القضاة ثلاث، فاختر لنفسك مكانا

عبد الجليل الجوادي
اختر لنفسك مكانا بين ثلاثة أصناف من القضاة. قاضيان في النار و واحد فقط في الجنة. قاض عرف الحق و حكم به فهو في الجنة. و قاض عرف الحق و لم يقض به فهو في النار. و قاض لم يعرف الحق و لم يقض به فهو في النار.
اختر لنفسك مكانا بين ثلاثة أصناف من القضاة. قاضيان في النار و واحد فقط في الجنة. قاض عرف الحق و حكم به فهو في الجنة. و قاض عرف الحق و لم يقض به فهو في النار. و قاض لم يعرف الحق و لم يقض به فهو في النار.
أخي القاضي، سيدي الرئيس، حضرة المستشار الموقر كما ينادونك في الجلسات و أروقة المحاكم، أين تضع نفسك بين هؤلاء الثلاث؟
أنت صمام الأمان لهذا الشعب و أنت الملاذ بعد الله لكل مظلوم.
فاحذر أن تؤتى الثورة من طريقك فإنك إن أكلت فقد أكلنا. و إن ضيعت الأمانة ضعت و ضعنا جميعا.
سيدي الرئيس، أذكرك و لست تنسى، في كل العصور طغاة يريدون التحكم في رقاب العباد ظلما و عدوانا و قهرا و هم في الأصل ضعفاء، و لكن تقووا على الضعف بضعفنا، فلا تعنهم علينا.
أنت تقف على ثغرة من ثغور هذا الوطن العزيز، فكن مثل الجندي يموت و لا يترك مكانه. فدمك ليس أغلى من دمه و روحك ليست أعز عليك من روحه، و لست أقل وطنية منه فلا تترك مكانك و لتقف صلبا ماردا في وجه كل ظالم معتدي مهما كانت الضغوطات و الإغراءات و المساومات.....
أنت سليل المناضلين من شرفاء هاته الأمة الذين بذلوا الغالي و النفيس و لم يبيعوا أماناتهم و لم يحكموا إلا بما تمليه عليهم ضمائرهم بمحض اجتهادهم. لا ولاية لأحد عليهم و لا سلطان إلا للحق.
رحم الله الحسن البصري. كان قاضيا زمن حكم الطاغية، الحجاج ابن يوسف الثقفي. و كان الحسن البصري يحضى بشعبية لدى عامة الناس و له هيبة و وقارا و تأثيرا بالغا عليهم مما أثار حفيظة الحجاج فتوعده بالانتقام. و كان السيف أقرب إليه من القلم شأنه في ذلك شأن كل الطغاة. فلما حضر الحسن البصري إلى مجلس الحجاج و رأى السيف و النطع قد أعدا له، أدرك نية الحجاج. فتمتم بكلمات في سره ثم دخل عليه، فجعل الله الرهبة في قلب الحجاج من هذا القاضي العالم العادل، ففرح به و قربه في مجلسه و أكرم ضيافته و طيب لحيته بأطيب العطور في ذلك الزمان.
أتدري بما تمتم الحسن البصري؟
لقد سأل ربه أن يجعل سيف الحجاج بردا و سلاما عليه كما جعل النار بردا و سلاما على إبراهيم، فاستجاب له.
فأين هيبتكم يا أهل القضاء و أين و وقاركم و أين سمة العلم فيكم و قد تهاوت نفوسكم حتى هوت تنهل من رغد العيش و تحصد الترقيات و الامتيازات من كل حدب و صوب.

ما زلت أذكر رجلا من هذا الزمان أحببته و احترمته كثيرا. عرفته في مطلع التسعينات و كان يومها يشغل منصب وكيل جمهورية. فكنت أراه يقف كعامة الناس في محطة الحافلة يركب نقلا عموميا ليصل مكتبه، لأنه ببساطة لم يكن يمتلك سيارة. و لكن كانت له هيبة و كان له وقار و أنفة، جعلته محل احترام الجميع.
و أنظر إلى قضاة اليوم فأرى عجبا. شباب تلمح في وجوههم مظاهر الزهو بما بلغوا إليه من رفعة المكانة.....يلبسون على الموضة و هم في غاية الشياكة، و سيارة فخمة و مسكن عصري و بعد لم يمض على تعيينهم سوى بضع سنين.
فكيف لا يكونون هدفا للطامعين و أصحاب النوايا السيئة و مرضى النفوس.
ليس اللباس عيبا و لا السيارة و المسكن بدعة....و لكن كيف؟؟؟
بعض الناس من أصحاب المال و النفوذ تعودوا المضاربة بالمال في كل شيء.....حتى الضمائر لم تسلم منهم، يقايضونها بالمال لمن رغب في البيع و يجزلون له العطاء. فأرهم العزة من نفسك و اعلم أنهم لا يضاهونك في المكانة مهما تكدست الأموال بين أيديهم و مهما تضخمت ثرواتهم. كيف و أنت تحمل أمانة العلم و العدل الذي قامت عليه السماوات و الأراضين.
و لا تنسى قول الله تعالى لك في القرآن و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون...
فلا تجعل من نفسك قنطرة يعبر عليها الظالمون، و تذكر وقوفك بين يدي ربك في يوم جليل عظيم الشأن....و تخيل من ظلمتهم في الدنيا و حكمت عليهم عدوا و بهتانا و هم يتعلقون برقبتك و يمسكون بتلابيبك يريدون أن يستردوا منك حقوقهم....فبأي عملة ستدفع لهم؟؟؟ و ما حجتك حين يخرس لسانك و تنطق يدك التي قبضت بها مالا حراما لتفتري على الناس بغير الحق؟ و هل ستنفعك أموالك و ما شيدت من القصور؟؟؟ و هل ستغنى عنك سيارتك الفخمة حين يؤتى بك في الحشر زحفا على وجهك و قد كنت تمشي في الناس بخيلاء و عظمة و ترفع لك التحايا.... لن تكفيك الدنيا و ما فيها و من فيها لتخلص برقبتك من العذاب و ستلعن نفسك ألف مرة لما يكون من مصيرك مع ربك.
سيدي القاضي، هذه الدنيا مهما طالت فهي إلى الفناء و أمر الله ماض فلا تغرنك فتنها و تنبه قبل فوات الأوان فإنك تحمل مشعل الحق و أمانة العدل بين الناس فكن في مستوى الأمانة و بحجم المسؤولية و انظر في حال هذه الدنيا هل دامت لغيرك لتدوم إليك.
و أريد أن أختم خطابي إليك بعبرة من قصص الأولين. فقد كان نبي الله نوح مارا ذات يوم فسمع امرأة تبكي بكاءا شديدا، فسألها عن حالها، فقالت إن ولدها مات و هو في ريعان شبابه. فسألها عن سنه فقالت خمسمائة عام....فقال نوح عليه السلام، أما علمت أنه يأتي زمان على الناس يعيش المرء فيه ستين إلى سبعين عاما.(و هو زماننا) فقالت المرأة، و الله لو أدركني هذا الزمان، أقضيها في ركعة لله تعالى.
فانظر كيف تقضي حياتك المحكومة بالفناء و اختر لنفسك مكانا ينجيك من العذاب في يوم الحساب و لا تلتفت لمن يريدون المتاجرة بضميرك فإنهم لن ينفعوك و لن يضروك إلا بما قدر الله لك. رفعت الأقلام و جفت الصحف.
Comments
7 de 7 commentaires pour l'article 57293