هل يمكن الاعلام التعامل بديمقراطية مع من لا يؤمن بالديمقراطية ؟

محمد حمدان
استاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار
تابع نظارة قناة التونسية في برنامج التاسعة مساء حوارا مع شاب سلفي توجه للملايين من التونسيين ليعلن انه وتنظيمه الدعوي يرفض طلب رخصة لتنظيم اجتماع ليقوم فيه بالدعوة الى سبيل الله اي انه يرفض علنا تطبيق القانون باسم الشرع الالهي. كما اشاد هذا الشاب باسامه بن لادن وبالرفاه الذي عرفته اليمن تحت سيطرة تنظيم القاعدة. واعتبر بالخصوص ان الديمقراطيه وهم ولعبة غربية للسيطرة على المسلمين. وكان هذا الشاب في حواره مسيطرا على الكلمة ومقاطعا لغيره من الحاضرين بشئ من العنف اللفظي وكان من الصعب على المنشط التحكم في ادارة الحوار. ويطرح هذا البرنامج عدة قضايا خطيرة منها السياسي والامني والحضاري والديني ولكنه تطرح على الاعلاميين بالخصوص اشكالية خطيرة تتعلق بكيفية التعامل بديمقراطية مع من يعلن صراحة انه لايؤمن بالديمقراطية.
وانطلاقا من التجارب الاجنبية في الدول الديمقراطية نلاحظ ان الاحزاب والحركات السياسية والفكرية المتشددة على غرار النازية الجديدة تجد لها موقعا في وسائل اعلام بلدانها وهي تحظى بحرية التعبير عن افكارها ما دامت القضية محصورة على المستوي الفكري ولا يمكن محاسبتها الا اذا خرقت فعليا قوانين الدولة . كما ان الاعلام لم يختلق هذا التيار ولم يوجه افكاره ومن حق المواطن ان يكون على معرفة بمختلف التيارات الموجودة على الساحة السياسية في البلاد وان يحكم لفائدتها او عليها انطلاقا من مبدا حق المواطن في الاعلام.

وفي مقابل هذا الطرح يمثل التعامل الاعلامي مع من لا يؤمن بالديمقراطية خطرا على الديمقراطية ذاتها لانه سيستغلها لتقويضها عندما يصل الى الحكم. كما ان الوضع في تونس يتسم بخصوصيات يتعين علينا وعلى الاعلام التفكير فيها مليا فالبلاد تمر بمرحلة انتقالية لم يشتد فيها بعد عود الديمقراطية وليست في مأمن من الانتكاس والتراجع في مسارها الديمقراطي. كما ان الوضع الامني يتسم بالاهتزاز خلال هذه الفترة ويمكن بالتالي اعتبار مثل هذا البرنامج خطرا على الديمقراطية لان افكار الشاب المذكور تمثل تقويضا للدولة المدنية التي اتفق الجميع على ارسائها ولان تدخل هذا الشاب يشرع لخرق القانون وهو ما يجرمه قانون الصحافة ذاته ولان في افكاره دعوة ضمنية لقوات الدولة لعدم الامتثال لتعليمات رؤسائهم بتطبيق القانون . وقد يذهب البعض الى حد اتهام الاعلام باستغلال هذه الاطراف لاغراض تجارية لكسب المزيد من المشاهدين ومن الموارد الاشهارية على حساب امن البلاد ولا غرابة في ان تستغل بعض الاطراف مثل هذا البرنامج لاتهام الاعلام بالردة وبخدمة النظام السابق وبالانسياق لاجندة المعادين للديمقراطية.
لذلك يتعين فتح حوار عميق حول هذا الموضوع في الفضاء العمومي ويتعين بالخصوص على الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري رغم حداثة انشائها ان تتخذ موقفا واضحا ازاء مثل هذه الممارسات الاعلامية حتى تثبت استقلاليتها ونجاعتها. واعتقد ان المؤسسة التربوية لا يمكن ان تكون غائبة عن هذا الحوار الوطني وهي التي تمثل الاطار الطبيعي للتكوين العلمي للشباب . وازاء تهديدات الاطراف الدينية المتشددة والمهيمنة على بعض المساجد وبعض الفضاءات العمومية لا يمكن للمربي ان يبقى مكتوف الايدي وسلبيا وتدخل التربية على وسائل الاعلام من المهام الموكولة للمربي حتى يقوم بتفكيك الخطاب الاعلامي وبادارة حوار فكري موضوعي حول القضايا التي يطرحها وبتنمية الروح النقدية لدي الشباب
Comments
18 de 18 commentaires pour l'article 65151