القضاة ثلاث، فاختر لنفسك مكانا

<img src=http://www.babnet.net/images/6/magistrats2.jpg width=100 align=left border=0>


عبد الجليل الجوادي

اختر لنفسك مكانا بين ثلاثة أصناف من القضاة. قاضيان في النار و واحد فقط في الجنة. قاض عرف الحق و حكم به فهو في الجنة. و قاض عرف الحق و لم يقض به فهو في النار. و قاض لم يعرف الحق و لم يقض به فهو في النار.





أخي القاضي، سيدي الرئيس، حضرة المستشار الموقر كما ينادونك في الجلسات و أروقة المحاكم، أين تضع نفسك بين هؤلاء الثلاث؟
أنت صمام الأمان لهذا الشعب و أنت الملاذ بعد الله لكل مظلوم.
فاحذر أن تؤتى الثورة من طريقك فإنك إن أكلت فقد أكلنا. و إن ضيعت الأمانة ضعت و ضعنا جميعا.

سيدي الرئيس، أذكرك و لست تنسى، في كل العصور طغاة يريدون التحكم في رقاب العباد ظلما و عدوانا و قهرا و هم في الأصل ضعفاء، و لكن تقووا على الضعف بضعفنا، فلا تعنهم علينا.
أنت تقف على ثغرة من ثغور هذا الوطن العزيز، فكن مثل الجندي يموت و لا يترك مكانه. فدمك ليس أغلى من دمه و روحك ليست أعز عليك من روحه، و لست أقل وطنية منه فلا تترك مكانك و لتقف صلبا ماردا في وجه كل ظالم معتدي مهما كانت الضغوطات و الإغراءات و المساومات.....
أنت سليل المناضلين من شرفاء هاته الأمة الذين بذلوا الغالي و النفيس و لم يبيعوا أماناتهم و لم يحكموا إلا بما تمليه عليهم ضمائرهم بمحض اجتهادهم. لا ولاية لأحد عليهم و لا سلطان إلا للحق.

رحم الله الحسن البصري. كان قاضيا زمن حكم الطاغية، الحجاج ابن يوسف الثقفي. و كان الحسن البصري يحضى بشعبية لدى عامة الناس و له هيبة و وقارا و تأثيرا بالغا عليهم مما أثار حفيظة الحجاج فتوعده بالانتقام. و كان السيف أقرب إليه من القلم شأنه في ذلك شأن كل الطغاة. فلما حضر الحسن البصري إلى مجلس الحجاج و رأى السيف و النطع قد أعدا له، أدرك نية الحجاج. فتمتم بكلمات في سره ثم دخل عليه، فجعل الله الرهبة في قلب الحجاج من هذا القاضي العالم العادل، ففرح به و قربه في مجلسه و أكرم ضيافته و طيب لحيته بأطيب العطور في ذلك الزمان.
أتدري بما تمتم الحسن البصري؟
لقد سأل ربه أن يجعل سيف الحجاج بردا و سلاما عليه كما جعل النار بردا و سلاما على إبراهيم، فاستجاب له.
فأين هيبتكم يا أهل القضاء و أين و وقاركم و أين سمة العلم فيكم و قد تهاوت نفوسكم حتى هوت تنهل من رغد العيش و تحصد الترقيات و الامتيازات من كل حدب و صوب.

ما زلت أذكر رجلا من هذا الزمان أحببته و احترمته كثيرا. عرفته في مطلع التسعينات و كان يومها يشغل منصب وكيل جمهورية. فكنت أراه يقف كعامة الناس في محطة الحافلة يركب نقلا عموميا ليصل مكتبه، لأنه ببساطة لم يكن يمتلك سيارة. و لكن كانت له هيبة و كان له وقار و أنفة، جعلته محل احترام الجميع.
و أنظر إلى قضاة اليوم فأرى عجبا. شباب تلمح في وجوههم مظاهر الزهو بما بلغوا إليه من رفعة المكانة.....يلبسون على الموضة و هم في غاية الشياكة، و سيارة فخمة و مسكن عصري و بعد لم يمض على تعيينهم سوى بضع سنين.
فكيف لا يكونون هدفا للطامعين و أصحاب النوايا السيئة و مرضى النفوس.
ليس اللباس عيبا و لا السيارة و المسكن بدعة....و لكن كيف؟؟؟

بعض الناس من أصحاب المال و النفوذ تعودوا المضاربة بالمال في كل شيء.....حتى الضمائر لم تسلم منهم، يقايضونها بالمال لمن رغب في البيع و يجزلون له العطاء. فأرهم العزة من نفسك و اعلم أنهم لا يضاهونك في المكانة مهما تكدست الأموال بين أيديهم و مهما تضخمت ثرواتهم. كيف و أنت تحمل أمانة العلم و العدل الذي قامت عليه السماوات و الأراضين.
و لا تنسى قول الله تعالى لك في القرآن و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون...
فلا تجعل من نفسك قنطرة يعبر عليها الظالمون، و تذكر وقوفك بين يدي ربك في يوم جليل عظيم الشأن....و تخيل من ظلمتهم في الدنيا و حكمت عليهم عدوا و بهتانا و هم يتعلقون برقبتك و يمسكون بتلابيبك يريدون أن يستردوا منك حقوقهم....فبأي عملة ستدفع لهم؟؟؟ و ما حجتك حين يخرس لسانك و تنطق يدك التي قبضت بها مالا حراما لتفتري على الناس بغير الحق؟ و هل ستنفعك أموالك و ما شيدت من القصور؟؟؟ و هل ستغنى عنك سيارتك الفخمة حين يؤتى بك في الحشر زحفا على وجهك و قد كنت تمشي في الناس بخيلاء و عظمة و ترفع لك التحايا.... لن تكفيك الدنيا و ما فيها و من فيها لتخلص برقبتك من العذاب و ستلعن نفسك ألف مرة لما يكون من مصيرك مع ربك.
سيدي القاضي، هذه الدنيا مهما طالت فهي إلى الفناء و أمر الله ماض فلا تغرنك فتنها و تنبه قبل فوات الأوان فإنك تحمل مشعل الحق و أمانة العدل بين الناس فكن في مستوى الأمانة و بحجم المسؤولية و انظر في حال هذه الدنيا هل دامت لغيرك لتدوم إليك.

و أريد أن أختم خطابي إليك بعبرة من قصص الأولين. فقد كان نبي الله نوح مارا ذات يوم فسمع امرأة تبكي بكاءا شديدا، فسألها عن حالها، فقالت إن ولدها مات و هو في ريعان شبابه. فسألها عن سنه فقالت خمسمائة عام....فقال نوح عليه السلام، أما علمت أنه يأتي زمان على الناس يعيش المرء فيه ستين إلى سبعين عاما.(و هو زماننا) فقالت المرأة، و الله لو أدركني هذا الزمان، أقضيها في ركعة لله تعالى.
فانظر كيف تقضي حياتك المحكومة بالفناء و اختر لنفسك مكانا ينجيك من العذاب في يوم الحساب و لا تلتفت لمن يريدون المتاجرة بضميرك فإنهم لن ينفعوك و لن يضروك إلا بما قدر الله لك. رفعت الأقلام و جفت الصحف.




Comments


7 de 7 commentaires pour l'article 57293

Zenati  (Tunisia)  |Vendredi 30 Novembre 2012 à 23:23           
أضيف إلىالتعاليق التي سبقتني أن تطهيرالقضاء الذي ينادون به شيء مستحيل ا ذا خرج عن إرادة القاضي نفسه فإذا مكث قاض فاسد واحد في كل محكمة لن يقدر أحد إلا المولى على تطهير القضاء

Jaloulnet  (Tunisia)  |Vendredi 30 Novembre 2012 à 11:03           
Aziz2012 (tunisia)
صديقي العزيز، أشاطرك الرأي تماما، فبقاء المجرمين بدون عقاب لن يزيدهم إلا ظلما و تبطرا على الناس و لن يزيد المظلوم إلا يأسا و قنوطا من حقه في استرداد ما سلب من كرامة و ما بذل من ماء الوجه عقودا من الزمن. و اليوم أصبح من الضروري بل و الحتمي تطبيق القانون على الجميع و بدون تمييز. و لعل أهم ما يثير غضبي و حنقي على المسؤولين بهذه الحكومة، هو عدم جديتهم و حسمهم في ملاحقة الظالمين، و إلا فما معنى أن يبقى سيئ الذكر اللطيف حرا طليقا و قد ثبت تورطه في
الأحداث الأخيرة و في غيرها؟ هل ننتظر أن يحرق البلاد على رؤوسنا لكي يلقى عليه القبض و يودع السجن شأنه شأن أي مجرم......

Aziz2012  (Tunisia)  |Vendredi 30 Novembre 2012 à 10:44           
اضافة الى هذا التصنيف العام هناك تصنيف آخر أهمله صاحب المقال وهونابع من الواقع الحالي للقضاء . حسب هذا التصنيف القضاة في تونس قاضيان قاض شريف لا يقبل المتاجرة بالحق والعدل فكان مصيره قبل الثورة وبعدها التهميش و هذا النوع مكروه ومن زملاءه المتزلفين ومن السلطة محبوب من الناس وقاض متزلف بلا ضمير وهذا النوع محبوب من السلطة مكروه من زملاءه الشرفاء و من الناس. لا تظنوا أن وزير اللعدل الحالي غير من هذا الواقع شيئا بل زاد في استفحاله فهو كسابقيه لم يبدي
غيرة على الحق بل أبدع في تشويه الحقائق يسمح لنفسه بالتستر على التجاوزات باسم حماية الدولة فلم يفهم ان هيبة الدولة لن تسترجع دون عدل ودون شفافية ودون كنس للمتزلفين و الفاسدين .و أقول له أن المظلوم لا تهمه هيبة الدولة بل ما يهمه هو دفع الظلم فحذار من يأس المظلوم .

Ghost  (Tunisia)  |Vendredi 30 Novembre 2012 à 09:12           
Excelent article

Freesoul  (Oman)  |Jeudi 29 Novembre 2012 à 19:16           
اتدرون ما كان يفعل حامورابي أول صاحب قانون و شريعة في العالم بالقضاة الفاسدين والمرتشين؟ كان حمورابي يقوم بسلخ جلد القاضي المرتشي حيا و يقوم بتغليف كرسي القاضي الذي سيخلفه به...و تصورو قاضيا يجلس على كرسي الذي قبله و هو مغلف بجلده...هل سيخطر على ذهن قاضي مجرد التفكير في التلاعب بقضايا الناس...طبعا هذه قصة لا يجب تطبيقها و لكن يجب الاعتبار منها و هو الحزم و الشدة مع كل الفاسدين.

Tounsi  (France)  |Jeudi 29 Novembre 2012 à 18:51           
Bravo pour cet article!

HOURAYABLADI  (Morocco)  |Jeudi 29 Novembre 2012 à 18:09           
L’histoire est un perpétuel recommencement….
babnet avant 2010 diffusez les mêmes images pour soutenir ben ali, aujourd’hui le même type d’images mais pour soutenir ennahda ou plutôt leur bêtises…
vous avez choisi la logique des forts contre une logique forte et vous avez soutenue le droit à la force contre la force du droit.
un jour je vous rappellerai vos positions…
continuez, continuez à justifier l’injustifiable, continuez à soutenir l’insoutenable…vous êtes sur la bonne voie… continuez avec votre gouvernement dans votre autisme, vous êtes presque arrivé bientôt vous serez face au mûr….


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female