كاتب حائر في الزمن الجائر

<img src=http://www.babnet.net/images/sadclown.jpg width=100 align=left border=0>



منذ نحو ثلاث ساعات وأنا جالس أمام الكمبيوتر، أكتب بضع كلمات ثم أشطبها، لأنني أمر بحالة القحط في الأفكار التي تغشاني عدة مرات في السنة.. حقيقة الأمر هي أنني لا أعاني من قحط في الأفكار بصفة عامة ، بل في الأفكار التي من المسموح لي تناولها.. وبصراحة أكثر فإنني أستطيع أن أكتب ثلاثة أو أربعة مقالات يوميا في مواضيع مختلفة، ولكنها لن تنشر إذا كتبتها بالطريقة التي ترضي ضميري وتريحه، ومن ثم قد يلحظ القراء أنني في وادٍ ومعظم الكتاب الصحفيين في وادٍ آخر،.. هم يتحدثون عن قمة شرم الشيخ والانتخابات العراقية والجنجويد وكوندوليزا رايس، بينما قلّ أن تجد أثرا لتلك الموضوعات في مقالاتي، وبدون تواضع فإنني أقول إنني ملمٌ بأبعاد القضايا المعاصرة،.. ليس لأنني مثقف جهبذ، ولكن لأن ذلك أكل عيشي ، وبما أنني اخترت لنفسي رؤية الأشياء وطرحها بطريقة معينة، فإنني أعرف جيدا أن خوضي في تلك الموضوعات سيجعل زاويتي هذه ضمن قائمة الأشياء التي سادت ثم بادت،.. فلو أصبت بلوثة عقلية وقررت الكتابة في الموضوعات آنفة الذكر فقد أقول عن قمة شرم الشيخ إنها شرم برم كعب الفنجان وعن الانتخابات العراقية إنها كانت عرقية ، وعن الجنجويد في دارفور في غرب السودان إنهم يمثلون سلالة منتشرة في سائر أرجاء العالم العربي، وعن وزيرة الخارجية الأمريكية الجديدة إن اسمها أناكوندا ليزا رايس وأناكوندا ثعبان ضخم ومخيف في حوض نهر الأمازون لا تستطيع فريسة الفكاك منه! هذه عينة مما كنت سأقوله، وما خفي أعظم ويودي في داهية! ولهذا ظللت جالسا لعدة ساعات أحك فروة رأسي على أمل أن تجود علي بفكرة أو طرف خيط يجعلني أكتب شيئا يجعلني في السليم .. وكان حالي مثل حال طلاب مصريين قرأت حكايتهم عند نهاية العام الدراسي في عام 1998، ففي امتحان الشهادة الثانوية العامة، عجز طالب عن فك طلاسم ورقة اللغة الإنجليزية وملأ ورقة الإجابة بالنص الكامل لقصيدة الأطلال التي كتبها الدكتور أحمد ناجي وغنتها أم كلثوم،.. (تابعت مؤخرا برنامجا حواريا في إذاعة هنا لندن بمناسبة مرور ثلاثين سنة على وفاة أم كلثوم وقال معظم من شارك في البرنامج إن باب الاجتهاد في الطرب أقفل بعد وفاتها،.. بينما قال آخر إن أم كلثوم كانت ضالعة في مؤامرة لإلهاء الشعب العربي عن قضاياه ومعاناته... وأثناء زيارتي الأخيرة إلى السودان التقيت بطفلة حلوة كانت ترتدي فستانا كله هلاهيل وخيوط متناثرة عمدا ، وسألتها عن سر اختيارها لذلك الفستان فقالت: ده فستان نانسي عجرم، وعندئذ أدركت أن العجرمية أخطر من الجنجويد) .. طالب آخر اطلع على أسئلة ورقة الأحياء وأدرك أنه سيصبح من الأموات لأنه لم يجد سؤالا واحدا يجيب عليه فكتب على ورقة الأجوبة ارحموني... أنا غلبان .. طالب ثالث وقف كحمار الشيخ في العقبة مع ورقة الرياضيات وكتب عليها طالبا الرأفة لأنه عامل في مخبز بلدي.. وأكثر ما أغضبني أن السلطات التعليمية في مصر قالت إن أمثال هؤلاء الطلاب سيحرمون من الامتحانات لأنهم يعبثون بـ قدسيتها .. كيف تكون الامتحانات مقدسة وهي تتعلق بمناهج ملوثة، رغم أنها بلا لون أو طعم أو رائحة؟



جعفر عباس




Al Watan



Comments


0 de 0 commentaires pour l'article 1425


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female