من يصنع الوهم...يموت به

بقلم محفوظ البلدي
كاتب تونسي
كاتب تونسي
جاء عيد ثورتنا المجيدة وظَنَّ النّاس بالنٌّخَبِ خيرا عَلَّها تضع مصالحها ومصالح أحزابها جانبا ولو لحين.
ظَنَنَّا كل الخير في معشر الحٌكَامِ ومَنَّيْنَا أنفسنا بان يعود لهم

قلنا لَعَلَّ أزمتنا وعذاب شبابنا وانقسام شوارعنا وانحدار اقتصادنا وغياب أمْنِنا، حَرَّك ضَمَائِرَهٌمْ واستنهض هِمَمَهٌمْ فتواضعوا وخفضوا جناح الذٌلِّ لبعضهم من أجل الوطن.
قلنا لعلَّهٌمْ فهموا-أي النّخب- أن التراشق بِالتٌّهَمِ والسِّبَابِ وتحريض البعض على البعض والتّخوين وإشباع أعْرَاضِنَا غسيلا على الفضائيات والنشريَّات والمواقع الالكترونية لن ينفعنا ولن يحل مشاكلنا.
لعل صُنَاع المعارك الوهمية ومستعملي أسلحة الإعلام الشامل فَهِِمٌوا أن المٌنَازَعَة على السلطة لن تمٌر عبر استدراج الخصوم لصراع بائس ويائس وأُسْرِ البلاد والعباد، بل عبر الوفاء بالتزامات أخلاقية والإعداد لخوض تجربة حكم في ظل استقرار وأمن، لقد اخطئوا بظنهم أن الإسلاميين جاءوا لافتكاك السلطة وان النهضة هي الإسلام نفسه وليس عنوانا من عناوين مشروع شامل ورؤية لنمط حياة.
الإصلاح في المراحل الانتقالية صعب لأنه يستدعي الثقة والقوة والحكمة لتقديم حلول لها علاقة بالواقع في ظل استقرار هشَ، والبناء أصعب لان عليك إزالة الركام أوَّلا ثم التًّهْيِئة والإعداد وهذا يتطلب وَقْتًا وصبرا إضافة إلى عوامل الإصلاح من ثقة وقوة وحكمة.
اليوم لم يعد معنى للإصلاح إن لم نوقف الفساد في مظاهره الجديدة دون تهاون ونجعل أشباح الشر(الأطراف) أجسادا باسماء في عهدة القضاء، أما التطهير فإن الحديث عنه سابق لأوانه لان نتائجه اليوم أسوأ مما نعتقد !!
نعم إن الأحزاب التي وصلت إلى الحكم أخيرا لها قاعدتها الشعبية لكن هذه القاعدة لم ترتق إلى مستوى الرقيب والمحاسب لقياداتها الحزبية لتصبح منضبطة لمبدأ الاعتدال والمصلحة العامة، والحقيقة أن التجربة حديثة جدّا في أوطاننا ألعربية عموما فأنظمتنا التي جاءت بها الانتفاضات هي أنظمة تَتَدَرّبٌ على ممارسة الديمقراطية وعِوَضًا أن تقاوم نظرة وخيار الحزب الواحد والزعيم الواحد والحاكم الواحد ظَلَّتْ بِفَاعِلِ الخوف من عودة ألاستبداد تٌكَرِّسٌ الهيمنة والاحتكار والسيطرة.
كثرة الأحزاب في ظاهرها تنبئ بالتعددية وهذه التعددية إن لم تشكل درعا ضد هيمنة حزب على الحياة السياسية أو الانفراد بها تتحول بالضرورة إلى نزاع يضر بهذه الديمقراطية، غير أن هذه الكثرة –في الأحزاب- مردُّها كًبْتُ السِّنِينَ العجاف الماضية وَسَتَنْحَسِرٌ قريبا بحكم التدافع والانصهار والاندماج.
إرساء مبدأ الشفافية في العلاقة مع الأحزاب الجادة وتشريكها في إعادة بناء مؤسسات واقتصاد البلاد ضروري وحاسم من أجل خلق ديناميكية تنافسية للرفع من مستوى جودة الأفكار و التنظيم والانجاز لأن انجاز الحكومة لن يكون إيجابيا ولن تَنَال رضا الشعب ولا ثقة المعارضين إن لم تكن لها قرارات جريئة وصعبة حتى وان مست مواقعهم ووزارات السيادة لديهم أو حتى حياة المواطن اليومية (كالزيادة في ألأسعار وعدم توفير العمل)وان لم تتوفر لديها الثقة وبسداد الخيارات وعمق إستراتيجية هذه القرارات وإيجابيتها على المدى البعيد.
قد تتعثر هذه القرارات نتيجة تحديات الواقع المطروحة من تناقضات الأحزاب في ما بينها والتناقضات داخل الأحزاب نفسها لَكِنَّهَا ستتحول إلى إنجازات إذا أعْمَلْنا عقولنا وتواضعنا وقَوَّيْنَا عنصر الثقة بيننا وغَلّبْنَا مصلحة البلاد على العباد.
وفي المقابل أقول للإعلام الوطني انتقدوا بموضوعية وانتبهوا إلى أن الإخلال بدوركم في هذه المرحلة يعدّ خيانة للوطن والشعب واعلموا أنكم إذا استهدفتم الحكومة وأضعفتموها وتغاضيتم عن انجازاتها المحدودة فإنكم بذلك تحدٌّون من فاعليتها وإن صَوَّبْتٌمٌوهَا وانتقدتم أداءها بموضوعيه زادت هِمَّتَهَا وعزمها وزاد عملها ووزْنٌها...ثم
تصبحون...كٌلٌّكٌمْ مَعْشَرَ الإعلاميين والسيّاسيين حكّاما ومعارضة فقهاء وأمناء وخطباء وصالحين وعاملين...وإرادة الرّب مَعَكٌم
وان تَصَلَّبَتْ رؤوسكم وتَمَرَّدْتٌمْ على المَأْلٌوفِ وخذلتم الأمانة فان الشعب لا يزال حيًّا حولكم وقد اشهد عليكم الأرض والسماء وأوْرَدَ على مسامعكم هَذه التسبيحات وأيْقَنَ أنكم ستفسدون بعد موته مَرَّتين وستأكلون من ألشجرة، سَيٌصِيبَكٌم الهَلَعٌ لآثَامِكٌمْ وَبَغْيِكٌم في حَقِّ هذا الوطن والكون، ويقول لكم ...
اجمعوا شيوخكم وكبيركم ونٌبَغَاءَكٌمْ وصائمكم وقائمكم وجالِسَكٌمْ والمجلوس لهم...وفي الرقاب والأرض جميعا بِانْسِهَا وجِنِّهَا، ما عرفناكم حتى ولو صِرْتٌمْ انتم الرَبَّ الذي مَنَحَكٌم هذه الإرادة.
Comments
1 de 1 commentaires pour l'article 59308