حتميّة القطع مع الميز الحزبي

<img src=http://www.babnet.net/images/6/taoufikphoto.jpg width=100 align=left border=0>


توفيق بن رمضان



الكلّ يعرف و يسمع عن الميز العنصري و يستهجنه و لا يقبل به، و قصّة الميز العنصري في جنوب إفريقيا معروفة و مشهورة كما أنّ ممارسات الميز العنصري في إسرائيل واضحة للعيان و مفضوحة رغم أنّ الغرب صاحب المكاييل المتعدّدة يعتّم عليها و يستميت بكل صلافة في الدّافع عن الكيان الصهيوني و يجتهد في تلطيف الرّدود و التّصريحات كلّما تعلّق الأمر بتجاوزات إسرائيل و يجتهد في إيجاد التّبريرات و التغطية على ممارساتها الإجرامية في المحافل الدولية و يستعمل بكل وقاحة و استفزاز حقّ الفيتو ضد كلّ قرار من شأنه أن يجرّم أو يدين هذا الكيان الذي هو إجرامي و عنصري إلى أقصى الحدود.




إذا هذا كلّه ميز عنصري أساسه العرق و الدّين، و لكن لم نسمع أحدا يتكلّم عن نوع آخر من الميز داخل الوطن الواحد و بين المواطنين من الشّعب الواحد و من نفس الأصل، ألا إنّه الميز حسب الانتماء السياسي الذي يمكن توصيفه و نعته بالميز الحزبي، و بالطبع هذا النّوع من الميز كان مستشريا طيلة 55 سنة الماضية في تونس و في عالمنا العربي و الإسلامي، و قد تسبّب في سحق و حرمان النّاس المبدعين من المشاركة في الشّأن العام و في البناء و التسيير و في تقديم الإضافة للوطن و الشّعب، و بعد هذه الثورات ندعو الله الكريم أن يخلّصنا من هذا النّوع من الميز حتى يتمّ تشريك الجميع بقطع النّظر عن خلفيّاتهم الإيديولوجية و انتماءاتهم السّياسية.

وفي تونس و قبل 14 جانفي خاصة، كان حتميّا على كل من يريد أن لا يطاله هذا النّوع من الميز الحزبي أن ينخرط في الحزب الحاكم و إن لم يكن مقتنعا بذلك حتى يجنّب نفسه التعرّض لهذا النوع من الميز المدمّر و من أجل الحماية و الإفلات من ممارسات الإقصاء و الإلغاء التي تمارس ضد كل صوت مخالف خارج عن السّرب و الصفّ، فكل التّعيينات في الدولة توزّع حسب الانتماءات السياسية « متاعنا و إلاّ لا » و إن لم يكن تجمعيّا أو دستوريا فلن ينال المنصب و إن توفّرت فيه الكفاءة و الخبرة و القدرة على الإبداع و الإضافة، و يوكل المنصب للتّجمعي أو الدستوري و إن كان لا علاقة له بالاختصاص و المنصب، فالكفاءة و الاختصاص آخر ما ينظر له بالنسبة للتجمعيّين مع بن علي و الدّستوريين مع بورقيبة.

و إن كان الشخص ليس تجمّعيا و توفّرت فيه الشروط و الكفاءة في منصب ما فهم يحاولون دخول قلبه و عقله ليتأكّدوا من ميولاته السياسية و خلفيته الإيديولوجية و هذا أمر مستحيل التأكد منه فلا يعلم السرائر إلا الله، فتجدهم يصنّفون النّاس « ميولات إسلامية...قومية...يسارية...إلخ » و بسبب هذه التصنيفات تم إقصاء الطّاقات و الكوادر المتميّزة و المبدعة و خسرهم الوطن و الشعب، و كم من المتملّقين الوصوليين تم تعيينهم في أعلى المناصب و وصلوا إلى أعلى المراتب، لا لشيء إلا لأنّهم يتفنّنون في التطبيل و «التلحيس» و النفاق، أمّا على الصّعيد المعرفي و الإبداعي فمنهم من لا يمتلكون شيءا من الخبرة و لا المستوى المطلوب، وهذا الصنف من المسئولين هم من سحقوا الرّجال الشرفاء في مؤسّساتنا الوطنية بجميع أنواعها و أصنافها فهذا النّوع من المنصّبين تعهد لهم المهمّات القذرة ويتولّون تنفيذها دون تردّد و نقاش فهم لا يتوانون في تطبيق الأوامر الصادرة من أسيادهم المجرمين المتسلّطين الذين تحكّموا في مصائرنا و مصائر أبنائنا طيلة النصف قرن الماضي.

لقد تحمّل الشعب التونسي ممارسات الميز أكثر من خمسة عقود هذا إن لم نضف الفترة الاستعمارية و العثمانية، و لن يسمح بهذا أن يتواصل بعد الثورة المعجزة من الله و التي لم يتزعّمها أي حزب و لا يمكن لأي تيار سياسي أن ينسبها لنفسه، و بعد الثّورة و خاصة تحت حكم الغنّوشي و السبسي لاحظنا تحوّل هاته الممارسات للأحزاب اليسارية و المجموعات اللائكية و العلمانية التي مارست ضغط كبير على الحكومات المؤقّتة لتنصيب المقرّبين منهم و ربّما النهضة اليوم تفعل نفس الشيء، و الأمر كان واضحا وجليا تحت حكومتا محمد الغنوشي و السبسي فأغلب التعيينات من ولاة و سفراء و مديري معاهد و مناصب أخرى في الدولة قسّمت بين هذه المجموعات النافذة من اليساريين و العلمانيين الأمر الذي لم يعد مقبولا بعد الثورة فالتعيينات يجب أن تكون على أساس المواطنة و الكفاءة و الخبرة و ليس الانتماءات و الولاءات السياسية و الإيديولوجية.

و من أساسيات القطع مع الماضي هو القطع مع ممارسات الميز الحزبي التي أضرّت بالبلاد و العباد و زرعت الأحقاد و الأضغان في القلوب، و حسب المؤشّرات الظاهرة و الواضحة بع الثورة سيكون هناك ميز بسبب نفوذ قوة المال و التوجه الإيديولوجي، فالحذر كل الحذر من أن نعود إلى هذا النوع من الميز و من أن تتمكّن فئة أو تيار سياسي من العودة إلى هذه الممارسات الساحقة و الماحقة للطاقات و الكوادر المتميزة، فلا مجال للتمييز و الميز بعد الثورة بل يجب أن تكون تونس لكلّ أبنائها و يجب أن يكون الوطن فوق الجميع.

و لنعمل جميعا مستقبلا بأن لا نسمح لأي طرف سياسي من أن يسيطر على الدولة و مؤسساتها و أن لا يكون هناك مجالا لتمكين النّافذين في مؤسسات الدولة من أتباع الحزب المنحل و الأحزاب اليسارية و العلمانية التي أصبح لها نفوذ قوي و ظهور إعلامي كبير بع الثورة وهي في الحقيقة لا تمثّل نسبة كبيرة من الشّعب التونسي، فمن المفارقات العجيبة و الغريبة أنّ التيارات و الأحزاب التي لها مرجعية يسارية أصبح لها نفوذ في تونس بعد عقدين من انهيار المنظومة السوفياتية و بعد ثبوت فشل و قسور أطروحاتها و برامجها في النهوض بالشعوب في الكثير من دول العالم، و هذا أمر غير مقبول من طرف الأغلبية الساحقة من المواطنين فلن يسمح مستقبلا تمكين أي طرف و خاصة المجموعات اليسارية و اللائكية العلمانية من التحكّم في حياتنا و مصائرنا و أن تخطط لمستقبل أبنائنا و تنفّذ برامج لا علاقة لها بواقعنا و تتعارض مع هوية و ثوابت شعبنا، و لكن لا بأس بل من المفروض تشريك الجميع دون إقصاء و إلغاء فتونس لكل أبنائها و على الجميع أن يجتهدوا و يتفانوا في خدمتها و عليهم أن يترفّعوا عن الحسابات الحزبية الضيقة و الممارسات الأنانية المدمّرة.



Comments


10 de 10 commentaires pour l'article 56953

TOUTOU  (Tunisia)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 21:55           
على الجميع أن يعلم أنه لا يمكن بناء المستقبل ما لم نعتبر من الماضي و الإنسان يعتبر من دروس الماضي و لكي لا نعود لنفس الممارسات يجب أن لا ننسى ما حصل مدة أكثر من نصف قرن هذا إن لم نضف لهم الفترات السابقة قبل الإستقلال و لما لا فترة الرومان و القرطاجنيين

Deeply  (Tunisia)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 16:43           
شكرا للكاتب على الفكرة، لكن فاتنا القطار و حصَل ما في الصَدور

TOUTOU  (Tunisia)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 16:10           
Je m’adresse specialement pour fee_mind et a ceux qui pensent comme lui

Wildelbled  (United States)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 15:52           
Avant la revolution le pays etait diriger de trois maniere:nepotisme , regionalisme puis favoritisme des proches> le plus proche que tu es de la famille royale , le plus tu gagne.
c'etait beaucoup moin dans le temps de bourguiba , mais zaba et sa maitresse l'ont faite en flagrant delire.
et cette maniere de direction emmene au bakchich et endakch aktaf. et seul le petit qui perd . et cette maniere ne fait qu'elargir l'ecart entre le riche et le pauvre .
mais aussi fait naitre l'idee de la revanche chez les pauvres et ceux a qui on a fait des injustesses tel que ennahdha ... ( je ne cherche d'excuse pour ennahdha et je ne suis pas nahdhaouiste non plus) mais j'essaye de voir la coupe de toute les cotees.
ennahdha fait ce qu'elle fait pour des raisons simples:
ils voient que c'est leurs droit vus qu'ils sont les majoritaires .
et surtout qu'ils ont souffert et pour de tres longues annees sous les deux regimes de bourguiba et zaba.alor c'est l'occasuion de la revanche pour eux. peut etre qu'ils ont de bonnes intentions , je ne sais pas, mais pour imposer des gents dans des positions seulement parcequ'ils sont de leur partis politique , ca ne ce fait pas , surtout dans une democratie qui est comme un bebe qui n'est pas arriver a ce mettre sur ces pays encore.

Celtia  (France)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 15:38           
C'esr trop tard m.toufik ennahdha a déjà recyclé tous les rcdistes véreux ils ont tous des barbes et des points bleus sur le front.ils vont reproduire le même régime basé sur le parti sauveur.les star-trek islamistes sont impitoyables .maintenant on est reparti avec ce parti pourri pour des longues année.
il nous faut un mandela tunisien.

TOUTOU  (Tunisia)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 14:25           
المشكلة في الكثير أنهم مازالوا اقصائيين و لا يقبلون بالرأي المخالف السيد سي-مند ما عجبوش المقال لا شك أنه كان من المستفيدين و من المتمعشين من الأنظمة السابقة و على كل حال المقال هو فكرة و يجب شكر الكاتب على الإجتهاد و طرحه لهذا الموضوع و تطرقه لهاته الفكرة بل هاته المشكلة الكبيرة و المدمرة التي دمرت الكثير من الطاقات و المبدعين و حيدته عدد كبير من التونسيين بمجرد اختلافهم مع الحزب الحاكم أو حمله لفكر مختلف

TOUTOU  (Tunisia)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 14:17           
يبدو أنك كنت من المستفيدين من الميز الحزبي الذي كان يمارس زمن بن علي و بورقيبة و قد نبه الكاتب النهضة من أن تقوم بنف الشيء و لكنك يبدو أنك بعظمتك ما دامك تتكلم بهاته الطريقة free_mind يا سي

Wildelbled  (United States)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 14:14           
الفكره جيده ، أماط ريقة طرحها فإنها سطحيه، أولا لابد من المحاسبه لكل من أجرم في حق هذا الشعب الطيب، وأن تكون المحاسبه عادله وبكل ماتحويه الكلمه من معنى ،ثم أن تسن قوانين جزائيه تجرم كل من يتهم أي كان بدون حجج وبدون حق أو موجب وأن يكون القانون فوق الجميع،إرجاع لكل ذي حق حقه ،ثم محاسبة بعض الأشاص بطريقة من أين لك ها ،وبالأدلة و لإثباتت ،ثم سن قوانين تحدد من له الحق للترشح لأي منصب إداري و رسمي، نريد أناسا مسؤولين وواعين ومتعلمين
ومثقفين،لانريدالقصاص وأماله،ولانريدالقصاص بدون حق ومن أي كان،نريدعداله بأتم معنى الكلمه،ثم نريد برامج اقتصاديه تتماشى ومتطلبات وطننا،وكذلك برامج تعليمه تتماشى مع تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا المتسامحه ومع احتياجات شبابنا العلميه

Free_Mind  (Tunisia)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 12:46           
En lisant le titre de l'article je me suis tien voila quelque chose d’intéressant. voila un écrivain qui essaie de faire la paix et d’arrêter cette lutte entre les partis politiques.
en lisant l'article je me suis aperçu que c'est tout a fait le contraire.
passez votre chemin, ne lisez pas cet article, il s'agit d'une pure propagande nahdaoui!
déçu!

MSHben1  (Tunisia)  |Mercredi 21 Novembre 2012 à 11:26           
كلام منطقي و معقول يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر و الكفاءات في كل البلاد و من كل الاحزاب . فالرجاء اخدموا بلادكم قبل احزابكم .انا تقني التقنيين
انا mshben1 .


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female