لماذا تعادي النخبة التونسية حركة النهضة؟

بقلم الأستاذ بولبابه سالم
قرات تدوينة للسيد زياد الهاني يقول فيها ان النخبة التونسية تعادي حركة النهضة ، طبعا ما قاله صحيح بنسبة كبيرة لأن الهجمة الأشرس التي تعرضت لها النهضة كانت من النخب كما زادت تصريحات السيد راشد الغنوشي في تأكيد الأمر عندما قال ذات مرة أنه ينبغي على حزبه أن يفتح صفحة جديدة مع النخبة التونسية التي ترفضها في مجملها ، و كان قد صرح عند خروج النهضة من الحكم سنة 2013 انه لا يمكن لحزب ان يحكم اذا كانت نخبه تعاديه . لكن ما الذي جعل النخبة التونسية تعادي حركة النهضة ؟
عندما نتحدث عن النخب ينبغي ان نميز بين النخبة التي كانت سائدة قبل 7 نوفمبر 1987 و ما بعده ، فلم تكن كل النخب في عهد بورقيبة مثلا تعادي حركة النهضة ، بل كانت تختلف معها فكريا لكن تتعايش معها باعتبار ان التيار الاسلامي موجود في المجتمع السياسي و داخل اسوار الجامعة و حتى داخل النقابات و منظمات المجتمع المدني .

مساحة حرية الاعلام في العشرية الاخيرة من حكم بورقيبة كانت مفتوحة لكل ألوان الطيف السياسي فلا ننسى مثلا ان المرحوم محمد مزالي لم يكن على عداء مع الحركة الاسلامية و كانت توجهاته العروبية معروفة مما جلب له انتقادات التيارات اليسارية و الليبرالية حتى قال ذلك التصربح الشهير بأن " الشيوعيون في تونس هم المصرانة الزايدة للاستعمار الفرنسي " . كما أن اغلب القيادات النقابية التاريخية كانت تتواصل مع قيادات الاتجاه الاسلامي وقتها فقد كان الوزير و النقابي احمد بن صالح على تواصل معهم ، بل انتقد في جلسة جمعتني معه من يسمون انفسهم بالحداثيين في تونس لأنهم يجهلون حقيقة الحداثة و قال لي بصريح العبارة "انا حداثي و مثقف و أدخن السيغار و طالعت الفلسفة الغربية اما النخبة متاعنا نكبة " . ما الذي حدث بعد ذلك ؟
بعد انقلاب 7 نوفمبر 1987 ، شن بن علي في بداية التسعينات حملة استئصالية رهيبة ضد حركة النهضة قيادة و قواعد و زج بهم في السجون بعد ان ادرك أنهم المعارضة القوية في الشارع بعد انتخابات 1989 ، و وفر له الغطاء السياسي و الثقافي نخبة من الانتهازيين و المتطرفين الايديولوجيين الذين باركوا لبن علي انقلابه على مساحة الحرية خلال السنتين التي تلت انقلابه على بورقيبة ، و كانوا بعتقدون ان الأمور ستؤول لهم بعد التخلص من خصمهم السياسي ، لكن حساباتهم سقطت في الماء لان بن علي انقض عليهم سنة 1995 و تذكروا بعد فوات الأوان ما جاء في كتاب كليلة و دمنة " أكلت يوم أكل الثور الأبيض " . بعدها صنع النظام نخبة انتهازية ذات توجهات ايديولوجية شيوعية متطرفة و ليبرالية رديئة وفرت الغطاء الفكري للقمع و الاستبداد و حاربت بلا هوادة دعائم الهوية العربية الاسلامية لتونس تحت يافطة الحداثة ، وهي حداثة معطوبة بلا شك ،، تسلل هؤلاء الى مفاصل الاعلام و الدولة و وزارات التربية و التعليم العالي ووزارة الثقافة، و اغدق عليهم النظام الامتيازات لنشر الكتب و الصحف و المجلات التي تطبل صباحا مساء ، كما فتح لهم حانات بالبيرة المدعمة للترفيه و للتجسس عليهم ايضا .
بعض هؤلاء هم الذين يعادون حركة النهضة بشراسة لأنهم فقدوا امتيازاتهم و تحركهم لوبيات المال الجديدة التي تستثمرهم في المعركة السياسية ، اضافة الى كل ذلك لا ننس ان تصريحات بعض قيادات النهضة بعد الثورة كانت مخيفة خاصة حول الشريعة و تساهلها في استقبال الدعاة الشرقيين و تناسيها للقضايا الاجتماعية التي ثار من اجلها الشعب التونسي .
كاتب و محلل سياسي
Comments
11 de 11 commentaires pour l'article 127571