متى ينتهي الانتظار والثورة التونسية قد بدأت في الاحتضار ... ! !؟؟<

بقلم : محمد كمال السخيري
لا أدري متى سينتهي الانتظار والثورة بدأت في الاحتضار...!! ؟؟ فكلّ التبريرات المقدّمة من قبل الحكومة الانتقالية المؤقتة لصعوبة الانطلاق في تحقيق ولو بعض أهداف الثورة لن تشفي غليل المواطن التونسي الذي هو في أشدّ الحاجة لتلمّس بعض التغييرات المحدثة على كلّ الأصعدة وخاصة في مجالات التشغيل والرقيّ الاجتماعي والحدّ من غلاء الأسعار التي باتت تؤرّق كلّ أبناء الوطن بينما يزداد عدد المحتكرين و المستكرشين والخارجين عن القانون يوما فيوما ولا رادع لهم في الوقت الحاضر سوى الأنين الصامت المتواصل للفقراء والمحتاجين .
إنّ المتابع الذكيّ والمتأمّل المتفحّص لما يحدث اليوم في تونس يكتنفه الشكّ وتتقاذفه رياح الحسرة وتستبدّ به الأسئلة المضبّة حول بعض المؤشرات الخطيرة الموحية بإمكانية ارتداد الثورة الشعبية على الظلم والاستبداد وربّما احتضارها وذلك ما لا يتمناه أيّ تونسي يغار على مكاسب وطنه ونضالات رجاله من شهداء وجرحى وكلّ من ساهم في بناء تونس الحديثة .
وقبل تناول بعض هذه المؤشرات تجدر الإشارة بل يستوجب التأكيد على أنّه لا يمكن البتة الشكّ ولو للحظة أنّ هناك من الوطنيين الصادقين من يتربّص بالحكومة الشرعية الحالية ولو كان موقعها الزمني مؤقتا أو يتمنّى لها الفشل وإن اختلفت الآراء في نسب نجاحها أو الإقرار بفشلها في اتخاذ بعض القرارات حتّى وإن كانت سهام النقد لاذعة أحيانا وذلك لأنّ الرأي المخالف البناء يدفع الحكومة للإصلاح والانتباه لبعض المزالق ويوجّهها للأصلح وكثيرا ما يكشف لها عن بعض الخفايا المبهمة والطلاسم السياسية التي تتطلب المزيد من الدربة والمران والحنكة السياسية قبل اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب. وإنّ ما يبعث على الخوف من انتكاسة الثورة اليوم حسب تقديري المؤشرات التالية :
1 - بطء القضاء في البتّ نهائيا في كلّ القضايا المتعلّقة بالشهداء والجرحى .
2 - التردد في تحديد القائمة النهائية للشهداء والجرحى حتّى تصرف التعويضات لمستحقيها دون غيرهم ويمكن تفهّم ذلك لحساسية القرارات المتخذة في هذا المجال ولا يمكن بأيّ شكل من الأشكال أن تكون القائمة النهائية في حدود ما قدّم من طلبات وملفات من قبل المشتكين خاصة وأن في مصر التي كانت ثورتها أكثر دموية لم يتجاوز عدد الجرحى بها 1200 جريحا تقريبا .
3 - عدم إصدار مرسوم أو قرار - في انتظار كتابة الدستور الجديد - يتعلّق أساسا بالحريات الفردية ويبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين وخاصة لدى المثقفين منهم .
4 - عدم تفعيل المرسومين المتعلقين بحرية الصحافة واللذين ينسحبان بصورة غير مباشرة على الكتاب والمفكرين وكلّ من له علاقة بالنشر.
5 - عدم الإجهار بقرارات فعلية لإنجاز مشاريع تنموية حقيقية بالمناطق الداخلية.
6 - التراجع عن إحداث 400 ألف موطن شغل كما صرّح بذلك أحد أعضاء الحكومة ليصبح في حدود 100 ألف فقط حسب التصاريح الأخيرة وهو ما يتنافى مع المبادئ الأساسية لتحقيق أهداف الثورة .
7 - عدم الانسجام والتباين الواضح بين مواقف أعضاء الحكومة من بعض الأحداث والظواهر الاجتماعية وهو ما يؤكد عدم التنسيق بينهم ويمتدّ الأمر لما هو أخطر أحيانا لما نلحظه من تصادم مبطّن بالتوافق بين الرئاسات الثلاثة أحيانا .
8 - عودة النعرات العشائرية والقبلية في بعض جهات الجمهورية في هذا الوقت بالذات تؤكد وجود قوى خفية تعمل على إجهاض كلّ ما تعلّق بالوحدة الوطنية التي أرسيت دعائمها منذ الاستقلال ولا أعتقد البتة بأنّ الأمر لا يعدو أن يكون سوى اشتباكات بسيطة بين شابين في سوق أسبوعية أو خصام من أجل قطعة أرض قام بين جارين كان سببا في اندلاع حرب أهلية كما تسوّق لذلك بعض القنوات الإعلامية والأخطر من ذلك أن تمتدّ ألسنة لهب هذه الفتنة الشعواء إلى كلّ مناطق البلاد وتلك المصيبة الكبرى.

9 - عودة الصراع البورقيبي اليوسفي بين جميع التيارات الفكرية وحتّى الراكبين على الأحداث في الوقت الذي يتوق فيه كلّ المواطنين إلى تحقيق العدالة الانتقالية في أسرع وقت ممكن على أساس محاسبة المذنبين في حقّ الوطن والأشخاص وإرجاع الحقوق المسلوبة لأصحابها المظلومين .
10- تبنّي الفكر البورقيبي لبعض الأحزاب الحالمة باسترجاع ولو جزء من النفوذ السياسي وتناسلها من بعضها البعض وقد تناسى بعض قياداتها خيانتهم الموصوفة للزعيم الحبيب بورقيبة أياّم إقامته الجبرية والممارسات المقيتة لمحوه من الذاكرة الوطنية بينما كانوا يهرولون وراء المناصب والكراسي المهترئة العرجاء و نفسي نفسي ولا يرحم من مات وينطبق هذا الأمر كذلك على من يتبنون اليوم وبشراسة الفكر اليوسفي ويمتطون به صهوة التفرقة وتجريم الآخرين دون إثباتات دقيقة لا تقبل القدح فيها وقد تفرّق بين أبناء الوطن الواحد أكثر من أن توحّد بينهم .
11- ما يحدث أحيانا بالجامعات من صدامات بين طلبة العلم قد تصل أحيانا إلى ممارسة العنف يؤشّر على أنّ ذلك كان ولن يكون إلاّ بدفع ودعم خارجي من أطراف سياسية وفكرية مختلفة متناحرة ترمي إلى بثّ الفوضى والبلبلة داخل الوطن وتعمل جاهدة على تعطيل ما تقوم به الحكومة الحالية من مجهودات ومحاولات للشروع في الإنجاز وهو ما يؤثر سلبا على صورة تونس في الداخل والخارج.
12 - بروز بعض أشكال ومظاهر التطرّف في الفعل والقول من أطياف مختلفة فكريا وسياسيا من تدنيس للمقدسات الدينية والوطنية والتعامل السيئ لبعض المحسوبين على الإعلام لسرد الوقائع والأحداث وتحليل يحيل إلى المواقف العاطفية والشخصية لناقل الخبر ذاته وأبعد ما يكون عن قدسية المهنة.
13 - تنامي تجارة واستهلاك المخدرات وتسريب الأسلحة وخاصة من جهة الحدود الجنوبية من أخطر المؤشرات لتهديد الثورة التونسية وتعتبر الخيط السرّي لنجاح مخططات قوى الردّة في الداخل والخارج وإجهاض إنجاز هذا الشعب الأبيّ الذي لا أعتقد إطلاقا بأنّه غافل عن مثل هذه المخططات وإنّي لعلى يقين من فطنة جيشنا الوطني وكلّ الفصائل الأمنية وحبّهم وإخلاصهم اللامتناهي لهذا الوطن العزيز والتعامل الذكيّ مع كلّ الأخطار التي باتت تهدد أمننا واستقلالنا وترنو إلى تشتيت شعبنا.
هذه بعض المؤشرات – وقد احتفظت بالبعض الآخر عمدا - التي توحي بإمكانية انتكاسة الثورة التونسية خاصة وأنّها تمثل العقبات الكبرى للحكومة الحالية وقد تطمس بعض إنجازاتها التي تبدو متثاقلة في سيرها عن قصد أو غيره ولكن الأخطر من كلّ ذلك إذا ما عجزت الحكومة نفسها عن إيقاف هذا النزيف باتخاذ القرارات

Comments
4 de 4 commentaires pour l'article 53141