جعيط و بوحديبة يعلنان موت الاستشراق

بقلم الأستاذ بولبابه سالم
ظهر الاستشراق في اوروبا لدراسة تاريخ الشرق حضارته و حياته الاجتماعية و بنيته الثقافية ، و يظهر الاستخدام الاغلب لهذا المصطلح في دراسة الشرق في العصر الاستعماري . و لما كان الاسلام هو دين الشعوب المستعمرة اصبح معنى الاستشراق هو البحث عن معرفة الاسلام و المسلمين عقيدة و شريعة و تاريخا و مجتمعا و تراثا .

يؤكد الدكتور عبد الوهاب بوحديبة (اب علم الاجتماع في تونس و عضو المجمع الاوروبي للآداب و الفنون) ان الاستشراق و علم الاجتماع لم يكونا الا بابا من ابواب العلوم الاستعمارية من حيث موضوعهما لضرب الهوية الثقافية للشعوب المستعمرة ، و يعترف " ريني موتي " حرفيا في مشروعه (علم الاجتماع الجزائري) حيث يقول ؛" لنا مصلحة نظرية و تطبيقية لنتعرف على حياة الشعوب الجزائرية ، فالاستعمار الفرنسي هو الذي دفع بالدراسات السوسيولوجية و ان مبشرينا لافيتو و شارلوفوا أسسا البحوث الاجتماعية في امريكا كما أسستها في افريقيا جيوشنا و حملاتنا الاستشراقية " .
و الحقيقة ان الاشكال ازداد تعقيدا بعد ان اتضح ان هذه الشعوب الاسلامية المهزومة عسكريا لم تخضع ذهنيا و عقليا لسيطرة الغرب ، و اتضح لهؤلاء الباحثين ان الاسلام هو سر المقاومة و انه مادام متأصلا لدى شعوب جنوب المتوسط فلن يكتب الدوام للاستعمار الغربي.
و يضيف بوحديبة ان المستشرقين و علماء الاجتماع في الغرب ابتدعوا حملات تشويه شنيعة ضد الاسلام و المسلمين لتصبح الصورة المتداولة عن حضارتنا كاريكاتورية و مبتذلة . و يشدد في كتابه "لافهم ، فصول عن المجتمع و الدين " الى العودة الى جذور ظهور علم الاجتماع في اوروبا و تطبيقاته على المجتمعات الاسلامية من أجل وضعه في اطاره التاريخي . هذا ما يقوله مفكرنا الكبير في الوقت الذي يتلقف بعض النخب مقولات المستشرقين المشينة ضد الاسلام و رموزه لضرب الوحدة الثقافية لشعوبهم وهم في الواقع مجرد كمبرادور ثقافي عميل و رث .
و لعلنا نرى حملات تشويه القرآن و الرسول (ص) ضمن حملة الأكاذيب الشنيعة في كتاب "تاريخ القرآن " للمستشرق الالماني تيودور نولدكه الذي ألفه سنة 1860 و قد اعتبره الكثير من الباحثين الغربيين وقتئذ يفتقد الى ادنى درجات النزاهة و الموضوعية العلمية . و للاشارة فإن هذا الكتاب تم ترويج نسخ عديدة منه في معرض الكتاب بتونس و لبنان سنة 2004 . و من المؤكد ان بعض الذين يروجون للافكار التي تستهدف عقيدة الشعب قد اخذوا تلك الخرافات من ذلك الكتاب .
و نجد ايضا كتاب "قيم الاسلام الجنسية" لجورج بوسكي و فيه تشويه لحياة المسلمين الخاصة ، و يؤكد بوحديبة ان هذا الكتاب قد استند الى خرافات صدقها بعض المفكرين الغربيين و المسلمين ، و قد رد عليه بكتاب "الجنس في الاسلام " . كما ان هناك نظرة عنصرية ترفض ما يدور خارج فلك الغرب و يشككون حتى في انسانية من يرفضها فلا نراهم مثلا يتكلمون عن الامم و الشعوب الاسلامية و لكن يستعيضون عنها بالحديث عن العشائر ، و لا عن القيم الاخلاقية الاسلامية و لكن عن العادات ، و لا عن الايمان الاسلامي و انما عن المعتقدات ، و لا عن الفن الاسلامي و انما عن الفلكلور .
و هذا الموقف يتماهى معه الفيلسوف محمد عابد الجابري في كتاب "المسألة الثقافية في الوطن العربي" عندما اشار الى ان الاستعمار و القوى الغربية تسعى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي الى ضرب الهوية الثقافية لشعوب شمال افريقيا عبر خلق صراعات ثانوية و اثارة قضايا تتصل بالعقيدة و المسألتين الحقوقية و العرقية و الاقليات لزرع الفتنة و تفتيت وحدة تلك الشعوب .، تلك الوحدة التي لم ينس الاستعمار انها كانت من دعائم المقاومة و تحرير الارض و طرد الغزاة .لذلك تشكل ظاهرة الاختراق الثقافي أولوية لديهم لضرب الاسلام باعتباره عتصر تعبئة يمكن ان يوظف ضد الهيمنة التي يمارسها الغرب ثقافيا و حضاريا .
و الموقف من الاستشراق سانده ايضا المفكر ادوارد سعيد في كتاب "الاستشراق " حين اعتبره ينطوي على اهداف دنيئة فيها تشويه و تحريف لا يليق بباحثين .
و لأن تونس ولادة فقد اعلن الدكتور و المؤرخ هشام جعيط منذ افريل 2016 نهاية الاستشراق على يد احد الشرقيين المسلمين (يقصد نفسه) في اشارة الى مشروعه الاخير "السيرة النبوية " بعد غربلة مقولات المستشرقين و التمييز بين الموضوعي و بين من يعتمد الكذب و التشويه و خدمة الاجندة الاستعمارية .
و لأن الاستعمار يخلق طابورا محليا ليخدم أجندته الثقافية و الاعلامية فلا عجب ان نرى بعض ثقفوت الثفاهة و صحفجيي الخمارات يعملون على احياء مقولات و خرافات المستشرقين حول القران و سيرة الرسول ، و هؤلاء يسميهم المفكر انور عبد المالك بالعملاء الحضاريون للغرب ، و من المؤكد اننا لن نرهق أنفسنا حتى نعرفهم في تونس .
شكر خاص للدكتور بوحديبة الذي كشف اهداف المستشرقين و للدكتور جعيط الذي أعلن نهاية الاستشراق.
كاتب و محلل سياسي
Comments
2 de 2 commentaires pour l'article 127303