من الدهر، تنفث سمها و تتسلل من جديد عبر الأزقة المظلمة لتعيد لنا الاستبداد في ثوب جديد كما الثعبان حين يخلع ثوبه.
ثم جاء السيناريو المصري ليزيد هؤلاء ثقة في النفس فيزدادوا ضراوة و يرتفع سقف المطالب من حل الحكومة و حل المجلس و استقالة رئيس الجمهورية...و ماذا بعد؟؟؟ لم يبق سوى أن يعتذر هذا الشعب لجلاديها و أن ينصب لنفسه المشانق في انتظار القصاص منه لما اقترفت يداه من خروج على ولي نعمته و نكران للجميل و الأيادي البيضاء.
ماذا لو تمكن هؤلاء من الانقلاب على إرادة الشعب و مؤسساته؟؟ ماذا ننتظر ممن تجرأ على هيبة الدولة في شخص رؤسائها الثلاث، أتراه يرحم مواطنا ضعيفا الحال قليل الحيلة؟؟؟ من ذبح جنودنا البواسل بدماء باردة و قتل رجال الأمن الشرفاء و أحرق الأضرحة و المقرات و اختلق سيناريوهات الانقلاب و خطط و مكر بالليل و النهار و لم تعيه الحيلة بما ترسب في ذاكرته من درن السنين العجاف...ماذا تراه صانعا بنا لو سنحت له الفرصة يوما للرجوع؟؟
يا أهل الكوع و البوع. يا من كفرتم بالدين و آمنتم بالشيوع. أيها الخبراء و الخطباء و الخلطاء في المصالح. يا أيها الحالمون بالرجوع هل للأموات بعد الدفن من طلوع؟؟ و هل تطلع الشمس من مغربها إلا حين يؤذن الكون بالنهاية أم أنكم لم تفقهوا سنن التاريخ و أن لله في خلقه شؤون. و ماذا لو فشل السيناريو المصري كما فشلتم و انقلب السحر على الساحر و سقط اللثام عن اللئام و نفذ صبرنا عليكم؟؟؟
سيبقى في ذاكرة التاريخ شعب عظيم. صنع ثورة عظيمة و كان في قمة التحضر حين تعامل مع جلاديه و قاتليه بالعفو بعد الصبر. و بالحلم مع القدرة. و لكن للصبر حدود و للحلم مداه و قد بلغ منا كل شيء أقصاه، و إن للثورة حراسها و رجالها. و لعل الأيام القادمة تكون حبلى بالمفاجئات بقدر صبرنا و تضحياتنا و إن العدل الإلهي من سنن الكون و لكل ظالم جزاء في الدنيا حتى لا ينخرم نظام الكون و تنقلب الموازين.



Comments


2 de 2 commentaires pour l'article 73351

MOUSALIM  (Tunisia)  |Vendredi 25 Octobre 2013 à 07:15           
بقي في الذاكرة من يوم الثالث والعشرون أنه اليوم التاريخي الذي فاز فيه آدم بالشرعية الإنتخابية لبناء هرم مدينة المعرفة على سطح الكوكب لكن إبليس تمرد على نتيجة الصندوق وهدد بافتكاك نتيجة الأصوات طوعا أو كرها بدعوى أنه خير منه ولا يجيد إلا الإهتمام بالأرض فهو من تراب ومكانه الطبيعي في الضيعات والمصانع لا يغادرها إلا للرجوع إلى البيت أما إبليس فهو من يجيد مسك مقاليد الحكم بخبرته الخطابية الإعلامية وشراسته القتالية ولكن سنة الخلق حتمت دخول عصر-إقرأ -
وأفول عصر الحكم عبر الفرقعات الصوتية وعقارب الساعة لن تعود إلى الخلف فالإنسان المعرفي المزود بالدماغ الأمامي هو آدم الذي أخذ المشعل عن الإنسان الناري الذي حكم بالدماغ الأوسط إثر نهاية عصر الانسان الملائكة الذي حكم بالدماغ الخلفي ....

Jaloulnet  (Tunisia)  |Jeudi 24 Octobre 2013 à 10:36           
اللهم أخرج الظالمين من دائرة الإمهال إلى دائرة العقاب و أدر الدائرة عليهم و أرنا فيهم يوما كيوم عاد و ثمود. اللهم إنهم استباحوا الحرمات و سفكوا الدماء و روعوا اللآمنين فخذهم أخذ عزيز مقتدر و شردهم في الأرض و اجعلهم عبرة و آية وز لا ترفع لهم راية.


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female