هل تعرّض رمضان إلى عملية سطو واختطاف ؟

<img src=http://www.babnet.net/images/5/marcheramadan.jpg width=100 align=left border=0>



منجي المازني


لا شكّ أنّ الغاية الأساسية من شعيرة الصّيام إنّما هي تحقيق التقوى كما ورد ذلك مفصّلا في كتاب الله. غير أنّه لا يمكننا عمليّا إدراك ذلك إلاّ إذا نزّلنا رمضان في سياقه الموضوعي الذي يجب أن يتنزّل فيه من ذكر وتلاوة قرآن وقيام وتأمّل وصبر على المكاره والشهوات وتجنّب للغيبة والنّميمة ومنكرات القول. فمنسوب التقوى يعلو بقدر تهيئة الظروف الملائمة للضيف الكريم وإيلائه المكانة المتميّزة الخاصّة به، بل واستقباله واحتضانه بما يستحق من أحاسيس ومشاعر صادقة. ولكن هل مازلنا اليوم على العهد، نولي رمضان ما يستحق من مكانة خاصّة ؟



في الحقيقة لقد تغيّرت سلوكيات النّاس تجاه رمضان بمقدار ابتعادهم عن الالتزام بثوابت الدين عموما و بمقدار انصرافهم إلى الشهوات والملذّات.
بداية الانحراف جاءت من الدولة نفسها التي لم تدّخر وسعا في تحييد رمضان ومنعه من التأثير الإيجابي في حياة النّاس. حيث أنّه، قبل حلول شهر رمضان بحوالي ثلاثة أشهر تعلن الحكومة أنّها قد اتّخذت كلّ الإجراءات اللّازمة لتأمين الاكتفاء الذّاتي من اللّحوم والخضر والغلال والمياه المعدنية وما سواها من المواد الغذائية خلال شهر رمضان ! بما يوحي وكأنّ رمضان جاء خصّيصا لإشباع شهواتنا من مختلف المأكولات والمشروبات. ألا يعدّ هذا السلوك تعدّ صارخ ومفضوح على حرمة شهر رمضان ؟ ثمّ ألا يعدّ هذا السلوك الرسمي من جانب الحكومة مؤشّرا على بداية تحويل وجهة الشهر الكريم من شهر للابتهالات والتأمّلات والخشوع والتقوى إلى شهر يتميّز بالحرص الشديد والمبالغ فيه على إشباع الشهوات ؟

للاسف، لقد تعمّق هذا الشعور الذي لمسناه و نلمسه من خلال سلوكيات شريحة واسعة من النّاس، تلقّفت بسرعة سياسة الدولة (العميقة) وانخرطت في المشروع، مشروع التحويل،ؤسواء كان ذلك بحسن نيّة أو بسوء نيّة ( وما توصّي يتيم على نواح كما يقال) ثمّ هي أضافت إلى ذلك سلوكيات غريبة هي الأخرى. فبحلول شهر رمضان يتبادل النّاس التهاني وتتبادل عديد النسوة التهاني بقدوم الشهر الكريم وهنّ كاسيات عاريات دون أن يشعرن بالإحراج. وما ذلك إلّا لأنّ رمضان أصبح عنوانا للتبرّج والتمتّع بتذوّق أصناف المأكولات والمشروبات والاستجابة للشهوات بدل الإكثار من الابتهالات والتأمّلات. لذلك بات من المألوف أن نلاحظ في الأيام الأولى من رمضان أنّ المغازات والأسواق تكاد تنضب من المواد الغذائية والخضر والغلال لأنّ البوصلة أصبحت معدّلة على الأكل والشرب وحسب.
كما أنّ في رمضان يتكثّف بثّ المسلسلات الهابطة والبذيئة والفوازير والكاميرا الخفية وألعاب القمار والمسلسلات والسكاتشات الهزلية المملوءة بذاءة وقبحا وقلّة حياء. فما أن يحين موعد الإفطار حتّى يجد الصّائم نفسه، دون إرادة منه، منخرطا في إحدى هذه المسلسلات القبيحة أو ألعاب القمار. ثمّ يحين موعد صلاة العشاء فيذهب الصّائم لأداء صلاة العشاء وبعض الركعات من صلاة التراويح ثمّ يخرج مسرعا متّجها للمقهى ليروّح عن نفسه بطريقة ثانية خلال الفترة الموالية من السهرة بترشّف فنجان قهوة وبتدخين النرجيلة ( الشيشة ). فالمقاهي منتشرة بكثرة. وحول كلّ مسجد ينتصب العشرات من المقاهي. ويمكن القول أن الشيء الوحيد الذي نملك منه الاكتفاء الذّاتي وزيادة في تونس (وربّما في كامل الوطن العربي) إنّما هو المقاهي بكلّ أنواعها. حتّى أنّ بعض السياسيين أصبحوا ينافسون المشاهير من الفنّانين والرياضيين على الإستثمار في المقاهي الفاخرة بالأحياء الراقية. وقد تابع التونسيون، مؤخّرا، باندهاش وذهول، عمليّة تدشين مقهى فاخر لأحد المتنفّذين السياسيين من قبل 5 وزراء ينتمون لحزبه. فيما أنّ المشاريع المنتجة لا يدشّنها عادة إلّا وزير واحد. بما يعني أنّنا مجتمع إستهلاك لا إنتاج.
هذا، وأنّ القنوات التلفزية (التونسية) لم يفتها أن تتحفنا ببعض البرامج والدروس الدينية. في هذا السياق نلاحظ أنّ المنشّط بعد أن يستقبل الفنّانات المتبرّجات الكاسيات العاريات بالقبلات ويودّعهنّ بالقبلات، يستقبل مباشرة شيخ علم بالجبّة و الشاشية التونسية لكي يؤكد للمشاهدين أنّه فعلا انتقل إلى إعطاء موعظة ولولا ذلك لما فهم المشاهدون أنّ صاحبنا انتقل على الجدّ بعد الهزل والتفسّخ. لذلك يحقّ لنا أن نتساءل هل هان شهرالصّيام وعبادة الصوم، وهل هان الدّين على القنوات التلفزية وعلى الدولة حتّى تتمّ معاملته بهذا الشّكل وبهذا الأسلوب؟ وهل أصبح الدّين يتيما وبدون سند حتّى يعامل باستفزاز وبلا مبالاة ؟

الأغرب من ذلك كلّه أن يقع ازدراء الدّين من طرف البعض ممّن يسمّون أنفسهم علماء. لقد شاهدت شيخ علم على إحدى القنوات التلفزية بصدد إلقاء درس حول الصّيام. فطرح عديد الأسئلة من مثل هل الصيام عادة أم عبادة وهل الصيام فرض أم سنّة وهل يصوم النّاس في رمضان أم لا ؟ وقال لنتعرّف على رأي الشارع في التقرير التّالي. ولكن، متى كان الدّين يخضع لرأي الشّارع ؟ فهل نحن بصدد متابعة مقابلة في كرة القدم حتّى يمدّوننا بتعاليق المتابعين وانطباعاتهم على أطوار المقابلة ؟ والغريب أنّ أجوبة المستجوبين توزّعت بين العادة والعبادة وبين الفرض والسنّة. وما أدهشني في التقرير أنّ شيخا قال إنّ الصوم جاء ليدفعنا إلى الإحساس بالجوع. وبما أنّنا جوعى وفي جوع متواصل ونعرف الجوع جيّدا فلا فائدة إذا من الصّيام. ومن هذا المنطلق فأنا لم أصم في حياتي ولو يوما واحدا ! وقال شاب في العقد الثالث من العمر : أنا أصوم وأفطر ولكن إذا أفطرت في اليوم الأول فحتما سأفطر بقية الأيام('إذا فطرت في اليوم الأول نلعج عليه الكل') فأيّ خور هذا ؟ شيخ علم يسمح لنفسه بتمرير لقطات، وهو يضحك. أليس في ذلك إساءة إلى رمضان وحطّا من منزلته العليا ؟ فهل أصبح رمضان محلّ تندر البعض بمن فيهم العلماء ؟؟؟
لقد أدركت عديد الأطراف أنّه لا مفرّ من الانخراط في، مشروع ،رمضان (الحكومي) تماهيا مع مقدّسات البلاد والعباد وإلاّ خسرت الكثير. فاختطفت الاسم وحافظت عليه بدون تبديل ولا تحريف وحوّلته من علامة مميّزة للتجارة في كلّ أنواع البرّ والإحسان إلى تجارة بالقيم وإلى صناعة مختصّة في محاربة الدّين ومحاربة رمضان نفسه. فالاختطاف ليس مقتصرا على استهداف الأشخاص و الطّائرات بل يمكن أن يطول المقدّسات أيضا.



Comments


11 de 11 commentaires pour l'article 126818

Fenac  (Tunisia)  |Dimanche 19 Juin 2016 à 11:34           
خالق عظمةهذا الكون اللمتناهي لاهي بشكون صام ابشكون افطر هههه

Mongi  (Tunisia)  |Mercredi 15 Juin 2016 à 10:33           
تحّيّاتي إلى أخي مسالم

Mongi  (Tunisia)  |Mercredi 15 Juin 2016 à 10:30           
أخي Citoyenlibre
معلوماتك عن الإسلام قليلة وغير معمّقة فأدعوك،بكلّ لطف،إلى التعمّق في البحث عن الإسلام. وبعد ذلك "﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) ﴾. [سورة القصص]."

MOUSALIM  (Tunisia)  |Mardi 14 Juin 2016 à 17:20           
رمضان لم يتعرض لعملية خطف بل هو كما ذكرنا مرارا مجرد دربي بين فريقين فريق آدم المعرفي وإبليس الإنفعالي بمعنى بين دماغنا الحديث والعلوي ودماغنا السفلي بالبطن الذي فقد شرعيته بعد انتخاب خليفته رغم رفضه لنتائج الانتخابات وتواصل الصراع مع الابناء فهابيل حامل للمعرفة والاخلاق اما قابيل فهو فاقد للمعرفة والاخلاق لذلك وبعد ان قام بتصفية أخيه كان عليه انتظار الغرابين ليتعلم كيف يواريه التراب فرمضان هو شعيرة للمؤمنين حصريا اما الاسلام فهو مبادئ كونية
ومظلة تسع كل الملل والنحل

Citoyenlibre  (France)  |Mardi 14 Juin 2016 à 16:51           
@mongi ان كان هذا دليلك على وجود الإلاه فهو دليل ضعيف ولا قيمة له ،،إذا كان من خلقني يدعي أن الإيمان في القلوب التي هي في الصدور ،،ويخطؤ في وصف تكوين الجنين ويدعي ان السماء هي بناء صلب وكانت ملتصقة بالأرض ،،،وغير ذلك من الأخطاء والتناقضات ،،،شخصيا تحررت من هاته المتاهات والخرافات التي تمنعني من ان اتساءل و أشك ،،،فلهذا أنا حر ،،،مع كل احتراماتي و معذرة ان كنت أزعجتك

Mongi  (Tunisia)  |Mardi 14 Juin 2016 à 14:46           
@Citoyenlibre
أنت لست حرّ. هل تستطيع أن تبقى بدون أكل ولا شرب وبدون أن تتنفّس وبدون أن تنام وبدون أن تستريح من الفضلات ؟ إذن أنت لست حرّا بل أنت عبد لمن خلقك وركّبك من عديد الأجهزة(الجهاز الهضمي والتنفسي،الجهاز العصبي، القلب ...). فكلّ هذه التركيبة لا تأتي صدفة فالمطلوب إذن أن تبحث عن من ركّبك على هذه الصّورة. قال الله تعالى : " يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ( 6 ) الذي خلقك فسواك فعدلك ( 7 ) في أي صورة ما شاء ركبك"

Mongi  (Tunisia)  |Mardi 14 Juin 2016 à 14:36           
@Ameur Omri
بارك الله فيك

Ameur Omri  (Tunisia)  |Mardi 14 Juin 2016 à 13:43           
مقالك راءع يا منجي ولكن كان عليك وضع صورة صخر لماطري بجانب شيخ الغلبة محمد مجفر ويا منجي لايغرنك تقلبهم في لبلاد

Citoyenlibre  (France)  |Mardi 14 Juin 2016 à 12:34           
أنا لست رمضان ولست شعبان أنا إنسان حر ،،،

Hassine Hamza  (Tunisia)  |Mardi 14 Juin 2016 à 12:16           

نعم

ويجوز لك أن تنزل للشارع حاملا لافتة مكتوب عليها :

أنا رمضان

Citoyenlibre  (France)  |Mardi 14 Juin 2016 à 12:07           
و ما دليلك ان القرآن هو كتاب الله وان الله موجود ؟؟؟قد قال القرضاوي واعترف ان :: لو لا حد الردة لما انقرض الاسلام ،،فكل الأديان في حالة انقراض لان اكبر عدو للدين هو العلم و الاعلام ،، واليوم العلم في متناول الجميع والإعلام ايضا


babnet
All Radio in One    
*.*.*
Arabic Female