الساحة السياسية في تونس .. خسارة اخرى مدوية

<img src=http://www.babnet.net/images/7/deviltop2.jpg width=100 align=left border=0>


نصرالدين السويلمي

ترقبت الساحة السياسية التونسية بالكثير من الأماني والقليل من الأمل ما ستتمخض عنه المحادثات الطويلة ولقاءات الاحزاب الثنائية والثلاثية والرباعية والمشاورات المكثفّة بين العديد من الوجوه الفاعلة ، وتطلع المشفقون على الوضع في تونس الى نتيجة المخاض الموعود للجبهة السياسية الواعدة ، رغم علمهم المسبق انطلاقا من تجربتهم ان الأمر لا يتعدى ذلك الحمل الكاذب وعما قريب ستذهب ''السكرة ''وتحضر الفكرة ، وحدهم الذين لم تأسرهم الكمائن اليومية ولم يستحوذ عليهم ضجيج الطرود الملغومة المبثوثة بعناية فائقة عبر كامل تراب الجمهورية ، ومكنتهم حنكتهم من التموقع في مواضع تسمح لهم بقراءة مجردة للوقائع والأحداث ، وحدهم من يدركون انهم ليسوا امام خيار جدي ولا جبهة بديلة تصنع التوازن وأن الواقع في تونس مازال بعيدا عن خيار الطريق الثالث او نصفه او ربعه او حتى مضغة منه .





وان كان قطاع التجربة قد تصفح الحدث بشكل بارد وعابر فان العاطفة السياسية ركزت كثيرا على اجتماع الجبهة الشعبية الذي نشطته الاحد 7 اكتوبر بعض الاحزاب بقصر المؤتمرات بالعاصمة ، وتعلقت برغبة جامحة في الوصول الى شئ ما ، رغم ان كل الدلائل كانت تشير الى أن البوصلة في اجازة وان المعارضة تتحرك في كل الاتجاهات ماعدا الاتجاه الصحيح ، معارضة تفتح كل الابواب التي لا طارق لها وتترك البوابة التي اهتزت من الطرق والقرع موصدة مصفحة ، انتهت فعاليات قصر المؤتمرات وخرجت الجبهة الشعبية حمراء كما دخلت ورفضت مرة اخرى المعارضة التونسية أن تشرع في مهمة معارضة السلطة القائمة وتحدث التوازن المطلوب ، تمضي هذه المعارضة بعيدا في احلامها الوردية تحلق مع أدبيات ورشة العالم الثورية التي افلست وباعت مكتبة ثورة تسعطاش سبعطاش وباعت معها المناجل والمطارق الى القطاع الخاص، تتنكب بصيرتها عن تفاصيل الوطن ومشاغله اليومية ، وتأبى الاقتناع ان الشعب مكلوم مرتاب ، يعضه نصف قرن من الدمار الممنهج ، جافلا معرضا ، رغم ان السلطة التي انتخبها تخاطبه بالمقدس والطهر والوفاء ، تخاطبه بالله وبمحمد وبعمر وبالدغباجي وبصالح بن يوسف وفرحات حشاد وبالشهداء والمساجين..رغم كل ذلك ظل الشعب على شروده متحفزا يده على الزناد وعينه على الشارع ، افتطمعون أن يستجيب لكم وانتم تخاطبونه بماركس ولينين وستالين وروزا.. تخاطبونه بذلك الشعار التاريخي نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر .

كثيرا ما يدفع العناد بأصحابه بعيدا عن اشياء هي في متناولهم ، فأمام فراغات مزمنة في ساحات المعارضة وأمام اشلاء حزب مجرم يجر مَقَاتله يحمل في باطنه بذور الفناء ، يدوس على ضحاياه ، يشرف على الشعب من خلال ماضيه الكالح ويقترح نفسه بديلا بلا تردد ولا خجل ، امام هذا الفراغ والشح في المواد الاولية لتركيبة المعارضة ، اليس هناك من يتخلى عن الافكار المحنطة ويُبَسط المسالة ويلعن بليس ويقدم مقاربة سهلة في متناول الجميع قابلة للحياة صالحة للاستعمال ، ماذا لو خرجت الجبهة الشعبية على الناس بطرح وطني يحترم الهوية ولا يصادم الشعب في سياقه العام ، ماذا لو تحولت من عدائها الممنهج تجاه الترويكا الى حبها المخلص للشعب ومصالحه وغيرت اشغالها من صناعة الشغب والتوتر الى صناعة رصيد وبرامج وجسور تمدها مع الاخر المختلف ، وتنهمك في تكوين قاعدة جماهيرية تتحرك بها عوض التسلل الى تحركات عمال المناجم وعمال الحضائر والتسكع على النقابات ، تنقب في اجنداتها تستجدي اضرابا هنا و اعتصاما هناك و مسيرة هنالك تشارك في امتطائها مع جحافل الممتطين.



جل الذين باغتهم تجمع أزلام المخلوع في حزب النداء ، كانوا يمنون النفس بان هذا المعفر بدماء الاجيال الذي يطرح نفسه كقاطرة للمعارضة سوف يختفي بعد قليل ، خاصة بعد ان تناءت الى مسامعهم أخبار الحشود التي ما فتئت تتجمع وتُلاَحِمُ صفوفها ليوم الزينة ، يوم قصر المؤتمرات .. جاء اليوم ، أُنجز المؤتمر، أُّخلي القصر ، خرج المؤتمرون بلا زينة جو يطبوا فيها عموها ليس هذا فحسب إنما يبدو ان كثيرا من مكونات الجبهة ، مازالوا على منهجهم السابق يصرون على اعطاء الامان للتجمع العائد الى ساحة جرائمه ، بل ويساعدون في تأهيله وتذليل الصعاب أمامه ، كما انهم ماضون في توفير غطاء شامل لافراده حيث ما كانوا خاصة أولئك المبثوثون في المناصب والفضاءات الدقيقة الحساسة يمتصون دم الثورة ويخدرون مفاصل الدولة ، وبموجب نفوذ العديد منهم ومن اصدقائهم فقد ادخلوا التجمع الجديد نداء تونس في جوارهم ، وان كنا تجاوزنا حقيقة أن الدولة الشرعية لا يجير عليها ، تجاوزنا ذلك بحكم ان الحكومة صوفية الهوى لا باس لديها من التوسع في البدع ، فان الذي لا يمكن تجاوزه هو وجود بعض المحسوبين على التيار القومي العربي ضمن الزمرة التي تسعى لإجارة الازلام مع علمهم القاطع ان العرب لا تُدخل مُحدثا في جوارها.

كل شبر في تونس آهل أو غير آهل اذا قصدته اليوم وجدته يلح ، يطالب بضرورة انطلاق الموسم السياسي ، يبحث عن احزاب تُشكل المشهد وتعطي اشارة الانطلاق لعملية سياسية حضارية طال انتظارها ، فالمطلوب ليس بالمحال وهو بديهي عند كل تلك النخب التي قررت ان تحترم نفسها وتبجل شعوبها فأبدعت حين ذهبت تمارس السياسة بمفاهيمها الشائعة البسيطة الغير معقدة ، ليس مطلوبا من ساستنا ان يحققوا الخارق والمعجز في هذه المرحلة ، فقط التكرم ببعث حياة سياسية ترسي الثقافة الحزبية ، تطرح مناهج ورؤى ، تستهدف الجماهير، تقدم برامج ، تتنافس فيما بينها ، تتدافع ، تفتك المساحات دون عويل يَشِمُنا بالقصور ويسبب لنا الفضائح اقليميا ودوليا ودون تناطح وتناحر يكسر أثاث الوطن ويستهدف عرق جبين الأجيال في مقتل ويشوش على جثامين شهداء سبعطاش –اربعطاش وينغص على رفات الذين ماتوا قديما وحديثا مقهورين بغيصتهم.

لن تفلح حياة سياسية رأس مالها الغلظة والجفاء ومبلغ فعلها التحريض على العنف والتخريب وأعواد منابرها تضخ التصريحات الهامسة بالفتنة الصغرى حينا والصادعة بالفتنة الكبرى أحيانا ، ساسة تدوي حناجرهم بالفوضى الخلاقة مستعينة بمكبّرات الصوت ، تمشي بالفتنة تروجها في المجتمع وتصرخ بقوة خارقة تجاوزت كل درجات الديسيبل واخترقت حتى سلم الزغل - الاخزوري .


ها قد عاد التجمع يمشي الخيلاء ويجتاح أحلام الثوار وخرج الرفاق من قصر المؤتمرات كما دخلوا رفاقا خلصا ، لا تعتريهم شبهة الاخوة ولا الصداقة ولا الخُلَّة ولا المواطنة ، كما دوما وعبر العقود لا يخفظون اجنحتهم لبقية ألوان الطبيعة ، أحمر فاقع وإلا فلا ! وأقسمت المعارضة جهد ايمانها على انها لن تلعب دور المعارضة ابدا .. سدة الحكم بلا صناديق او الدمار الشامل ، معارضة مستعدة لاقتلاع الوطن من جذوره مقابل يوم في قصرالقصبة وليلته في قرطاج ، شعار مرحلتها كل مصيبة تهون بعد اسقاط الحكومة ، لذلك لم يعد امام الترويكا إلا ان تتدبر أمر هذه المرحلة ، وإن قدر الله وفشلت في إنقاذ السلعة تحاول على الاقل إنقاذ الشقف ، ثم اصبح لزاما عليها في المرحلة المقبلة أن تفك ارتباطها من اجل الصالح العام ، يذهب فريق إلى السلطة ويذهب الاخر لتاثيث المعارضة ، حتى يحدث التوازن ونتجنب المهازل ونعملوا دولة كيفنا كيف النَّاس .

بعد ان تقلصت طموحاتنا وغاضت أحلامنا ونزل منسوب أملنا تحت الحد الادنى ، لم تعد امانينا ان نكون رواد ثورة ننفرد ببراءة اختراعها ، فقد أصبحنا في ذيل الثورات بالكاد نتماسك ، تكاد تخور قوانا ، نرسل ايدينا بشكل عشوائي تبحث عمّا تلتقطه أو عمن يلتقطها ، لا شئ نمسكه أو يمسكنا ، تشفطنا الثورة المضادة شفطا ، نهمّ بالانهيار فتلوح امامنا ضحكات المخلوع الفاجرة الشامتة وقرقعة لوبانة تلوكها الحلاقة وهي تتعرض من شرفتها الفخمة لشمس جدة الدافئة ، تقترب أكثر من أذن الطاغية وتهمس ريت ماو قتلك شوية شوية تو يبعثولك جبهية ، فنغرس أصابعنا في الارض نمكنها أكثر كَيْمَا نتجنب الهاوية .. وحده التراب لا يتعبه الوفاء ، نغالب ردة هائجة تطلب راس الدولة وتبحث عن حتف الوطن ، أيها الشعب الكريم لقد كَوّرَتْ بنا المعارضة ودولة التجمع العميقة وضيعتنا حكومة محافظة غلب عليها الحياء فهي تغض البصر في غير موضعه ، وَهَا ثورة تونس في ذيل الثورات تصارع من أجل البقاء بعد أن كانت في أعلى الهرم تراهن على التتويج ..فلا نامت أعين الجبناء ..لا نامت أعين الجبناء.







Comments


14 de 14 commentaires pour l'article 55407

Elwatane  (France)  |Samedi 13 Octobre 2012 à 21:25           
A bat l'ideologie bourguibiste!

Swigiill  (Tunisia)  |Samedi 13 Octobre 2012 à 21:14           
"عندما أحاول الاختيار بين شرين ، فأختار الشر الذي لم أجربه من قبل"

Kammoula  (Tunisia)  |Samedi 13 Octobre 2012 à 21:10           
Je suis optimiste et cette période passée ne peut être que des leçons pour un avenir stable inchaallah!!!

AMDMED  (Tunisia)  |Samedi 13 Octobre 2012 à 08:54           
المشكل هو أن المعارضة التونسية ليس لها حتى أدنى برنامج سوى إفتكاك الكرسي فقط
أنا أتابع لقاآت المعارضة ولم أسمع يوما أن لنداء تونس أو غيرها من الأحزاب برنامج منهج معيّن و وعود يمكن أن تقدم بالبلاد و تخرجنا من عنق الزجاجة لم أسمع سوى مهاجمة شرسة للحكومة و لمناهج الحكومة في حين وجب إنك إنت كمعارضة تعطي تصوّراتك و برامجك للمستقبل
أنتم تريدون الحكم فاليكن لكم ذلك خذوه الكرسي و سنصوّت لكم لكن قبل ذلك من يضمن للشعب تحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية في غياب برامج حقيقية مدروسة لحزبكم

Citron  (Switzerland)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 18:57           
C'est un article à la con.la révolution en tunisie sera réussi malgrés le corbeau qui écrit cet article.magrés nos différence j'ai toujours confiance dans les tunisiens qu'ils nahdhaouis ou nida tounis ou cpr ou autre.

Kairouan  (Qatar)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 17:58           
Un message clair pour tout le monde

bravo

Anticomplot  (France)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 17:47 | Par           
@texmex
الكلام هذا ما يكون كان متاع واحد مالميليشيا متاع كمال لطيف و المومياء اللي يحب يرجع بيها حبيبو من السعودية

Hemida  (Tunisia)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 17:27           
C'est degoutant j'ai le tourniquet

MOUSALIM  (Tunisia)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 17:23           
يوم القيامة ليس يوم 23 أكتوبر بل بدأ يوم اعلان النتائج الانتخابية ودخلت النهضة الى القصبة .كان بركانا وظل يلقي بحممه الى اليوم ولم نرى شيئا جديدا .وتبدو تونسنا على الطريق الصحيح فزرع المشاتل ببلدي متواصل رغم الحمم البركانية فقد استمعت لوزير الفلاحة يتحدث عن خطة لاعادة انتاج البذور التونسية والقطع مع توريدها من الخارج حتى نضمن الأمن الغذائي للأجيال القادمة وهو أمر في غاية الأهمية ومن أجمل ما سمعت لاعادة لون ونكهة تونسنا الحبيبة .انه خبر يعيدنا
لحليب أمنا الذي حرمنا منه لعقود وأنجر عنه عقوق الكثيرين والتنكر لأمهم وكيف نطالبهم بحب أمهم ونحن نرضعهم حليب أمريكا وغيرها .فحب تونس ينمو مع تناولنا لدماء أرضنا وحليبها وبعدها ستحدث أشياء لا يصدقها عقل من حب الجميع لبعضهم البعض وتعلقهم بأمهم تونس الجميلة والرائعة والمدهشة الفاتنة لكل العالم ...

Najibbik  (Tunisia)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 17:19           
تــسـخـف فــيــنا بـــيــدوموع التـــمــاســيـح النـاس الكل فـاقت بــيــكم

Ammar  (Tunisia)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 17:18           
عجبي لقوم نادوا بالأمس القريب بحل التجمع يضعون اليوم اليد في اليد مع فلول نداء التجمع! و لكن لن يمروا!

Observateur  (Canada)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 17:11           
Qui peut nous dire qu'est ce qu'il est entrain de mijoter dans son chaudron, le diable rouge sur la caricature?

SISSOCO  (Tunisia)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 16:53           
لا تبتئس يا أخانا...... سيهزم القوم و يولون الدبر....

Toonsie  (Tunisia)  |Vendredi 12 Octobre 2012 à 16:44           
هات شكون يسمعك من أشباه السياسيين الي عندنا


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female