رسائل النهضة إلى خصومها

بقلم عبد الرزاق قيراط
بعد الوثائق التي سرّبتها مجموعة أنونيموس تونس، قرّرت حركة النهضة،على ما يبدو كشف الغطاء عن بقيّة رسائلها حسب ما فُهم من صراحة لطفي زيتون المستشار السياسي لرئيس الحكومة في برنامج سمير الوافي على قناة حنبعل. كانت المحاورة حافلة بالأسئلة عن كلّ ما يهمّ الحياة السياسيّة و ما يتّصل بتجربة النهضة في الحكم، و لكنّنا سنركّز في هذه الورقة على رسائل بعينها حاول لطفي زيتون تمريرها إلى الخصوم السياسيّين لحزبه.
بعد الوثائق التي سرّبتها مجموعة أنونيموس تونس، قرّرت حركة النهضة،على ما يبدو كشف الغطاء عن بقيّة رسائلها حسب ما فُهم من صراحة لطفي زيتون المستشار السياسي لرئيس الحكومة في برنامج سمير الوافي على قناة حنبعل. كانت المحاورة حافلة بالأسئلة عن كلّ ما يهمّ الحياة السياسيّة و ما يتّصل بتجربة النهضة في الحكم، و لكنّنا سنركّز في هذه الورقة على رسائل بعينها حاول لطفي زيتون تمريرها إلى الخصوم السياسيّين لحزبه.
كانت البداية، بالموقف من شخصيّة الباجي قايد السبسي، الذي يتمتّع بكاريزما بورقيبيّة، و قد أبدى زيتون لهذا الخصم السياسيّ كما نعته كلّ الاحترام ، و لكنّه لا يراه مخيفا لحركة النهضة كما يُعتقد و ليس قادرا على تشكيل كيان سياسيّ ينافسها بجديّة، لذلك شبّه حجمه الحقيقي بملح الطعام أو التوابل التي تعطي نكهة للحياة السياسيّة . و بهذا التشبيه، بعث زيتون برسالة إلى قايد السبسي و كلّ الذين يسعون إلى إعطائه دورا رياديّا محصّلتها أنّهم لا يمثّلون قوّة تذكر أو تهديدا يُهاب، كما نبّه إلى خطر كبير يتربّص بكلّ من يتحالفون مع التجمّعيين أملا في الوصول إلى السلطة، و تلك رسالته الثانية.

و قد جزم في سياقها بأنّه لا أمل للتجمّعيّين في العودة إلى الساحة السياسيّة و لا مستقبل لهم بعد الجرائم التي ارتكبوها في حقّ شعبهم طيلة العقدين الماضيين. و استغرب من جرأة بعضهم على الحديث باسم الثورة، و ذكّرهم أنّ ثورة التونسيّين لم تتوقّف بسقوط المخلوع و إنّما بحلّ التجمّع، و نفس هذا الشعب الذي تسامح معهم، قد يتعامل معهم بقسوة أكبر إذا أصرّوا على العودة، و لتجنّب المخاطر التي تتربّص بهؤلاء في صورة عودتهم، نصحهم بالمكوث في بيوتهم درءا للفوضى والفتن و العنف، فليست كلّ المدن مثل المنستير، و طردهم من صفاقس يعتبر أمرا هيّنا أمام ما قد يحدث لهم في القصرين أو تالة حيث سقط عشرات الشهداء للإطاحة بدكتاتوريّة بن علي و حزبه.
و في سياق متّصل بالعنف و ما وقع في بعض الجهات من اعتداءات على بعض الشخصيّات السياسيّة و الفكريّة، سئل لطفي زيتون عن جوهر بن مبارك فقال مبتسما إنّه لا يعرفه، و قد اكتشفه في الأيام الأخيرة بعد أن ركّز عليه الإعلام فرأى فيه ممثّلا بارعا لأنّ ما قاله عن العنف الذي تعرّض له في الجنوب التونسيّ افتراءات لا أساس لها من الصحّة مشيدا بأخلاق أهالي ولاية قبلّي و ما عرفوا به من كرم الضيافة. و لعلّ زيتون أراد بتجاهل هذا الناشط أن يستفزّه و يستفزّ الإعلام الذي يحتفي به و بأنشطته مؤكّدا أنّ ذلك الإعلام مازال يخطئ في حقّ الشعب، مادام يزوّر بعض الحقائق و المعطيات كما كان يفعل في عهد المخلوع. فيرسل بما يبثّه من ادّعاءات بن مبارك و غيره صورا قاتمة تهدّد الموسم السياحي و تعيق الاستثمار .
و بسؤاله عن ملفّات البوليس السياسيّ، كرّر زيتون ما صرّح به سابقا معتبرا أنّ وزير الداخليّة تبنّى موقفا نبيلا حين اختار التكتّم على أسرار العائلات التي انتهكت حرماتها في العهد السابق. و أضاف تلميحا أنّ تلك الملفّات لا تدين الصحفيّين فقط وإنّما تكشف عن تورّط شخصيّات من المعارضة، مؤكّدا أنّ فتحها لن يكون إلاّ أمام لجان قضائيّة بعيدا عن الغايات التشهيريّة.
و تلويح زيتون بورقة القضاء باعتبارها الحلّ الأنسب لمعالجة بعض القضايا شمل الذين اخترقوا البريد الإلكتروني لقيادات من حركته، مؤكّدا و بثقة كبيرة أنّ هؤلاء سيحاكمون قريبا و سيقفون أمام القاضي بدون أقنعة، لأنّهم ارتكبوا جريمة يعاقب عليها القانون.
و الخلاصة من كلّ ما تقدّم، أنّ حركة النهضة التي تمارس الحكم منذ أشهر، و بعد حصولها على وزارات السيادة، استطاعت بحكم تلك المواقع أن تطّلع على ملفّات خطيرة، كما تمكّنت من آليّات الرقابة التي ساعدتها على تحديد هويّة العناصر التي اخترقت بريدها، و لعلّ إبقاءها على بعض المسؤولين الكبار من الحكومات السابقة برتبة مستشارين ينمّ عن استفادة استخباريّة منهم بشكل أو بآخر،
و لا يفهم بالسطحيّة التي اعتبرته رفضا لتطهير الوزارات من أزلام النظام السابق. و كلّ ذلك يفسّر الثقة الزائدة التي تكلّم بها زيتون عن كلّ القضايا، و يعزّز المقولة التي ترى أنّ حركة النهضة ستستفيد إلى حدّ كبير من تجربة الحكم بفضل ما ستطّلع عليه من أسرار، و ما ستكتشفه من وثائق، و ما ستدخله من مواقع ، و ما ستؤسّس له من قنوات التواصل في الداخل و الخارج، و ما ستقع فيه من أخطاء كذالك.
و لكنّ السؤال المحيّر يتّصل بالهاشمي الحامدي الذي قد يكون المزعج الحقيقيّ للحركة و لغيرها من الأحزاب، لذلك أرسل إليه زيتون رسالتين قصيرتين فقال له: عد إلى رشدك ، بعد أن بالغ في مهاجمة الحركة، و أضاف: عد إلى وطنك في محاولة لطمأنته بخصوص تلك العودة متسائلا ما الذي يخيفه من الرجوع إلى البلاد؟
فكيف سيجيب الحامدي و غيره من الخصوم الذين خاطبهم زيتون؟ الإجابة لن تتأخّر، و لعلّها ستأتي بصفة فوريّة عبر وسائل الإعلام كالمستقلّة لصاحبها الهاشمي الحامدي، و نسمة التي ستدافع عن حلفائها، و غيرهما من القنوات و المواقع الاجتماعيّة و الصحف الورقيّة. الكلّ سيحاول الردّ بشكل أو بآخر، و لكنّ رسائل النهضة تحتاج على الأرجح إلى قراءات و تحليلات معمّقة بدل التسرّع في الردّ عليها، لأنّ الردود المطلوبة لن تكون مقنعة إذا اقتصرت على التصريحات المضادّة، و لم تتبعها الأفعال التي من شأنها أن تثبت قوّة من استضعفهم زيتون و تجاهل تأثيرهم في مسيرة الانتقال الديمقراطيّ.
Comments
45 de 45 commentaires pour l'article 48994