تعدد الزوجات و ميراثنا من اللغة الخشبية

بقلم
كريم السليتي
كريم السليتي
لقد ملّ المواطن التونسي اللغة الخشبية التي صُدّعت بها أذان التونسيين طوال 55 سنة حول المكاسب الحداثية للمرأة التونسية و التي تُختصر في منع تعدد الزوجات و اعتبار ذلك أكبر إنجاز تاريخي تم تحقيقه. لقد ملّ المواطن التونسي هذه الترهات، و المبالغات و تصوير التفاهات على أنها منجزات عملاقة في ظل غياب الإنجازات العملاقة الحقيقية و تتالي التجارب التنموية الفاشلة في تونس طوال 55سنة.

المواطن التونسي يعلم بأنها شعارات سياسية فضفاضة ترفعها الأنظمة الديكتاتورية للتغطية على العجز في بناء دولة حديثة وديمقراطية حقيقية و اقتصاد قوي .
ثم ان المواطن التونسي يتساءل: طيب لدينا المكاسب الحداثية للمرأة التونسية منذ نصف قرن فماذا جنينا مقابلها؟ هل تحصلت امرأة تونسية على احدى جوائز نوبل، لا، بالعكس تحصلت عليها امرأة يمنية. هل أصبحت المرأة التونسية رئيسة وزراء أو رئيسة دولة أو حتى وزيرة داخلية أو عدل أو خارجية أو دفاع؟ لا، يحدث هذا في باكستان و سريلنكا و بنقلاداش لكن ليس في تونس. ثم لننظر لأفضل الباحثات المسلمات في كبريات الجامعات العالمية نجد جميع الجنسيات تقريبا دون تفريق بين الدول لها مكاسب حداثية و أخرى بدون مكاسب.
بل إن اليابان الذي يمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم و أقوى اليلدان حداثة (بالمعنى الحقيقي للحداثة) و تطورا اقتصاديا و علميا يعتبر في المنظور الغربي من البلدان التي تعاني فيه المرأة من الدونية و تحمل ثقل اجتماعي ثقيل، و مع ذلك لم يحل ذلك دون تطور هذا البلد وتحقيق أقصى درجات النجاح على المستوى العلمي و الاقتصادي و كذلك الاجتماعي بحكم تجذر ثقافة العائلة و ترابط الأجيال في اليابان.
اذن ما الفرق بين الدول الاسلامية الاخرى التي ليس بها مكاسب حداثية للمرأة و تونس الرائدة في الحداثة؟ لاشيء سوى أننا نعاني من نسب طلاق هي الأعلى في العالم، وانعدام التوازن الّأسري في كثير من العائلات (كي لا نقول انتشار الخيانة الزوجية) و ما ينجر عنه من أثار سلبية على الاطفال من اضطرابات نفسية و فشل مدرسي و حتى شذوذ في بعض الاحيان. نعاني أيضا من أبشع استغلال و تحرش جنسي بالنساء خاصة في وسائل النقل العمومية و أماكن العمل، الفتاة التونسية تعاني من تأخر سن الزواج وشبح العنوسة واستغلالها ماديا بعد الزواج بتعلة المساواة و اذا طُلقت أو أصبحت أرملة فان حظوظها في الزواج تصبح تقريبا منعدمة – فمن يسمع من الحداثيين معاناتها؟-.
عند الحديث عن تعدد الزوجات يذهب تفكير البعض مباشرة للجانب الجنسي من المسألة، و في الحقيقة فإن الجانب الجنسي ليس سوى la cerise sur le gateau لأن الحياة الزوجية أوسع و أشمل بكثير من مجرد العلاقة الحسية.
و الاسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يتزوج سوى بكرا واحدة فقط. و بالتالي فإن هدف تعدد الزوجات هو كفالة المرأة المسلمة مهما كانت وضعيتها الاجتماعية (بكر، مطلقة ، ارملة...) و ضمان عزتها و كرمتها و عدم امتهانها أو تركها فريسة سهلة للقلوب المريضة و النفوس الدنيئة و عبّاد الشهوة.
ثم أليس الحداثيون من العلمانيين و الالحاديين دعاة للحرية المطلقة، فلماذا في هذه النقطة بالذات يتشبثون بمنع التعدد ويجيزون تعدد الخليلات و العلاقات العابرة خارج الزواج، بل و يشجعون على التحرر من الضوابط الاجتماعية و ينادون بحرية التصرف في الجسد و ...و... أليس في هذا تناقض كبير، أم أن كل همهم هو مخالفة القرآن و السنة و جر المسلمين الى الوقوع في الحرام و تطبيعه في حياتهم.
لنترك للمرأة الحرية في الاختيار وللرجل كذلك. أم أننا لابد أن نلتزم بالديانة النصرانية المحرفة التي تمنع التعدد و تحرم الطلاق الى الأبد، أليس في منع التعدد اقتداء بالنصرانية و مخالفة للنصوص القرآنية التي أجازت التعدد لمن يستطيع.
ثم أنظر كيف جعلوا من منع التعدد نصا مقدسا لا يقبل النقد بل و اعتبروا كل من ينتقده و كأنه كذب بمحرقة اليهود. وربما لو فاز العلمانيون بالانتخابات لجرموا من ينتقد منع التعدد. و الدليل على ذلك منع النشر في هذا الموضوع في كل الجرائد التونسية تقريبا و عدم طرحه للنقاش على شاشات التلفزة و في الاذاعات ، اللهم الا لكيل السب و الشتيمة لمن ينادي بالحرية –حرية التعدد- و إعتبار من يفعل ذلك رجعيا و ظلاميا و متنازلا عن المكاسب الحداثية للمرأة. بل اني أقول أنه من النادر وجود كتابات تنادي صراحة بطرح الموضوع على النقاش وبالقضاء على هذا الطابو الذي لازمنا أكثر من نصف قرن، علينا أن نتحرر من الخوف و نتجرأ على المواضيع التي صُنمت و أُلهت، في حين أنها مباحة في ديننا و دنيانا و مطروحة للنقاش بل و مباحة في جميع الدول الاسلامية و حتى الغربية. لذلك فإننا مدعوون لتغيير النموذج الفكري السائد داخل كل واحد منا Paradigm shift و الى تطبع علاقتنا بالتعدد و قبول هذا الموضوع، وعدم تصنيفه من المنوعات أو من من يتجاوز الخط الاحمر.
نحن في تونس لن نحقق أي حداثة حقيقية و أي تطور، إذا بقينا في الجدل العقيم و التنبير و انتقاد كل شيء، يجب أن نقبل بالتغيير و بالحرية لكل فرد في أن يقرر مصيره. لقد صارت قضية المرأة التونسية تجارة يتزايد عليها، في كل محفل من قبل مرتزقة الحقوق و الحريات، لكننا لم نراهم في حياتهم الخاصة يطبقون ما ينظرون اليه مع زوجاتهم و بناتهم أو موظفاتهم. فمنهم من ينادي بالمساواة في الارث و قد أكل ميراث أخواته و أمه و منهم من يعارض تعدد الزوجات و له من الخليلات ما لا يحصى ومنهم من يتحرش بموظفاته و لا يعطيهم نفس حقوق الذكور من الموظفين. لذلك علينا أن لا ننخدع بالتنظير و الدروس الخشبية في حقوق المرأة من تجار هذه القضية، علينا أن نعمل من أن أجل بناء مجتمع متكامل متزن، المرأة فيه سكن للرجل.
عندما أقول هذا الكلام فلا يعني أني سأعدد و أن حلمي هو الزواج بأكثر من واحدة، و لكن حلمي هو أن لا نمنع ما أحل الله و أن نتقي الله في نسائنا اللاتي وصى النبي الأكرم بإكرامهن و عدم اذلالهن و بأن يبقين عزيزات لا سلعة تباع و تشترى و توزن بالكلغرامات. لا نريد أن نرى المرأة التونسية محتاجة، تعرض مفاتنها في اشهارات الحذاء و السجارة و الثلاجة كي تكسب القليل من المال لتعيل نفسها و عائلتها، و عندما تكبر و تهرم يلقى بها على قارعة الطريق، لا نريد أن نرها عانسا ينظر اليها الطيبون بالشفقة و الخبثون بالطمع في جسدها. نريدها مكرمة عزيزة و مصونة متوازنة في بيتها مع زوجها و أبنائها، نريد أن نراها عقلا و علما و عفة و حياء لا إغراء و ميوعة.
Comments
59 de 59 commentaires pour l'article 53781