شركاء الوطن، و إن فرقتنا السياسة.

عبد الجليل الجوادي
أريد في مستهل هذا المقال، أن أتوجه بالشكر إلى الإتحاد العام التونسي للشغل، مرتين. مرة حين قرر الإضراب العام و مرة حين تراجع عنه. فأما شكري له أولا، فلأنه أتاح لنا الفرصة لكي نعرف و نتعرف على أعداء هذا الوطن الذين لا هم لهم سوى مصالحهم الضيقة و حساباتهم الشخصية و لو كان ذلك ثمنه هلاك تونس و ذهاب هيبتها و سمعتها بين الدول. و أما شكري له ثانيا، فلأنه استطاع بفضل العقلاء و الرشداء من قياداته- و هم غير قليل- أن يعود إلى مربع الحوار و يحكم منطق العقل و الصالح العام بعيدا عن كل التجاذبات السياسية و الفكرية و الإيديولوجية العقيمة.
ما حدث من اتفاق بين الفرقاء يعد مفخرة لهذا الوطن و كسب جديد لتونس و لثورتها المجيدة. فبعد ما وصلت إليه الأمور من تراشق التهم و الجو العام المشحون بالحساسيات و التناحرات و ما سعى له البعض عبر وسائل الإعلام اللاوطنية من تضخيم و تفخيم و تهويل في محاولة لتأجيج الأوضاع و إشعال فتيل الحرب بين الحكومة و إتحاد الشغل، استطاعت تونس، بفضل عقول أبنائها المخلصين و إرادتهم الوطنية الصادقة، أن تتخطى الأزمة و أن تعيد الأمور إلى نصابها بالحكمة و الحوار البناء و الاحترام المتبادل، بعيدا عن التشنج و العصبية و المواقف المرتجلة.
هذا الكسب الجديد، وجب أن يكون مثلا يحتذي في معالجة جميع المشاكل الراهنة مهما كانت و كيف ما كانت. فلا بديل عن الحوار و لا سبيل لنا للخروج من الأزمة بكل تجلياتها و مظاهرها إلا بالحوار الهادئ و المسؤول. حوار يجمع كل العقلاء و الوطنيين من الفرقاء و الخصوم السياسيين دون استثناء. فلا يستثنى منه إلا من ثبتت خيانته لتونس و جنوحه للعنف و رفضه لمنطق الصالح العام و قصوره عن فهم ما يصلح به الوضع و ما يصيره كارثيا. فمثل هؤلاء، لن يستطيعوا أن يقدموا الحلول لتونس لأن فاقد الشيء لا يعطيه، و لأن من عاش ردها من الزمن ذئبا، لن يكون اليوم حملا وديعا، فعصر المعجزات و لى و انقضى. و العاقل يعتبر مما مضى...

اليوم أكثر من أي وقت مضى، وجب التفاف كل القوى الفاعلة في هذا الوطن،حول كلمة سواء بينها، أن تكون مصلحة تونس فوق كل اعتبار، و أن نعمل كلنا سويا بعقلية الإيثار و التضحية و نكران الذات و الإنصهار كليا أو جزئيا في منظومة العمل الجماعي الهادف و البناء. و لنترك خلافاتنا الشخصية و لو بشكل مؤقت، ريثما تقلع السفينة بركابها و ترسو بنا على بر الأمان. قبل أن تغرق و نغرق جميعا و يصبح التجديف ضربا من ضروب العبثية.
نحن شركاء الوطن و إن فرقتنا المصالح، فالشمس حين تشرق علينا لا تنسى منا أحدا و ينال نورها و دفئها الجميع على حد السواء، و الليل حين يغشينا لا يستثني من الظلام أحدا.
و تونس الأم، طالما أعطت و امتنت علينا بخيراتها و لم تمن علينا أبدا، و هي اليوم تعطينا من عبق الحرية ما جعلنا نتنفس حرية برئتين مفتوحتين بلا حدود...و ليس كالحرية عطاءا، فما ترانا نعطيها؟؟؟
عنترة ابن شداد كان عبدا في قبيلته، و لكنه كان من فرسانها الأشداء الذين تهاب سطوتهم و يحسب لهم ألف حساب. و ذات يوم تعرضت قبيلته إلى غارة كما هو شأن العرب في تلك الحقبة من الزمن. فصاح به سيد القبيلة أن كر عليهم يا عنترة. فقال عنترة: إن العبد لا يصلح إلا للحلب و السلب و لا يصلح للكر و الفر،( يقصد بذلك الحرب). فأجاب سيد القبيلة: كر عليهم يا عنترة و أنت حر. فامتشق سيفه و صار يجول بين الصفوف يبذل نفسه فداء وطنه حين عرف أنه حر فيه. فها نحن أحرار في أوطاننا و قد عرفنا عقودا من الاستعباد و التهميش الفكري و الإجتماعيى و الحضاري. فمن منا تحدثه نفسه اليوم أن يبذل روحه فداءا لأرض تونس الغالية. لا شك أن الوطنيين في هذا البلد كثيرين و لا يخلو منهم زمن. و لكن، و جب الآن أن يكون حب الوطن مقدم على الخبز و الماء.
و من ثوابت حب الوطن، أن نعمل على نفعه بما تيسر لدينا من الوسائل و دفع الضر و الأذى عنه ما وسعنا لذلك سبيل حتى نكون أحرص على حمايته و حفظه من أنفسنا، و لا نتركه بين أيدي العابثين من أصحاب المصالح الضيقة و الأغراض الشخصية و أن نضرب على أيديهم بكل قوة و مهما كلفنا الثمن. و من دواعي حب الوطن أيضا، أن ننأى بتفكيرنا عن الخلاص الفردي كما يروج لذلك في أمثالنا الشعبية الفاسدة التي غرسها فينا الاستعمار البائد كقولنا بعد راسي لا شمس لا قمره . و إلا أخطى راسي و اضرب و غيرها من الأمثل كثير....لأن السفينة إذا غرقت، فلن ينجو منا أحد. فوجب أن يكون التفكير في الخلاص الجماعي هو الحل الأمثل، بعيدا عن الأنانية و الأثرة.
و لا أجد في هذا المقام صورة أبلغ و لا أفصح من قصة أصحاب السفينة في حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم، حيث يقول مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها ، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء مَرُّوا على من فوقهم فآذوهم ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا فى نصيبنا خرقاَ ولم نؤذِ مَنْ فوقَنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاَ، وإن أخذوا على أيديهم نَجَوْا ونَجَوْا جميعاً
صدق رسول الله.
Comments
6 de 6 commentaires pour l'article 57936