هل أصبح التعليم في تونس تجارة مادية أكثر منها رسالة علمية

كريم السليتي
عندما يصبح المعلم أو الأستاذ تاجرا همه الوحيد هو المال و الراحة و الكسل، فإعلم أن مجتمعنا فيه خلل كبير. كنت أتمنى أن يضرب الأساتذة من أجل تحوير المنهج التعليمي المتحجر أو من أجل تغيير لغة التدريس (الفرنسية) التي صارت لا قيمة لها علميا و دوليا و أصبحت تثير نفور التلاميذ و الطلبة، أو من أجل توفير وسائل البحث العلمي و تشجيع التلاميذ عليها، لكن أن يضربوا من أجل منحة مشقة التعليم فهذا دليل على أنهم يعتبرون نقل العلم لأبناء التونسيين مشقة و عذاب ليس رسالة.
عندما يصبح المعلم أو الأستاذ تاجرا همه الوحيد هو المال و الراحة و الكسل، فإعلم أن مجتمعنا فيه خلل كبير. كنت أتمنى أن يضرب الأساتذة من أجل تحوير المنهج التعليمي المتحجر أو من أجل تغيير لغة التدريس (الفرنسية) التي صارت لا قيمة لها علميا و دوليا و أصبحت تثير نفور التلاميذ و الطلبة، أو من أجل توفير وسائل البحث العلمي و تشجيع التلاميذ عليها، لكن أن يضربوا من أجل منحة مشقة التعليم فهذا دليل على أنهم يعتبرون نقل العلم لأبناء التونسيين مشقة و عذاب ليس رسالة.
وهنا أقول لكل أستاذ مضرب، إذا كنت ترى أن تعليم أبناء المسلمين هو مشقة، فذلك لأنك لا تحتسب أجر الآخرة، و لم ترض بأن الله يسر لك مهنة من أكثر المهن أجرا إذا أخلصت النية لله. أما و أنك لا تحتسب إلا أجر الدنيا فإعلم أنه حتى لو دفعوا لك آلاف الدينارات فإنك لن ترضى وستطمع في المزيد لأنك دائما تنظر لمن هو أغنى و أكثر راتبا منك.
أيها الأساتذة المضربون أمّا و أنكم غير راضون بهذا الأجر و تحسبونه غير كاف، و تثقون في كفاءاتكم، فلماذا لا تستقيلون و تبحثون عن مهنة أخرى أكثر أجرا، فهناك آلاف الوظائف التعليمية في العالم مفتوحة لجميع الجنسيات لكنها حكر فقط على أصحاب التميز.

لقد درسنا عند أجيال من المعلمين و الأساتذة من الذين كانوا يعتبرون التعليم رسالة و ليس مهنة للكسب و حسب. كانوا يعطوننا مع العلم قيما، وأفكار و أطروحات وسّعت من أفاقنا و ميّزتنا عن غيرنا. لم يكن أساتذتنا جزء من القطيع المجتمعي، بل كانوا حقيقة رجال علم و معرفة و فكر و أدب و أخلاق. كانت لهم قيمة مضافة عظيمة في حياتنا و في نظرتنا للعالم و في نقدنا للظواهر و للمناهج. و أذكر أستاذة الفيزياء صاحبة الدكتوراه التي قالت لنا و قد كنا تلاميذ في الثانوية حينها أنها رفضت التدريس في الجامعة لأنها تريد أن يكون لها شرف وضع الأسس العلمية لعلماء تونس المستقبل. و أذكر ذلك الأستاذ الذي درسنا في البكالوريا يومي السبت و الأحد بلا مقابل من أجل أن نكون الأفضل. أذكر أساتذة التاريخ الذين كانوا لا يكتفون بالبرنامج المسطر و كانوا يدعوننا بعدم التسليم بالمسلمات حينها في تاريخ الحركة الوطنية و تاريخ تونس الحديث، كانوا يعطوننا جرعات من التحاليل الجيو-استراتيجية أستغرب اليوم كيف توصلوا لها و لم تكن لهم لا إنترنات و لا فضائيات.
لكن تغير الأمر اليوم، إلا القليل مما رحم ربي، نعم يحق للأستاذ أن يعيش حياة كريمة و في ظروف عمل مناسبة، و لكن ما نراه هو تكالب على المادة و إهمال للرسالة، و إستهتار بالقيم العلمية و التربوية. نعم هناك جيل جديد من التلاميذ الأكثر شغبا و زهدا في طلب العلم على الإطلاق، و لكن تغيير العقليات هو عمل جماعي لجميع رجال التعليم، و تحبيب طلب العلم و البحث و التجديد و الإبداع هو من أولويات رجال التعليم و لا يمكنهم إلقاء المسؤولية على المجتمع في ذلك.
رسالتي إلى رجال التعليم: لا تكونوا جزء من غوغاء السياسة و لا تكونوا قطيعا في المجتمع. أنتم رجال العلم و الفكر، وهذا لا تساويه مادة و لا مال. أنتم المحظوظون بمهنتكم هذه و التي يغبطكم فيها كل ذي قلب حي، فلا تضيعوا الفرصة، واستأثروا بالأجر العظيم . كونوا مجددين مبدعين، ساهموا في بناء مجتمع علمي و معرفي، اجعلوا من مهنتكم رسالة و ليست مجرد وسيلة كسب و كفى، فهناك آلاف الوظائف و المهن الأكثر كسبا و لكنها بدون رسالة و بدون استثمار في العقول. إنكم أنتم المسؤولون عن نهضة و حضارة هذا المجتمع و هذه الأمة، إنكم أنتم المسؤولون عن التطورات العلمية لهذه الحضارة و أنتم الأمل في ريادتها لبقية الأمم، اقطعوا تلك الخطوات الإضافية و قدموا لأبنائنا الأفضل على الإطلاق، و لن نبخل عليكم بإذن الله.
كاتب و محلل سياسي
Comments
23 de 23 commentaires pour l'article 59437