العهر السياسي و إفلاس الكتلة الثقافية

<img src=http://www.babnet.net/images/8/iyaddahmaniiiiiiiiiile3111.jpg width=100 align=left border=0>


بقلم محمد القاسم

اقتباسا من ''ثقافة العهر الفني'' التي ظهرت اوائل سبعينيات القرن الماضي في هوليود حيث يعمدُ الفنانون والفنانات ممن لا يملكون قدرات ومواهب فنية الى التعري وقبول الأفلام الجنسية الفاضحة مقابل المال والشهرة وفي منافسة غير شريفة وغير متعادلة مع نظرائهم من اصحاب الكفاءة. كشفت الثورات العربية عن نمط جديد من الممارسة السياسية مدعومة ب ترسانة فكرية وثقافية وإعلامية ، ممارسة فيها الكثير من مثيل ذلك العهر الفني حيث لا ضوابط ولا مناهج عمل جادة وجدية بل ارتهان الى وضيع الأفعال وغياب لا فقط للمعطى الأخلاقي والقيمي بل للمستند العقلاني والموضوعي.





حقائق جديدة وشوكة منكسرة
في تونس ، ومباشرة اثر الثورة والى حدود ما اكدته انتخابات 23 اكتوبر 2011 ، انكسرت شوكة كتلة ثقافية كاملة كانت مدجنة لخدمة الدكتاتورية والقمع والاستبداد والمتاجرة بعذابات المقهورين والمظلومين مائلة الى موائد السلطان تقتات من عطاءاتها التي لم تكن بحد او بقياس او بحجم.

انهار هؤلاء امام إرادة الشعب الذي رغب في التأسيس لشيء جديد يُنسيه الماضي بما فيه من ماس وجراح ومظالم ويفتح أمامه وأمام الأجيال القادمة أفقا جديدا في الحكم والعلاقات الاجتماعية التعددية المتسامحة والعادلة في فرص العيش والتنمية وخيارات البلاد.

ان الكتلة الثقافية التي تقود اليوم قاطرة العهر السياسي تنظيرا وفلسفة ومناهج عمل واستراتيجيات إعلامية واتصالية وجماهيرية لم تتوانى في هتك المسلّمات وتجاوز كل الخطوط الحمر في الاجتماع الإنساني الحضاري والمتمدّن وهي تعيش على وقع سقوط مدوّ لنظرية الشعب القطيع وصعود لقوى جديدة ترنو الى تطليق الخضوع وكسر أغلال الإذلال.
انها كتلة تحيا على وقع هزيمة شعبية واسعة تنكشف معالمها يوما فيوما ، وكلما فاحت البعض من رائحة ذلك الانكسار والخيبة كلما تخطت تلك الكتلة حاجزا جديدا وعملت على نشر المزيد من الفوضى مستغلة في ذلك آلة إعلامية تعودت الآستكانة الى إملاءات اللوبيات المالية الفاسدة وقبلت العودة الى مربعها القديم الخاضع لمنطق العفن الأيديولوجي القائم على نظريات الاستئصال السياسي والثقافي والديني.

كتلة مقطوعة عن نبض الشارع
أساتذة في الجامعة واكاديميون ونقابيون واعلاميون ورجال قانون ومؤرخون يؤثثون جوقة التصدي لإرادة شعبية جارفة في الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية ، انها الكتلة الثقافية المقطوعة عن نبض شعبها بفئاته وجهاته ، تدفع دفعا نحو اعادة عقارب الساعة الى الوراء حيث ما كانت تنعمُ به من جاه ومال وسلطان، انها كتلة متجانسة في فكرها موحدة في فعلها تتحرك على نفس الترتيب وبنفس النغمة وبعدد لا يُحصى من التخمينات العاهرة التي لم تعد تقيم للأخلاق والدين والقيم والمجتمع والأسرة والحق اي وزن او اي اعتبار.
تجانس هذه الكتلة مؤسّس على عداء أيديولوجي ليس فقط لخصم سياسي هو الاسلاميون بل الى عداء لمعاني الحداثة والتنوير، هم يُعادون أصولهم ومرجعياتهم ويُخالفون أسس التعايش ومبادئ المدنية وفلسفة الحوار والقبول بالآخر المخالف.
كتلة تتحرك بفعل موحد يستهدف راسا السلم الاجتماعي والأهلي فيُعملون معاول الهدم وينشرون سموم الفتنة والتفتين ويُجاهدون في سبيل إشعال الحرب الاهلية وضرب وحدة المجتمع.

ليس من الصعب تلقف أجندات وخطط هذه الكتلة الثقافية وإقامة خيوط الارتباط بينها في المحاور وتوقيت الإثارة وزمن الاستفزاز ولحظة الشروع في التنفيذ عبر التلفزات والإذاعات والصحف والمنتديات والملتقيات والندوات الصحفية حيث الإصرار على التجييش وقلب الحقائق ونشر الأكاذيب والاراجيف والنفخ المافيوزي في الاحداث اليومية مهما كانت طبيعتها او مجالها والسعي الى صناعة رأي عام مناهض للسلطة القائمة ومكونات الترويكا وزعمائها وممثليها في الرئاسات الثلاثة.

تاسيس لشيء جديد وتخويف
انهم يؤسسون لمشهد جديد يكاد يكون يوميا قائم دائماً على الرعب والتخويف والإزعاج وتغييب راحة الناس وهدوء الشارع ، انهم أشبه بسنفونية تعزفُ ألحان الخيبة والخذلان والهزيمة والانهيار وتبث الياس ومشاعر الإحباط والتخذيل.
انّ الكتلة الثقافية الموروثة عن حكم الاستبداد والتغريب بصدد لعب اخر ورقاتها مستجمعة في ذلك آليات التهويل والخلط المتواصل للأوراق والسعي المحموم للانقلاب على ما كل الاشياء الجميلة التي اكتسبها الشعب بفضل دماء الشهداء وتضحيات أجيال متعاقبة من التونسيين والتونسيات، صحيح ان حجم المنجز منذ الثورة ما يزال متواضعا ولكنه كبير في ظل الإصرار الشعبي على تطليق منظومات القهر والاستعباد والاستخفاف بالعقول وملكات العقل التي للتونسيين منها الشيء الكثير.
ولم يكن من باب المصادفة ان تنخرط أحزاب وفاعلون سياسيون يساريون وليبراليون وبعثيون وعلمانيون وشق من القوميين وثلة من الرديئين من بقايا التجمع المنحل في بوتقة العهر السياسي بناء على ما وفرته لها تلك النخب والمثقفين من مناهج وفلسفات وخطط وأجندات انبنت اساسا على:

- تحقير الإرادة الشعبية والتشكيك في وعي المواطنين والاستخفاف بقدرتهم على الفهم واستيعاب المستجدات والأحداث والتطورات.

- التنظير لمفهوم الانقلاب وحتمية إسقاط السلطة الجديدة المنتخبة بكل الوسائل والآليات وابتكروا في هذا الصدد ما اطلقوا عليه الانقلاب الابيض الذي سعى الى الركوب على حادثة اغتيال الفقيد شكري بلعيد ومتقرح حكومة التكنوقراط ، هذا مع استباحة مدنية الدولة بشكل متواصل عبر الدعوة الى تدخل المؤسسة العسكرية.

- التعويل على ضرب الاستقرار الاجتماعي والمس من الفاعلية الاقتصادية والتنموية في البلاد عبر الإضرابات والاعتصامات وقطع الطرق وإحياء النعرات الجهوية والعروشية.

- التشكيك في معاني الثورة والتعبير الصريح والعلني عن حنين للعهد البائد والتحقير من قدرة التونسيين على بناء دولة ديمقراطية عادلة آمنة ومستقرة.

- توظيف القضايا المجتمعية من غلاء للأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن واستفحال البطالة والجريمة ومظاهر التشدّد والتطرّف وربطها اتوماتيكيا وبشكل الي بالحط من منزلة القادمين الجدد للسلطة والحكم.

- العويل المتواصل على اجهزة الدولة في محاولة لارباكها وبث الفتنة داخلها والدعوة المتكررة بوجود مخاطر على مدنية الدولة وحيادها والإصرار على مقولة الأمن الموازي والقوى الخفية التي تحرك السلطة الجديدة وأطراف الترويكا وأساسا حركة النهضة.
انّ كل السياسيين الذين انساقوا خلف هذه الشعارات التي انتجتها الكتلة الثقافية قد سقطوا في نفق العهر السياسي بما فيه من انعدام للأخلاق وإفساد لمسار الانتقال الديمقراطي ومضاعفة لمشاكل البلاد الاقتصاديّة والاجتماعية وجرّ الشارع الى المزيد من الفوضى ومن ثم إضاعة الوقت امام تحقيق منجزات جديدة وهامة تستجيب للحاجبات العاجلة والمؤكدة.

كتلة ثقافية مضادّة
ان الثورة ومسار الانتقال الديمقراطي يحتاجان اليوم واكثر من اي وقت مضى الى تاسيس كتلة ثقافية جديدة تفعل فعلها الإيجابي في التصدّي للكتلة الثقافية الموروثة التي أكدت فشلها وانهيارها وتقادم آلياتها ومناهجها وفلسفاتها.
كتلة ثقافية جديدة:

- تنحازُ الى الشعب وقضاياه ذات الأولوية.

- تحافظُ على وحدة المجتمع وتماسك مختلف فئاته وجهاته.

- تناصرُ الممارسة الديمقراطية الحديثة والفكر التعددي الحر والمسؤول.

- تقدمُ برامج عمل وخطط واستراتيجيات وطنية صادقة تساعد السلطة الجديدة على توفير الحلول اللازمة والسريعة.

- تدافعُ عن هوية البلاد والدولة والتي هي عربية اسلامية صميمة تقبل الانفتاح على الاخر والأخذ من كل مضارب التقدم والتطور.

- تنشرُ روح التسامح والاعتدال والتعايش السلمي والمدني.
دونما تلك الكتلة الثقافية المضادّة التي تبني ضرورة ممارسة سياسية جديدة وتوفّر ارضيّة من البرامج والخطط والاستراتيجيات للحكام الجدد، دون ذلك ستشهد البلاد المزيد من تجليات العهر السياسي وبشكل اكثر فضاحة وستواصل الكتلة الثقافية القديمة فعلها في ترسيخ ثقافة مغشوشة ووعي زائف ، ولم لا قد تصل تلك الكتلة الى تحقيق هدفها الاستراتيجي في قلب الأوضاع والعودة الى النقطة الصفر.



Comments


9 de 9 commentaires pour l'article 62728

Alchahadatolileh  (Tunisia)  |Lundi 1 Avril 2013 à 12:23           
أسرعوا بمسرح هادف يخرج أمة تونس من براثن الميوعة وغيروا نحو الأفضل دور الشباب ثم على بصيرة لما تقوم به منظمتي الشبيبة المدرسية والمصائف والجولات من كل ما هو فاسد فقد عملت فيهما التحرك نحو الإصلاح من أسرع وأوجب الأولويات وأوكدها وعلى الحكومة أن تصنع لنا إعلام بأموالنا التي طالبناها بحذفها من ؛؛فاتورة الكهرباء ؛؛ فقد حذف السواد الأعظم من شعبنا الأبي حتى لا أعمم ولست من الكاذبين المتكلمين باسمه قناتي7 والا وطنية أضف إليهم؛؛نقمة؛الا تونسية؛وحنبغل؛
فقد عوظنا الله أحسن القنوات التي سنتمتع بها في رمضان بحول الله

Abdalhak  (Tunisia)  |Lundi 1 Avril 2013 à 10:37           
من اروع ما كتب و قيل في فحص و تطبيب المشهد الثقافي و المجتمعي و السياسي في تونس بين عهدين .الا انه من الطبيعي ان تستمر الكتلة الثقافية البائدة في ثورتها ضد الثورة لانها لم تستسغ الهزيمة النهائية و الى الابد كما ان وجودها اصبح مهدد و مستقرها على اطلال المزبلة مؤكد و حتمي لذلك استجمعت ترسانتها و استبدلت من خططها و اساليبها لايجاد موقع جديد في واقع لم تكن له فيه حسبان و لكن و للاسف فان السواد الاعظم افطن و اكيس مما تعتقد و تتصور و الشعب لها بالمرصاد
و يضحك ملئ شدقيه على شطحاتها الاخيرة ...و الاهم مما ذكر هي الحركة الدؤوبة للمنتوج الثقافي الثوري الذي يجب ان يغزو و يملا المكان و الزمان حتى يتناغم مع حاجيات المجتمع الجديدة من ابداع و عطاء و حرية و امن ...و لتعلم الكتلة السوداء ان الخزان الاسلامي حي لا يموت و ان عطائه للحياة لا ينضب و لا ينفذ فاستعدوا للموت البطيئ او لقتل انفسكم بايديكم تحت ظلال الشجرة الطيبة ...شكرا لصاحب المقال

Mortaucons  (Tunisia)  |Lundi 1 Avril 2013 à 10:10           
Nous n'avons pas d'opposition en tunisie, mais des barbouzes de seconde main.

Kamelsaidi  (Tunisia)  |Lundi 1 Avril 2013 à 10:05           
Sb0776 (tunisia) // الكاتب يحكي على امثالك من السقاط ... يقطع دابر اصلكم

MOUSALIM  (Tunisia)  |Lundi 1 Avril 2013 à 07:23           
الصراع منذ الأزل هو بين الحرية بضوابط وبين الحرية بلا ضوابط ولا حدود ولا موانع وهو ما تعلمنا اياه القصة العجيبة والمشفرة قصة آدم المدهشة فالخالق سبحانه وتعالى يمنح الانسان سقفا مرتفعا للحرية على الأرض وتلك الحرية بامكانه أن يجعل من كوكبنا جنة ليأكل منها رغدا حيث شاء لكن بموانع غاية في الصغر والضآلة وهي الشجرة الغريزية البدائية لكن الاعلام الابليسي يرفض الضوابط والمنع والحدود بل يشن حملة اعلامية محمومة كلها مغالطات وأخبارا زائفة ليدفع آدم لعدم
الامتثال للموانع وأن الموانع تلبي نقاط ضعف آدم السلطة ودوام السلطة الى ما لا نهاية والى الأبد .انه صراع مستنسخ لا جديد فيه الا التجدد بديكور مغاير كل يوم ....

NOURMAHMOUD  (Tunisia)  |Dimanche 31 Mars 2013 à 21:54           
أحيي الكاتب على مقاله شكلا و مضمونا .لقد نورت الرأي العام بأفكارك الله ينورك.

Directdemocracy  (Oman)  |Dimanche 31 Mars 2013 à 14:54           
ما يميز العهر السياسي في بلادنا هو ان الذكور تميزو فيه على الاناث بقيادة سمير الطيب و من لف لفه ....

Sb0776  (Tunisia)  |Dimanche 31 Mars 2013 à 13:03           
مقالات من نوع العهر والعاهرة يقزز عنوانها النفوس السليمة والقدح والشتم ليس من خصال المسلم أو صاحب الأخلاق الحميدة. حسنوا ألفاظكم يرحمكم الله. إذا لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.

MSHben1  (Tunisia)  |Dimanche 31 Mars 2013 à 11:21           
خبير الاستراتيجيين يقول ان هذه الجوقة الثقافية السلبية و المضادة لارادة الشعب بادارة اعلام العار و جهلة اليسار الغبي تتجه نحو انتحارها لان ابجديات الاستراتيجيا تقول ان لا امل في النجاح لشيء منبت عن المجتمع و اصوله و طقوسه و لو كان مؤيدا بالمال الفاسد و بالخارج المستغل للجهلة و الطامعين . فاستراتيجيا الثورات العربية التي اتت بالاسلاميين تقول ان الاسلاميين باقون و لا ازاحة لهم الا بالديمقراطية و الديمقراطية لن توصل النخبة الغبية لانهم اقلية و حتى
لعقود اخرى . اما ان دفعوا نحو الانقلام على الشرعية في كل الدول العربية فان مصير المخلوعين هو مصيرهم و هذا بديهي لان من ينقلب على الديمقراطية يكتوي بنار دكتاتورية الشعب . زد عن كل هذا الى كل اقطاب الغباء و الثورة المضادة من فرنكوفونيين و يسار و اعلام عار فان خبير الاستراتيجيين يقول لهم انكم كأف و كما تصريح واحد للمرزوقي زعزكم فان خروج ذكي الاذكياء و خبير الاستراتيجيين للاعلام العالمي اذا ما قرر ذلك فقد يؤدي بكم الى التلاشي تماما و قد يقلب كل
الموازين العالمية و يقتلع اصل الداء و يبسط الامن و السلام العالميين على اسس العلمي الاعلى و الديمقراطي الاول و الاعلى
allah le savant suprème et le democrate suprème .

انا خبير الاستراتيجيين متحضر المتحضرين mshben1.


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female