مبادرة ايجابية من الاتحاد.. قد تجهضها التفاصيل

بقلم شكري بن عيسى(*)
لنكن صريحين أن الاتحاد هذه المرة من خلال المبادرة الأخيرة غيّر تماما نبرته ومضمون خطابه وخلفياته التي كانت مشبوهة فيما مضى وأيضا موقعه المتعالي موضحا بان المبادرة ليست ضد أي طرف ولا بديلا عن الحكومة أو الشرعية وإنما كقوة اقتراح.. لا غير. الايجابية واضحة على ما يبدو وكذلك حسن النوايا والواقعية والعمق أيضا.
لأول مرة يراعي الاتحاد الظرف ويبتعد عن لغة التعالي واستنقاص الحكومة وخطاب الابتزاز والتهديد.
لم يستغل الظرف الحساس والدقيق ليفرض أو يضغط في اتجاه حل الحكومة في سياق الأجندات الحزبية المعارضة ولم يتجاوز حدوده وتحدث بلغة العقل والاتزان والحكمة والوحدة الوطنية والتوافق وكأن الاتحاد يريد أن يسترجع دوره التاريخي في تحرير البلاد وبناء الوطن ويتجاوز أخطائه الماضية ويكفر عن تخاذل وتواطؤ قيادته ضد الثورة ويتراجع عن خيار التعطيل والإرباك الذي انتهجه منذ نتائج 23 أكتوبر.

فعلا نحن في حاجة اليوم إلى مثل هذه المبادرة:
أولا/ لتنقية الأجواء بين الحكومة والاتحاد
ثانيا/ لاسترجاع الاتحاد لمكانته ودوره صلب قطب الثورة
ثالثا/ لتوحيد الجهود في القضايا الحاسمة والدقيقة التي لا يمكن أن تقرر فيها الحكومة لوحدها أو تتحمل فيه المسؤولية منفردة
رابعا/ لخلق وحدة وطنية خارج الجهاز التنفيذي للدولة تطلبتها طبيعة المرحلة الانتقالية والاستحقاقات الثورية بعد أن بات مستحيلا قيام حكومة وحدة وطنية
خامسا/ لاستيعاب الحكومة لكل القوى والأطراف الوطنية الثورية وتشريكها في القرار للابتعاد بها عن التعطيل والهدم والمعارضة السلبية الإحباطية
وبصفة عامة لإنجاح الفترة الانتقالية واستكمال المهام الثورية بتجنب الصراعات الأيديولوجية والهامشية ولم الجميع على قواعد حد أدنى يتفق حولها الجميع.
المبادرة أشارت إلى أن المنطلق هو الإدارة الجماعية للمرحلة الانتقالية و حماية الانتقال الديمقراطي ما يتنزل في مسار تعميق الوحدة الوطنية . حددت أيضا الغاية من إحداث مجلس وطني للحوار في كونه أداة فعالة في إدارة الخلافات والتوصل إلى توافقات. أما رزنامة الاجتماع فهي دورية .
المشكل الذي بقي هو في الأطراف المشاركة وآلية إدارة الحوار واتخاذ القرار وموقع كل طرف
فالمكونات المقترحة من حكومة و أحزاب و منظمات و جمعيات لا يمكن أن تكون على نفس المستوى والدرجة.. ثم إن عدد كبير من المنظمات والأحزاب والجمعيات لا تزال مرتبطة عضويا آو هيكليا بعصابة التجمع وحتى المخابرات الأجنبية.. ناهيك على أن العدد المرتفع للمكونات المقترحة قد لا يسمح بإجراء حوار فعال في آجال مطلوبة.. ولم أثر مسألة التمثيلية والمشروعية الشعبية والوظيفية التي نجدها مفقودة داخل بقية المكونات المقترحة.
الإشكال الثاني يتمثل في تعارض الهيكل المقترح مع المؤسسات الشرعية الموجودة وخاصة المجلس التأسيسي الذي يتحمل وظيفيا وقانونيا نفس الدور والصلاحيات.
الإشكال الثالث يتمثل في الطرف الذي سيشرف على إدارة الحوار هل سيكون رئيس الجمهورية أم سيكون تناوبيا وبأية مقاييس ووفق أي أسس.
المسائل المعروضة المتعلقة بالشهداء والجرحى والشفافية في الانتدابات وروزنامة الانتقال الديمقراطي ولجنة الانتخابات والهيئة الوقتية للقضاء ولجنة تقصي الحقائق والعدالة الانتقالية وحياد الإدارة وإصلاح المنظومة البنكية والأمنية فعلا قضايا كبرى تستحق توافقات، وليست وحدها، فربما غفل الاتحاد عن تطهير وإصلاح القضاء والإعلام والبحث في قضية المديونية.. وخاصة قانون العزل السياسي للعصابة التجمعية.. ولما لا تقييم دور الاتحاد ومحاسبة قيادته عن تقصيرهم وخيانتهم للثورة في عديد المواقف.
الحكومة في كل الحالات وجب أن تلتقف المبادرة وتتعامل معها بايجابية وتبحث عن نقاط الالتقاء والتعاون وما يمكن تنفيذه والتوافق حوله. فلا يجب رفضها أو قبولها قبل الحوار حولها كما لا يجب التعامل حولها بمنطق القبول الكلي أو الرفض الكلي لأنه قد يكون الاتفاق جزئيا وفي كل الحالات ففيه فائدة معتبرة.. على الأقل من ناحية مد اليد للتواصل والحوار لوضع حد للتجذابات المدمرة والصراعات العقيمة.. التي خسرت من ورائها الثورة.. وتضرر منها الشعب كثيرا.
(*) قانوني ومحلل سياسي
Comments
21 de 21 commentaires pour l'article 50888