نعيب زماننا و العيب فينا

<img src=http://www.babnet.net/images/1b/na3ibouzamanana.jpg width=100 align=left border=0>


عبد الجليل الجوادي

أردت أن أفتتح هذا المقال بأبيات للإمام الشافعي يقول فيها:

...

نعيب زمانــنا و العيب فينــا ***** و ما لزمــاننا عيب ســوانا
و نهجو ذا الزمان بغير ذنب ***** و لو نطق الزمان لنا هجانا


أقول هذا الكلام، حتى ندرك جميعا أنه لم يخل زمان قديما و لا حديثا من مشاكل و صعوبات قد تختلف كما و نوعا و لكن لا تغيب عن واقع البشرية إطلاقا. و من هذا المنطلق، وجب علينا أن نتعامل بإيجابية مع كل التحديات المطروحة علينا، بمنطق الوعي الصحيح بطبيعة هذه المشاكل و أيضا بقناعة راسخة أنه لا يوجد مشكل بغير حل. و لا شك أن لكل عصر من العصور، آلياته الخاصة في مواجهة هذه التحديات تختلف باختلاف الزمان و المكان و الثقافات و درجة النضج الفكري و الحضاري لتلك الشعوب. و نحن كشعب عربي مسلم، جزءا لا يتجزأ من أمة لها تاريخها و مميزاتها الحضارية و لها أيضا آلياتها الخاصة لمجابهة كل الصعوبات بنجاعة فريدة و قدرة فائقة نجد سرها في كتابنا المقدس. القرآن الكريم الذي جعل الله فيه حلا لكل المصائب التي تتخبط فيها البشرية عبر الأزمنة. و لقد كانت الدعوة من الله صريحة للمؤمنين يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ صدق الله العظيم.
و لسائل أن يسأل، أولسنا الآن أحياءا؟ أيوجد في القرآن حياة أفضل و أقوم يدعونا إليها خالقنا عبر الإستجابة لما أمر به جل في علاه و ما أمر به رسوله الأكرم (صلم)؟ و هل تستقيم الحياة أصلا في غياب مقومين أساسيين، الأمن و الكفاية المادية. هل تستقيم الحياة إذا تملك الخوف من قلوب الناس و تحكم فيهم الفقر و قلة ذات اليد و جاعت البطون؟
أولسنا الآن نعاني في مجتمعاتنا قلة الأمن وغلاء المعيشة؟ أو لم يصدعوا رؤوسنا بالحديث عن قفة المواطن و قلة ذات يده في مواجهة الغلاء الفاحش الذي استنزف كل طاقة لديه؟ أو لسنا الآن في معركة مع الإرهاب الذي روع الآمنين و خلف اللوغة في القلوب و سلبنا نعمة الأمن التي كنا فيها و نتألم اليوم على فقدانها و ما سلبنا من فضائلها؟

كل هذا واقع نحياه جميعا و لا ينكره أحد منا، و لكن سؤالنا الآن، هل من حل للخروج من هذا الوضع القاتم؟ و هل في القرآن الكريم حل لمشكلتنا و مشكلة كثير من الشعوب أمثالنا قريبا منا و بعيدا عنا؟
أنا أزعم أن الخوف و الغلاء هي أوبئة تصيب بعض المجتمعات نتيجة ما تقدم عليه من أفعال أعتبرها مقدمات طبيعية لنتيجة حتمية هي الإصابة بهذا الداء العضال الذي يقوض أركان الشعوب من الداخل و يصيبها بالتحلل و ربما يؤدي بها إلى التقاتل في ما بينها و الوقوع في الضعف و بالتالي وقوعها كنتيجة لذلك فريسة بين براثن الإستعمار الذي يترصدها.
نجد تفسيرا لهذا الكلام في قول الله تعالى في سورة النحل ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ صدق الله العظيم.
إذا، فالجوع و الخوف إنما هي نتيجة حتمية لكفر النعم. فحين تكفر الشعوب بنعم الله و تتنكب عن منهجه القويم و تتنصل تباعا من عرى الإسلام، يلبسها الله لباس الخوف و يسلط عليها الجوع ينخرها، لعلها أن تتوب و ترجع عن الكفر و المعاصي.
و لننظر اليوم بعين الصدق لواقع حالنا. ألسنا اليوم ننصب المنابر للمارقين، كي يحدثوننا عن الشذوذ الجنسي بدعوى حرية التعبير. ألسنا نحن من سمح لجمعية شمس بأن يكون لها وجود قانوني و يكون لها الحق في الكلام و هي التي تؤسس لمجتمع حيواني بل و أقل بكثير من ذلك، فالحيوان يفرق بين الجهاز التناسلي و الجهاز الهضمي أما هؤلاء، فالشهوة عندهم عمياء...
ألسنا نحن من نحارب التدين و ننتقد الحجاب و نصفه بالرجعية و التخلف، و نشجع فتياتنا على التعري و لبس ما لا يستر تحت غطاء حرية المرأة و شعارات أخرى...؟
ألم نصادق على قوانين تبيح الزنا و تشجع على تعدد الخليلات و تحارب شرع الله و حكمته في تعدد الزوجات ضمن ضوابط شرعية؟
ألم نحارب التعليم الديني و نغلق جامع الزيتونة لسنوات عديدة بأيدينا بعد أن فشل الإستعمار الفرنسي في تحقيق ذلك؟
ألسنا نحن من قتل و نهب و سلب و ظلم؟ أليس كل هذا فينا و أكثر من هذا مما لا يقع تحت حصر؟
ألم نتآمر على فئة منا كل ذنبها أنها أرادت ذات يوم أن تعيش بكرامة و حرية و أن تمارس شعائر دينها دون قيد أو رقيب؟ فملأنا بها أقبية السجون و المعتقلات و مارسنا عليها العنف و الترهيب و شردناها في أصقاع الأرض. و طالت يد الظلم عوائلهم و أقاربهم بالقمع و الحرمان من أبسط الحقوق و القهر و الإذلال بغير ذنب. حتى نشأ على إثرهم جيل يحمل النقمة و الكراهية للمجتمع عامة و السلطة على وجه الخصوص. و بدلا من التدين على منهج وسطي، نشأت لنا فرقة متشددة تكفيرية، لا تعرف من الدين أكثر مما تجهل. وجدت ضالتها في بعض المشائخ المارقين عن الدين استمعوا إليهم عبر الفضائيات في ظل التصحر الديني الذي عرفته الشعوب طيلة عقود من الزمان...فكان التفجير و التقتيل و التكفير و التفسيق على غير علم أو هدى أنما باتباع و هوى.
إن الحل بأيدينا و تحت أيدينا. ليس بيننا و بينه سوى وعي صحيح و إرادة صادقة. و عي بواقعنا و إرادة في التغيير للوصول إلى بر الأمان.
الأمان و ما أدراك ما الأمان الذي سلبنا نعمته بسبب كثرة ذنوبنا و بعدنا عن ديننا و منهج ربنا و سنة رسولنا.
و قديما قال الشاعر أبو نواس: و داوني باللتي كانت هي الداء.
فإن كان داؤنا في البعد عن ديننا فلا شك أن دواءنا في التصالح مع هويتنا و عقيدتنا و رجوعنا إلى أصولنا و موروثنا الثقافي و الحضاري، نستلهم من سيرة الأولين ما تستقيم به حياتنا و نسلم به من داء الخوف و الجوع، و تتوفر لنا من خلاله كل مقومات العيش الكريم.





   تابعونا على ڤوڤل للأخبار

Comments


4 de 4 commentaires pour l'article 122099

Njimabd  (Tunisia)  |Mercredi 16 Mars 2016 à 16h 46m |           

كل ما يصيبنا من مصائب و كوارث و جفاف فبما كسبت أيدينا و علينا بمراجعة أنفسنا

قال الله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير* الشورى 30
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا* وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا* الإسراء 16 و17

Moncef Saadaoui  (Tunisia)  |Mardi 15 Mars 2016 à 19h 46m | Par           
الإسلام هو الحل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها ﻻ يزيغ عنها إلا هالك.

Amel Benyoussef  (Tunisia)  |Mardi 15 Mars 2016 à 10h 55m |           

Mandhouj  (France)  |Lundi 14 Mars 2016 à 21h 25m |           
محاربة الفساد بداية الحل ... آليات مراقبة ديمقراطية للتصرف العمومي ... من بدايات الحل ... الثورة الرقمية يمكن أن تعين على ذلك ... الشعب يترقب في ثورة وعي لدى السياسي ... لدى النقابي ... فمتى الاستفاقة ؟ الشعب حرر الأحزاب من غطرسة الدكتاتور ... هم ينعمون بالديمقراطية اليوم ... الشعب يريد حاكم جاد يحكمه و يحميه و يطور مساهمة المواطن ...


babnet
All Radio in One    
*.*.*