المرزوقي وكلام الناس

بقلم عبد الرزاق قيراط
شاهدنا على قناة التونسيّة رئيسنا المرزوقي في مشهد سينمائيّ مثير مع الشيخة موزة. ورغم الإساءة المجانية التي انطوى عليها المشهد، لم تحرك مؤسسة الرئاسة ساكنا ولو ببيان صحفيّ رمزيّ، وفي ذلك ما يدلّ على مسلك حكيم، يؤكّد أنّ وضعنا في تونس أفضل بكثير من وضع أشقّائنا في مصر. فرئيسنا يشتم ليلا نهارا، ويتعرّض للإساءة بشتّى الطرق، ويُنعت بكلّ الأوصاف القبيحة دون أن يلتفت إليها. وفي ذلك برهانان، أوّلهما دليل على سقوط أخلاقيّ لمن يسوّق لتلك الشتائم بدعوى حريّة التعبير، والثاني إثبات لسعة صدر الرئيس ورحابة فكره وقبوله للنقد مهما كان لاذعا، على عكس زميله في الرئاسة محمّد مرسي الذي حرّك القضاء لملاحقة باسم يوسف وأمثاله ممن يهينون رئيس الدولة ولو بدعابة بريئة.

ولأنّ ذلك الإجراء حقّق عكس نتائجه في أمّ الدنيا، فإنّنا نتوقّع أن يواصل الرئيس المرزوقي تجاهله لما يقال عنه مهما بلغ من درجات الشطط والافتراء. وفي هذا السياق، تابعنا المشهد السينمائيّ المذكور في البرنامج المنوّع كلام الناس الذي يستضيف عددا كبيرا من أهل الفنّ والسياسة فيقع التداول عليهم محاورةً ومساءلة ، حتّى تطول السهرة وتتمدّد بسبب كثرتهم، ونظرا لتدخّلات الصحفيّة مي القصوري التي حطّمت كلّ الأرقام القياسيّة المتعلّقة بتشعّب أسئلتها المتحوّلة غالبا إلى محاضرات لا محلّ لها من الإعراب،. وفوجئنا من جهة أخرى بإقحام الرئيس المرزوقي في مشهد سينمائيّ بذيء اقتطع من فيلم أجنبيّ، في سياق فقرة جديدة تستعمل الأفلام السينمائيّة لنقد الشخصيّات العامّة بعد إضافة أسمائها واصطناع أقوال بديلة عن الحوار الأصليّ للممثّلين. والفكرة طريفة ولكنّها لا تخلو من مزالق خطيرة كما حدث في المشهد حيث ظهر المرزوقي في خلوة مع الشيخة موزة... وقد كان الحوار بينهما رومانسيّا إلى أبعد حدّ، تخلّلته نظرات لا تخلو من الإيحاء بما في النفس من رغبات... ومن الأقوال المقحمة على المشهد، تعبير الشيخة عن إعجابها الشديد بالمرزوقي عندما لا يضع النظّارات قائلة: مرزوقي، يا سيّد الرجال... وفي نهاية المقطع، تدعوه إلى غرفة مجاورة بإشارة آمرة من يدها، و سهامِ لحظٍ ما لهنّ دواء من عينيها.
والمشهد بتلك الإيحاءات ينطوي على مخاطرة إعلاميّة غير محسوبة، وتجاوز مقصود للأعراف الدبلوماسيّة والقيم الإسلاميّة التي تنهى عن قذف المحصنات. وإقحام الحوار والأسماء بذلك التعسّف على مشهد من فيلم أجنبيّ يسقط النقد والنقّاد في ركاكة لا تحمد عقباها وبذاءة من الوزن الثقيل.
في مقابل تلك البذاءة، تقدّم لنا البرامج الأجنبيّة الساخرة أمثلة يستفاد منها لتحسين الأداء في ذلك اللون الإعلاميّ الذي ظهر عندنا حديثا مع بركات الربيع العربيّ. ونتابع نحن- سكان المغرب العربيّ- ما تبثّه القناة الفرنسيّة كنال بلوس في مساحتها المفتوحة، من تقارير ساخرة يعرضها البرنامج الإخباريّ الخفيف الجريدة الصغيرة (Le petit journal)، وفيه، نال الرئيس الفرنسي هولاند نصيبا وافرا من التهكّم على هامش زيارته الأخيرة إلى المغرب من خلال تقرير طريف واكب الاستقبال الذي خصّه به الملك محمّد السادس. واعتبر التقرير زيارة هولاند فسحة وهروبا لنسيان فضيحة وزير الخزانة جيروم كاهوزاك بعد اكتشاف تهرّبه الضريبي وامتلاكه لحساب مصرفيّ خارج فرنسا. ولكنّ الصياغة الساخرة حوّلت تلك الفسحة إلى عقاب يلائم حجم الفضيحة. فتمّ التركيز على مراسم تدشين محطّة تصفية المياه العادمة بمدينة مديونة، ما أثار جملة من التعاليق الشامتة بالرئيس هولاند وهو يتنقّل بين أجزاء المحطّة فيمرّ بمستودع حاويات القمامة، ثمّ بخزّان المياه المستعملة ومنها تنبعث الروائح الكريهة لتدغدغ أنوف أصحاب الفخامة والجلالة... وبذلك الأسلوب الساخر الخفيف، ينتقد الإعلام الحرّ رئيسا وعد شعبه في حملته الانتخابيّة بجمهوريّة نموذجيّة ، ولكنّ العثرات والوقائع كذّبت ذلك الشعار، فالبطالة في تصاعد مستمرّ والاقتصاد في حالة من الجمود المخيف، ووزير الخزانة يلخّص المثل القائل حاميها حراميها ...
وعلى أساس تلك المفارقات الصارخة، مثّل تقرير Le petit journal عيّنة ناجحة في مجال صناعة السخرية باعتبارها فنّا لا ينبغي أن ينقلب إلى مجرّد إساءة مجانيّة بأساليب بالية تقوم على الإقحام والإسقاط وركوب البذاءة شكلا ومضمونا.
Comments
43 de 43 commentaires pour l'article 63222